نفّذ أصحاب محلّات الخطّ البحري في مخيّم نهر البارد في مدينة طرابلس شمال لبنان، وقفة اعتراضيّة، صباح اليوم 31 أيّار/مايو، بوجه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وسياستها الرامية إلى بناء مؤسساتها على حساب إعادة إعمار المحلّات التي تم تدميرها خلال أحداث نهر البارد عام 2007.
وتدمّر ما يُقارب 27 محلّا تجاريّا صغيرًا، يُعيل 27 أسرة أو أكثر، خلال أحداث مخيّم نهر البارد عام 2007، ليبقى أصحابها اليوم إمّا عاطلين عن العمل، أو بائعين متجوّلين.
وبعد انتهاء الأحداث، بدأت الوعود بإعادة الإعمار، إلّا أنّ الدولة اللبنانية كانت رافضة في البداية، إعادة إعمار مساكن أو محلّات تجاريّة على الخطّ البحري للمخيّم، ليتمّ تعديل القرار بعد ذلك والسماح بإعادة إعمار المحلّات عام 2014.
إلّا أنّ وكالة "أونروا" قرّرت تعويض أصحاب المحلّات ببناء "مول" في منطقة صفورية، وهي منطقة غير بحرية، وتتعارض مع مصالح أصحاب المحلات وخاصّةً الصيادين منهم. إضافةً إلى أنّ تنفيذ مشروع "المول" يُبنى على حساب مساحات منازل سكّان الحي المذكور. لذلك، لاقت هذه الفكرة رفضًا جماعيًا من قِبل لجنة أصحاب محلّات الخطّ البحري، ولجنة حيّ صفورية، واللجنة الشعبية والفصائل الفلسطينية السياسيّة في المخيّم.
ويفيد أحد أعضاء لجنة أصحاب المحلّات، علي عوض، المكلّف من قبل الحراك الشعبي في "البارد"، لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أنّ منطقة صفورية التي تنوي الوكالة بناء "مول" فيها ليست منطقة تجارية بالأساس، وأنّ هذا الاقتراح الذي عرضته الوكالة سنة 2017 لاقى رفضًا من كافّة فئات المجتمع، ليتمّ بعدها عقد لقاءات وإرسال رسائل عام 2018، عبّر خلالها الأهالي وبلّغوا عن رفضهم أي إعمار على الخطّ البحري إلى حين حلّ قضيّة المحلّات.
إلّا أنّ الوكالة تخطّت التبليغات والاتفاقيات التي كانت تستثني المدارس فقط، وأقرّت إعمار مكتب مدير المخيّم، خلال العام 2021 الجاري، ليقوم الأهالي بالاعتراض، وعقد لقاءات عديدة بحضور اللجنة الشعبيّة والفصائل وممثّلين عن الملف ووكالة "أونروا"، تلخّصت جميعها بإيجاد حلّ لإنهاء المشكلة، طالما أنّ التمويل موجود لبناء "مول"، ومن هذه الحلول إعطاء تعويضات، أو إقرار الحقوق التي تنطقها الوكالة باللسان دون وثائق مثبتة، عن طريق منح الأهالي وثائق إثبات حق، وتحديد موعد لإعادة الإعمار.
وكان آخر تلك اللقاءات منذ قرابة الشهر، بحضور مدير مشروع الإعمار، منير منّة، الذي قدم من عمّان دون إعطاء أي إثباتات ورقية على أحقية الأهالي بإعادة البناء، واتسمت تلك الوعود بالمماطلة، وعادت الوكالة مخالفتها والاستمرار في بناء مكتب مدير المخيّم، وهذا ما دفع الأهالي اليوم إلى تنفيذ وقفة اعتراضية واحتجاجية في وجهها.
ضغوطات من الوكالة على الأهالي للالتفاف على مطالبهم
ويضيف عوض أنّ الوكالة تُحاول وضع العمّال ومتعهّد البناء بوجه الأهالي كي تسمح بتمرير مشروعها، إلّا أنّ عمّال البناء، الذين كانوا راغبين طبيعيًا بالعمل بمشروع "أونروا" في البداية، توقّفوا عن العمل وتضامنوا مع أبناء شعبهم بوجه سياسات الوكالة.
مكتب مدير المخيّم موجود في المخيّم ومبني وهو ليس حاجة ملحّة، بل الأفضل أن يعاد النظر في تمويل إعادة بناءه يإعطاء الناس حقوقها
وما زالت الوكالة تمارس الضغوطات والممطالة وتضع الأجهزة الأمنية اللبنانية بوجه الأهالي وبوجه تحركاتهم ومطالبهم المحقّة والطبيعية، حيث تلقّت لجنة محلّات الخطّ البحري اتصالًا من مخابرات الجيش اللبناني، الاثنين، عقب الوقفة الاحتجاجية التي تمّ تنفيذها، تمنّت خلالها المخابرات على الأهالي بالسماح باستكمال العمل بمشروع الوكالة، المعترضين عليه أساسًا.
وهذه إشارة واضحة، كما يؤكّد عوض، إلى أن الوكالة ما زالت تُمارس ضغوطاتها على الأهالي، وتعمل باتجاه إدخال وسطاء، للضغط من أجل تمرير مشروعها الخاص، الذي يتضمّن إعادة إعمار مكتب مدير المخيّم ومكتب الشؤون، وهما موجودان مسبقًا في المخيّم. ويقول عوض في هذا الصدد: "مكتب مدير المخيّم موجود في المخيّم ومبني وهو ليس حاجة ملحّة، بل الأفضل أن يعاد النظر في تمويل إعادة بناءه يإعطاء الناس حقوقها".
وأشار عوض إلى نيّة كافّة الجهات والحراكات المستقلّة في المخيّم بالتوجّه نحو تصعيد الاحتجاجات باتجاه مكاتب "أونروا" بشكل عام، في حال عاودت الوكالة إلى المماطلة مرّةً أخرى وأعادت العمل في مشروعها الخاصّ.
وكانت إدارة الوكالة قد تواصلت اليوم الاثنين، مع أمين سرّ اللجنة الشعبية في "البارد"، أبو خالد فريج، والمعطيات تُشير إلى نيّتهم عقد لقاء مع الأهالي، إلّا أنّ الأهالي، حسب عوض، رافضين اللقاءات طالما لا يوجد أي حقوق مكفولة حتى الآن، مشيرًا إلى 14 سنة قضتها الأهالي في اللقاءات والتمنيات والمماطلات والمعاناة.
ويقول عوض أيضًا إنّ المسؤولية تقع على لجنة الملف الفلسطيني، المؤلّفة من فصائل المنظمة السياسيّة، والتي قامت بحضور لقاء واحد معهم فقط، رغم المسؤولية التي تقع عليها للتحرك والضغط وحمل مطالب الأهالي.
وكانت لجنة محلّات الخطّ البحري قد أصدرت بيانًا اليوم، أكّد خلاله أصحاب المحلّات أنّهم لن يتساهلوا بعد اليوم بما يخص حقوقهم، وأنّهم يرفضون أي لقاء أو وساطة لا يكون بدايته ونهايته إعطائهم وإثبات حقوقهم، وأنّهم ليسوا "مسؤولين عن أي نتيجة قد تنتج عن تمسكّهم بحقوقهم بعد صبرهم 14 عامًا"، كما طالبوا الفصائل السياسيّة واللجنة الشعبيّة ومسؤولي الملف أن يكونوا عند مسؤوياتهم التي وعدوا بها، كما طالبوا الحراكات التي وقفت معهم دائمًا، أن تستمر بالوقوف معهم مجدّدًا بعد مماطلة الوكالة.
وفي قضية مماثلة، ما زالت عائلات مخيّم نهر البارد التي لم يتمّ إعادة إعمار منازلها، تُعاني من ممطالة وكالة "أونروا" بالاستجابة للمطالبها، بعدما أصبحت هذه العائلات مرهونة لديون ملّاك البيوت التي يستأجرونها، رغم حقهم الطبيعي بالرجوع إلى بيوتهم الأصلية وإعادة إعمارها بعد 14 سنة من الوعود.
وكانت هذه العائلات قد نفّذت سابًقا عدّة وقفات احتجاجية بوجه وكالة "أونروا" من أجل إيصال مطالبها بإعادة الإعمار وإعطاء بدلات إيجار ومعاملة هذه العائلات نفس معاملة اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من سوريا إلى ناحية المساعدات والتقديميات، دون أي استجابة، حتى أعلنت مؤخرًا نيّتها تصعيد الاحتجاجات. ويُذكر أنّ مخيّم نهر البارد تعرّض لعملية تدمير كاملة نتيجة هجوم عسكري شنّه الجيش اللبناني على ما يمسى عناصر "فتح الإسلام" في المخيم عام 2007، وحتى اللحظة لم تتخطّى نسبة الأعمال 60%..