تعيش اللاجئة الفلسطينية في مخيم عين الحلوة نعمة حجازي ظلاماً حالكاً في منزلها الذي تغيب عنه أشعة الشمس بشكل تام، ما يجبرها على الاعتماد على الكهرباء بشكل كبير، كونها تقطن في"زاروبة واحد واحد- اي لايمكن ان يسير فيها أكثر من شخص واحد نظراً لضيقها" وهي معروفة باكتظاظ المنازل على بعضها البعض.
تجلس حجازي على عتبة منزلها لتبصر نور النهار، كونه لا يختلف عن ظلام الليل داخل جدران منزلها. معاناتها ازدادت مع تعذر تأمين مادة المازوت بشكل كافي لتشغيل المرافق العامة في لبنان، مما سبب انقطاعاً في الكهرباء والمياه لساعات طويلة في غالبية المناطق، لا سيما مخيمات الفلسطينيين.
ظلام حالك خلال النهار
"المعاناة الحقيقية بالنسبة لي هي في ساعات الليل حيث أكاد أن أقع كثيراً وأنا أمشي في المنزل من شدة الظلام، بهذه الكلمات تصف اللاجئة حجازي يومياتها مع أزمة انقطاع الكهرباء التي تغيب لأكثر من 20 ساعة يومياً.
في حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، تقول حجازي: "الكهرباء تأتي حوالي ساعة في اليوم، فنضطر لأن نشفط المياه من الآبار في هذه الساعة، فإن جاءت الكهرباء نستطيع الشفط وإن لم تأت لن يمكننا ذلك".
وتتابع: "منزلي لا تدخله الشمس، وليس لدي سوى جهة صغيرة في الحائط تمكنني من رؤية النور قليلاً، أما بقية المنزل لا تصله الشمس".
اللاجئة حجازي تعاني من مرض في القلب، وأجرت عملية قلب مفتوح، أي أنها لا تقوى على حر الصيف والظلام، بخاصة مع انقطاع المياه لديها على إثر انقطاع الكهرباء. وهي تقوم برش قطرات المياه من صنابير الحارات على وجهها لتخفف حر الصيف عنها.
فساد الطعام وعدم توفر المياه
اللاجئة حنين الصفدي من سكان مخيم عين الحلوة حالها كحال ابنة مخيمها اللاجئة نعمة، فمعاناتهما صورة مصغرة عن معاناة جميع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات بلبنان الذين انعكست عليهم الأزمة الاقتصادية والأحوال المعيشية وغلاء الأسعار وانقطاع المياه والكهرباء في لبنان.
تعاني اللاجئة الصفدي من صعوبة شفط مياه الآبار وإيصالها إلى منزلها كونها تسكن في مبنى مؤلف من 5 طوابق، فيتعذر وصول المياه بسبب غياب الكهرباء بشكل دائم وانقطاع مولدات الاشتراكات لساعات طويلة على أثر غياب مادة المازوت.
تقول الصفدي لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين: "في الأيام المقبلة سوف تنطفئ مولدات الاشتراك بشكل تام، حينها لا يمكننا أن نضع شيئاً في الثلاجة لأن الأطعمة سوف تفسد".
وتضيف: "نضطر أحياناً لشراء المياه للاستحمام والغسيل والقيام بالأمور المنزلية، لكن إن ارتفع سعر المياه لن نستطيع شراءها".
ومساء أمس الأربعاء أعلنت اشتراكات الجاعوني وهي صاحبة إحدى مولدات الكهرباء في مخيم عين الحلوة أنه بسبب شح مادة المازوت وبعد عدم القدرة على تأمينه حتى بالسوق السواداء وبالأسعار الخيالية، سوف يبدء التقنين وسوف يكون قاسياً.
ولا شك أن باقي أصحاب المولدات سيحذون حذوه ما سيزيد من المشكلة اتي تعانيها نعمة وحنين وباقي أبناء المخيم.
اللاجئتان الصفدي وحجازي تجمعان على أن المسؤولية يقع حلها على عاتق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" المسؤولة عن توفير الخدمات للاجئين داخل المخيمات، بالإضافة إلى الفصائل الفلسطينية والشيوخ داخل المخيمات.
وما يزيد الطين بلة في غياب مادة المازوت، هو حاجة القطاع الصحي في لبنان بعامة، والمخيمات الفلسطينية بخاصة، لوجود الكهرباء والمياه بشكل كبير، في ظل انتشار جائحة كورونا في المخيمات وحاجة المستشفيات إلى القيام بمهامها الصحية والوقائية لتخفيف أعداد الإصابات، الأمر الذي يستدعي توفر الطاقة الكهربائية والمياه 24 ساعة.
القطاع الصحي في خطر
في حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، يقول ماهر المقدح مسؤول قسم التمريض في مستشفى الأقصى في مخيم عين الحلوة: "أزمة انقطاع المازوت وزيادة ساعات التقنين للمولدات تشكل عائقاً كبيراً في سير عمليات المستشفى".
