عائلاتٌ بأكملها أبادها الاحتلال في غزّة.. وأطفالٌ يرثون أصدقاءهم  

الإثنين 21 يونيو 2021

صحيح أنّ العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزّة استمر 11 يوماً، إلاّ أنّ ما تركه من قصصٍ وألمٍ في شوارع وأزقّة مُخيّمات القطاع، أكبر من الرواية والسرد، إذ اغتال الاحتلال من شريحة الأطفال فقط 66 حُلماً وبسمة.

علاء أبو حطب، لاجئ فلسطيني في مُخيّم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين فقد أطفاله الأربعة خلال هذا العدوان، يروي لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" تفاصيل ما جرى، يقول: في ثاني أيّام عيد الفطر زارتنا شقيقتي لتعيّد علينا، ولتفرح وتُفرّح أولادها مع أولادي، لأنّ جميعنا يعلم أنّ العيد هو للأطفال، في الليل احتاج أهل البيت أن أشتري لهم الخبز لكي يتناولوا طعام العشاء، وما أن خرجت من المنزل سمعت أصوات انفجارات عنيفة هزّت مدينة غزة بشكلٍ قوي، وفي الأثناء شاهدت أعمدة الدخان وهي تتصاعد.

عائلة أبو حطب الشهيدة

وتابع علاء: عُدت إلى منطقة سكني، فاعتقدت للوهلة الأولى أنّ القصف كان لمنزل جاري في المُخيّم، لكنّي تفاجأت عندما وصلت بيتي ووجدته مقلوباً بمن فيه رأساً على عقب، كانت زوجتي وأولادي وشقيقتي وأولادها داخل المنزل، وهُنا اُصبتُ بهستيريا عصبيّة من هول ما رأت عيناي.

خلال هذه المجزرة، استشهدت زوجة علاء أم يوسف (30 عاماً)، وطفله يوسف (11 عاماً)، وطفله بلال (10 أعوام)، وطفلته مريم (8 أعوام)، وطفله يامن (6 أعوام)، يُضيف أبو حطب الأب ويوضح: ابنتي ماريا كانت موجودة معهم لكن سقطت من الطابق الثالث على الأرض أثناء القصف والله عزّ وجل حفظها بعنايته وأنقذ من الموت، لكنّها أصيبت في رأسها ووجهها، كما استشهدت شقيقتي مها "أم صهيب" خلال القصف مع أبنائها الأربعة، وظلّ خامسهم على قيد الحياة.

8-1.png

مرارة الفقد لم تطل عائلة أبو حطب فقط، بل فقد محمد الكولك عائلته أيضاً خلال قصفٍ صهيوني.

فقدان بالجملة

يقول محمد لموقعنا: في هذا العدوان فقدت جدي، وجدتي، وعمتي، ووالدي، وشقيقتي، وأخي المتزوّج الذي لجأ لبيتنا هرباً من القصف هو وزوجته وابنه الرضيع (6 شهور)، لجؤوا إلى بيتنا كملاذٍ آمنٍ للاحتماء، على اعتبار أنّ منطقة "الرمال" غرب مدينة غزّة معروفة في كل الحروب كمنطقةٍ آمنة، ويلجأ الناس إليها، وتعتبر المركز التجاري للمدينة، إلا أن القصف هذه المرة لم يستثنيها.

وتابع محمد الكولك: نحن تقريباً لدينا 22 شهيداً، الأطفال كانوا: بنت عمي (15 عاماً)، ابن عمي عمرو (17 عاماً)، أخي، كما خسرت محلي البسيط خلال العدوان، لأنني بعد أن انقطعت عن دراسة تخصّص "الديكور الداخلي" فتح لي أبي أنا وشقيقي مشروعاً خاصاً متواضعاً "بقّالة" وكان الافتتاح قبل أقل من شهرين على العدوان وكلّفنا قرابة 30 ألف دولار، واليوم هو كومة من الحجارة المغمّسة برائحة البارود.

وفي ختام حديثه، قال محمد: فقدنا كباراً في السن، والعديد من الأطفال، مثلاً جدّي يبلغ من العمر (95 عاماً)، وابن شقيقي رضيع (6 شهور) فما ذنب كل هؤلاء؟!

