ما إن تكاد تصل إلى مدينة صيدا اللبنانية قادماً من الشمال، حتى يتراءى أمام ناظريك يافطة على مدخل المدينة، تشير إلى المسافة التي عليك أن تقطعها للوصول إلى مدينة القدس.
199 كلم من صيدا إلى القدس، مسافة ليست بعيدة بحسابات الجغرافيا، ويبدو أن بلدية صيدا حين قررت تعليق اليافطة منذ أسبوع، أرادات القول: أنه حتى بحسابات السياسة والواقع على الأرض ربما لم تعد عاصمة فلسطين بعيدة، لا سيما في ظل الصمود الجلي الذي أظهره منذ أكثر من شهر أهالي حي الشيخ جراح والفلسطينيون المرابطون في المسجد الأقصى وما يزال يظهره أهالي القدس والضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 48 ، وغزة التي دافعت بدماء أبنائها عن المدينة المقدسة.
قد تكون رسالة من الفلسطينيين في صيدا واللبنانيين المتضامنين معهم، بأن ما شهدته فلسطين قد جعل من القدس أقرب.
بلدية صيدا والحملة العالمية للعودة إلى فلسطين دعتا إلى تدشين اللوحة في لفتة تضامنية من بين سلسلة فعاليات شهدتها مدينة صيدا طيلة الشهر الماضي وما تزال مستمرة، تزامناً مع انتفاضة فلسطين والعدوان على غزة.
صفر كلم بين صيدا والقدس
يقول رئيس بلدية صيدا، محمد السعودي: "من صيدا إلى القدس ١٩٩ كلم بحسابات العالم، صفر كلم بحساباتنا لأن فلسطين تمشي في وجداننا كمسرى الدم في الجسد، يرونه بعيداً و نراه قريباً إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب".
ويضيف: "من صيدا إلى القدس وغزة وحيفا وعكا ويافا وميرون وكل شبر من أرض فلسطين، كل فلسطين من البحر إلى النهر ومن الشمال إلى الجنوب، من صيدا هنا فلسطين التي أصبحت في كل شبر فيها تجسد أمثولة للصمود والشجاعة والكرامة والعنفوان وكل المعاني السامية والتي اليوم جسدتها غزة".
ويتابع: "غزة هاشم غزة العزة حيث سطر أبطال المقاومة الفلسطينية ملاحم في وجه الاحتلال الصهيوني الذي لم يعد بإمكانه أن يختبأ خلف إعلامٍ هنا أو هناك ليخفي جرائمه التي أدانها كل العالم الحر وكل إنسان شريف أينما كان".
لافتة القدس هي للدلالة على قربها جغرافياً وهي أساساً في القلب
وفي حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، يقول أمين سر الحملة الإعلامية العودة إلى فلسطين، عبدالملك سكرية: "لافتة القدس هي للدلالة على قربها جغرافياً وهي أساساً في القلب، وحتى تعرف الناس أن القدس ليست في قارة أخرى أو كوكب آخر، بل هي قريبة وأي شخص يملك سيارة خاصة يمكنه الذهاب وتناول الغداء هناك ويعود إلى بيته هنا، بعد التحرير طبعاً".
ويشير سكرية إلى أنها "تشير إلى "أن القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين تحت الاحتلال، و فرض وواجب على كل عربي ومسلم العمل بكل ما أوتي من قوة لتحرير المقدسات من دنس الاحتلال، وهي تربوية وتعبوية"، موجهاً "التحية لشعبنا الفلسطيني الصابر والصامد البطل المضحي الذي مازال يواجه أشرس و ألئم مؤامرة إستعمارية صهيونية منذ حوالي مئة عام".
وجود مخيم عين الحلوة والتداخل الموجود بين صيدا والأخوة الفلسطينيين يعطي رونقاً خاصاً للعلاقة بين صيدا وفلسطين
من ناحيته، يعتبر عضو مجلس بلدية صيدا كامل كزبر أن "هذه اللوحة رغم صغر حجمها إلا أن أهميتها كبيرة جداً، وصحيح أن المسافة الجغرافية هي ١٩٩ كم من صيدا إلى القدس، لكن المسافة الوجدانية هي صفر لأن القدس موجودة في قلوبنا وصيدا كانت ومازالت النصير الأول لفلسطين والقدس وتوأم عكا، المدينة التي تشبه صيدا بالكثير من آثارها وتقاليدها وتراثها، و وجود الأخوة الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة والتداخل الموجود بين صيدا والأخوة الفلسطينيين يعطي رونقاً خاصاً للعلاقة بين صيدا وفلسطين، فلسطين موجودة في قلب كل صيداوي وان شاء الله ستبقى حتى يتم تحريرها".
وخلال شهر مضى شهدت مدينة صيدا كثيراً من مظاهرات التضامن مع فلسطين شارك فيها لبنانيون وفلسطينيون على المستوى الشعبي والرسمي.
مظاهرات أسقطت مقولة التوطين
في هذا السياق يقول أمين سر حركة فتح وفصائل منظمة التحرير في لبنان، فتحي أبو العردات لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "نحن شعب واحد نتكامل ونرفع راية بالتناوب ما بين الوطن وبين الخارج، وخاصة أننا نحن وإخوتنا اللبنانيون الذين ضحوا معنا وواجهوا الاحتلال الإسرائيلي وقدموا التضحيات الجسام، خلال الاجتياح عام 1982 وخلال معركة تحرير الجنوب، هذا فخر لنا وبالتالي مثال يحتذى في عملية التضحية والوحدة الوطنية. نحن موحَدون إن شاء الله في الداخل والخارج ومتلاحمين مع شعبنا والقدس ستنتصر حتماً".
ويرى أن "مقولة التوطين اليوم سقطت سقوط كاملاً وتأكيداً على العودة، هي المسيرة الكاملة التي حصلت عام 2014 وسقط عدة شهداء ارتقوا يومها على السياج وحدود فلسطين، سقطت تلك المقولة منذ ذلك الزمن لأن المسيرة كان اسمها مسيرة العودة لذلك نحن اليوم ندق أبواب العودة في القدس وفي وطننا الحبيب فلسطين".
الوقفات التضامنية مع شعبنا في فلسطين تشد من عضده
من جهته، يقول شكيب العينا، مسؤول العلاقات الوطنية والخارجية لحركة الجهاد الإسلامي في لبنان: "بالتأكيد هذه الوقفات التضامنية مع شعبنا الفلسطيني في كل الساحات تعطي زخم وقوة ومعنويات عالية لشعبنا الفلسطيني في داخل الوطن المحتل، وبالتالي تشد من عضضه من أجل أن يستمر في صموده ومقاومته ضد العدو الإسرائيلي بكل أشكاله وبكل أشكال عدوانه المتمادي على شعبنا وعلى أهلنا في كل مناطق فلسطين سواء في 48 أو في الضفة أو القدس أو في ساحات المسجد الأقصى أو غزة".
ويتابع: "اليوم العدو الإسرائيلي يمارس عدوانه الوحشي ضد الشجر والبشر والحجر، وبالتالي هذا العدو لا يمكن أن يردع إلا من خلال المقاومة الباسلة التي أذاقته بأسها، وأرست قواعد الإشتباك من جديد وزعزعت أركانه التي تهاوت أمام صمود ضربات المقاومة".
وحول المشاركة الشعبية، تحدث الحاج أبو جهاد ديب ، وهو فلسطيني من قضاء عكا يعيش في مخيم الرشيدية، عن صنعه لـ "المجسمات البلاستيكية للقسام، وإن شاء الله في الأيام القادمة سنصنع الصاروخ على قياس 250. هذه المجسمات تعبر عن وقفتنا مع إخواننا في فلسطين عندما يحين الجد نخلع قناع التمثيل ويبدأ الجد بإذن الله".
لو مرّ ثلاثة وأربعة أجيال فنحن عائدون
بدوره، يوضح اللاجئ الفلسطيني رياض سرحان من بلدة طولكرم ويعيش في مخيم عين الحلوة: "نتيجة الضربات الصهيونية على أرضنا الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، نحن هنا في لبنان متضامنين مع شعبنا الفلسطيني الذي يصمد في مكافحة هذا العدو المتسلط المتصهين الذي احتل أرضنا منذ 74 عاماً".
ويقول: "صبرنا كثيراً و لم يبق إلا القليل وسنعود بإذن الله تعالى لا محالة وهذا قرار حق وضمني وقرار إلهي، كل فلسطيني في كل أنحاء المنطقة في الداخل والخارج ما لم يستطع أن يقاوم من أجل فلسطين بالسلاح والبندقية، على الأقل يجاهد في هذه المواقف على أراضي الشتات وأراضي فلسطين ويرفع صوته عالياً مستنكراً لهجمات هذا الاحتلال، وهو الذي دمر معظم أنحاء فلسطين وشبابها".
أما اللاجئة الفلسطينية دعاء كروم تشير إلى أنها جاءت دعماً للفلسطينيين الصامدين في الأقصى "لنقول لهم أننا هنا في الشتات معهم ولم ننس أبداً وبإذن الله عائدون".
وحول مشاركة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بالمسيرات التضامنية، تولي كروم هذه المشاركة "أهمية كبيرة لأننا نخبرهم أننا معهم ونساندهم ولو مرّ ثلاثة وأربعة أجيال فنحن عائدون بإذن الله".
أما اللاجئة الفلسطينية عليا خزعل، وهي من سكان مدينة صيدا، تقول: "نحن نتضامن مع أهلنا في فلسطين على مواقع التواصل من خلال نشر هاشتاغ على فيسبوك وتويتر نظراً لفعالية السوشال ميديا في فضح جرائم الاحتلال، وهذا أقل ما يمكن تقديمه. هم في الداخل الله ينصرهم لديهم سلاح ويحاربون، نحن هنا لا نملك شيء بيدنا غير المظاهرات".
شاهد التقرير