ويوضح أنه "في ظل انقطاع اشتراك المولد نضطر إلى تشغيل مولدنا الخاص وهذا شيء مرهق لأن عدم توفر المازوت في الأسواق وغلاء ثمنه بشكل باهظ يؤدي إلى خسارات مادية ومعنوية في المستشفى، خاصة أن المرضى بحاجة إلى مراقبة، والأقسام التي نعمل بها مثل أقسام الكورونا تحتاج إلى كهرباء ٢٤ ساعة بسبب الحاجة إلى أجهزة تنفس اصطناعي، وهذا كله يحتاج إلى كهرباء وإن لم يتوفر المازوت سوف نقع في مأزق كبير".
"القطاع الصحي ليس بخطر من ناحية الكهرباء فقط، بل أيضاً من ناحية نقص الأدوية والمواد المقطوعة فضلاً عن غلاءها"، بحسب المقدح.
ويضيف: "إننا في المستشفى نعمل باكتفاء ذاتي أي ليس لدينا تمويل كبير من الخارج، بالتالي ما نجنيه من أرباح نعمل على صرفه وتوزيعه وندفع للمازوت والمستلزمات الأخرى".
ويؤكد أن مسؤولية تأمين المازوت تقع على عاتق وكالة الأونروا، فهناك أمراض مزمنة تحتاج إلى أنسولين، وانقطاع الكهرباء يشكل خطراً على هؤلاء المرضى والناس ليس فقط المستشفيات بل على جميع الأصعدة".
مخزون المولدات شارف على النفاد
"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" حاورت أيضاً المسؤولين عن مولدات الاشتراكات ومولدات ضخ المياه إلى الآبار للحديث عن معاناتهم في تأمين مادة المازوت التي يعتمدون عليها بشكل أساسي لتشغيل المولدات.
يقول خالد الصياح، صاحب "مولدات الصياح" في مخيم عين الحلوة: "لدينا مشكلتان بشكل أساسي وهما مشكلة الكهرباء والمازوت، فالكهرباء لا تأتي سوى ساعة أو ساعة ونصف بالكثير يومياً، ما يجبرنا على تشغيل المولدات حوالي ٢٢ ساعة في اليوم وهذا مكلف جداً. فضلاً عن عدم قدرتنا على تأمين المازوت، فمنذ الأسبوع الماضي ونحن لسنا قادرين على تأمين ولا ليتر واحد".
ويوضح الصياح: "كنا نعمل على تخزين بعض المازوت ولكنه نفد، وصرنا قاب قوسين أو أدنى من التوقف عن العمل، وخلال أيام إن لم يتأمن المازوت سوف نطفئ معظم مولداتنا".
ويتابع: "المشكلة الأكبر هي أننا عندما نجد المازوت فإننا لا نجده على السعر الرسمي للدولة اللبنانية، إنما نضطر لشرائه من السوق السوداء بأسعار مرتفعة جداً، أتمنى ألا يصل المخيم إلى مرحلة الظلام الحالك وتوفير مادة المازوت بأسرع وقت".
بدوره، يقول محمود أيوب، صاحب مولدات لضخ مياه الآبار في مخيم عين الحلوة: "الأونروا منذ شهرين كانت تعطينا كميات شبه كافية، وكانت الكهرباء مقبولة إجمالاً".
ويوضح أيوب: "كنا نأخد حوالي 6 آلاف ليتر من المازوت للآبار، أما الآن أصبحنا نأخذ حوالى 3 آلاف، أي نصف الكمية. المياه بشكل عام في المخيم تتوفر من خلال المازوت أو من خلال الكهرباء، فإن لم تتوفر الكهرباء ولا المازوت سنقع في مأزق ولن نستطع ضخ المياه وهذه المشكله على صعيد لبنان ككل".
وحول مخزون المازوت المتوفر لديه، يؤكد أن "مخزون المازوت المتوفر لدينا لا يكفي لشهر، وذلك بسبب أن الموتيرات تعمل بشكل كبير في اليوم، ولا تتوفر كهرباء الدولة".
ويطالب أيوب "القيادات الفلسطينية واللجان الشعبية بتشكيل قوة ضغط على وكالة الأونروا وهي ملزمة بهذا الأمر كونه يخص شؤون حياة اللاجئين".
المسؤولية على عاتق الأونروا
"الأونروا هي المسؤولة عن تأمين المازوت، وهي بالفعل تقوم بتأمينه، يؤكد أمين سر اللجان الشعبية في منطقة صيدا عبد أبو صلاح تنصل وكالة الأونروا عن مهمتها في تأمين المازوت.
وفي حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" يكشف أبو صلاح: "طلبنا منها تأمين المزيد بسبب قطع الكهرباء لساعات طويلة، مما يجبرنا على تشغيل الموتيرات لوقت أطول. والأيام المقبلة تنذر بوضع سيسوء بالنسبة للكهرباء والمازوت والدواء وجميع المرافق".
"إلا أن "وكالة الأونروا لم تستجب لمطالب اللجنة الشعبية حتى اللحظة لا بالقبل ولا بالرفض"، بحسب أبو صلاح.
ويضيف: "طرحنا مطالبنا لوكالة الأونروا على القيادة السياسية الفلسطينية في منطقة صيدا، وسوف يتواصلون مع الأونروا لنعمل سوياً على حل هذه الأزمة". مؤكداً أن "اللجنة الشعبية تسعى لإيجاد حل لأزمة المازوت ولكافة مشاكل أبناء شعبنا".