مجتمع دولي غائب

مدير مؤسّسة الضمير لحقوق الإنسان علاء السكافي يقول: إنّ المؤسّسة قامت برصد وتوثيق ما مجموعه 66 شهيداً من فئة الأطفال، بالإضافة إلى 377 إصابة نتيجة العدوان الأخير، لافتاً إلى أنّهم لم يجدوا المجتمع الدولي حتى اللحظة قد قام بالاستجابة التي تؤكّد فظاعة وحجم وبشاعة الجريمة التي ارتكبتها سلطات الاحتلال خلال العدوان الأخير على قطاع غزة.

ورأى السكافي خلال حديثه لموقعنا، أنّ صمت المجتمع الدولي دفع دولة الاحتلال لارتكاب المزيد من هذه الجرائم وجرائم الحرب والجرائم التي ترتق إلى جرائم ضد الإنسانيّة.

شهادات دراسية دون أصحابها الشهداء

وبعد أن وضع العدوان أوزاره، ذهب الأطفال إلى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في القطاع ليتسلموا شهاداتهم المدرسية ولكن دون رفاقهم الشهداء.

يقول الطالب شريف رضوان أثناء تسلمّه شهادته المدرسيّة: أنا صديقي يوسف أبو حطب كنّا جيران ورفاق الطريق ورفاق المدرسة ورفاق المسجد، ولما سمعت بخبر استشهاده لم أصدق، ولكن عندما رأيت البيت مهدّماً بالكامل تأكّدت أن يوسف شهيد، حزنت وبكيت أنا معتاد على الذهاب معه إلى المدرسة لاستلام شهادت التفوق، لكن اليوم انا فقدت يوسف، ما ذنبه حتى يقتله الاحتلال بدم بارد؟.

8-2.png

وأضاف شريف: أنا لست متهيأ نفسياً لبدء العام الدراسي الجديد ويوسف ليس موجوداً، كنت معتاداً عليه أن يكون بجانبي في الصف.. ندرس سوياً ونكتب واجباتناً معاً.

أمّا الطالب فادي نصر وهو صديق الشهيد محمد الحديدي، يقول بكلمات طفولية لكنها صادقة: "صاحبي محمد الحديدي الله يرحمه كان عندي دايماً، وكنت أروح عنده على الدار لإنّو إبن صفي، وأول ما عرفت انو استشهد زعلت عليه والله، واليوم لما أجيت آخذ شهادتي حاسس إنه كان بده يجي معي بس خلص ما أجاش، والله نفسي يكون معي صاحبي ونكبر مع بعض".

8-3.png

هذا الحال لم تختلف عن حال الطالب منصور جودة، صديق الشهيد يزن أبو حطب، الذي يقول: "أنا صاحبي يزن أبو حطب، ومن أول ما استشهد قلت الله يرحمه ورحت على الدار لقيتها مقصوفة وفي إسعاف قاعد بيطلّع بالشهداء، ولقيت يزن حكيتله الله يرحمك يا يزن وصرت أعيّط ودمّعت شوي وسحبت حالي وروّحت على دارنا".

ويُكمل يوسف: "ثاني يوم من الصبح رحت على الدار تبعته يلي انقصفت فلقيت مين؟ سيده -جده- وسلمت عليه وحكيتله الله يرحم يزن يا سيدي فقلّي رحمة الله عليه وقعد يعيّط، فيما قال الطالب محمد العجل، صديق الشهيد يوسف أبو حطب: كان صديقي يلي استشهد بالحرب الفائتة يوسف من الصف الثالث، وكان صديقي يحيى الحديدي من الصف الخامس، والتنين استشهدوا رحمة الله عليهم، وطبعاً كانت حرب شرسة جداً وهم قصفوا دار مكونة من 4 طوابق بـ 5 غارات عليهم من طائرات الـأف 35، وأكيد كلنا بنحزن على الشهداء.

  هؤلاء الأطفال  ذهبوا بعد تسلمهم شهاداتهم إلى مكان حدوث مجزرة مخيم الشاطئ حيث استشهد رفاقهم  التحية على أرواحهم وصورهم، وتساءلوا عن الذنب الذي ارتكبه أصدقاءهم ليقتلوا هكذا؟.

 

خاص/بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد