شهدت الضفة المحتلّة على مدار الأيّام الماضية تصاعداً واضحاً في الاعتداءات والاعتقالات التي نفّذتها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينيّة برام الله بحق النشطاء والقيادات الوطنيّة والكتّاب والمثقّفين، وذلك في مُحاولةٍ من هذه الأجهزة لكبح جماح الحراك الجماهيري الرافض لاغتيال الناشط السياسي نزار بنات.

الأجهزة الأمنيّة شنَّت حملة اعتقالات ومارست خلالها الضرب المبرح والسحل والتنكيل للشبّان والفتيات في شوارع رام الله خلال قمع وفض العديد من الاعتصامات الجماهيريّة والتي كان آخرها أمام مركز شرطة البالوع في رام الله، إذ تجمهر عدد من النشطاء رفضاً للاعتقال السياسي.

"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" رصد خلال القمع الأخير فقط حوالي 25 حالة اعتقال واعتداء، وكانت كالتالي: اعتقال الصحفي علاء الريماوي، اعتقال الصحفي عقيل عوواده، اعتقال الصحفي محمد حمايل، اعتقال الصحفية والأسيرة المُحرّرة ميس أبو غوش، اعتقال الصحفيّة والكاتبة هند شريدة، الاعتداء بالضرب على الصحفي معمر عُرابي، مصادرة معدات العمل والهاتف الشخصي للصحفي بدر أبو نجم، مُطاردة واعتقال الصحفي عميد شحادة.

كما تم اعتقال مجموعة من الباحثين والكتّاب والمثقفين، ورصدنا منهم: الباحث ابُي العابودي، خالد عودة الله، أسماء عودة الله، الناشطة الحقوقيّة ديالا عايش، جنين مرعي، باسل مرعي، شذى عساف، أوس عساف، جمان العزة، يحيى أبو الرب، ديما أمين، نادية حبش، هيثم سياج، تيسير الزبري، محمد حمايل، هادي الطرشة، أحمد خروف.

تقول الأسيرة المُحرّرة من سجون الاحتلال الصهيوني ميس أبو غوش: لقد تجمّعنا أمام مركز شرطة البالوع برفقة عدد من أهالي المعتقلين السياسيين للمُطالبة بالإفراج عنهم مع التزامنا بكل الإجراءات والحفاظ على سلميّة الوقفة، لكنّ ما جرى أنّ الشرطة طلبت منّا مغادرة المكان وإلّا سيتم قمعنا، وهذا ما حدث بعد دقائق فقط.

وتابعت ميس ابنة مُخيّم قلنديا للاجئين الفلسطينيين حديثها لـ"بوابة اللاجئين": هجمت علينا قوات القمع بكل وحشيّة وكان من بينهم أشخاص بلباسٍ مدني وشرطيّات اعتدين على الفتيات وسحلوهنّ في الشارع من خلال "شد الشعر" ورش غاز الفلفل، والضرب المبرح بالهراوى، وتم قمعنا بأسلحة "إسرائيليّة وأمريكيّة"، وكل الذي جرى لم يكن من أجل تفريقنا بل كانت كميّة الحقد علينا ظاهرة في عيون الأشخاص الذين قمعونا واعتقلونا وأدخلونا إلى مقر الشرطة.

مجزرة حقيقيّة داخل مركز الشرطة

وبيّنت ميس أنّه تم سحبها وسحلها من شعرِها طوال الشارع، فيما قال لها أحد أفراد الشرطة: "انتي يا ميس ما شبعتي ضرب؟!"، تُكمل ميس: أثناء إدخالي إلى مركز الشرطة رأيتهم يعتدون على الأسير المُحرّر هيثم سياج وشادي عميرة وعلى الصحفي عقيل عووادة، والشاب باسل حبش، وبعد أن أشبعوهم ضرباً تم تحويل ثلاثتهم إلى المشفى لتلقى العلاج، صدقاً ما رأيته داخل مركز الشرطة كان مجزرة حقيقيّة، مُؤكدةً أنّه ورغم هذا القمع إلّا أنّ جميع المعتقلين رفضوا التوقيع على أي تعهدات.

9-1.jpg

وأكَّدت ميس لموقعنا: ادّعوا أنّنا أخلينا بالنظام العام، وأخبرونا أنّه سيتم تحويلنا جميعاً إلى سجن بيتونيا، وحاولوا إرهابنا وتثبيط معنوياتنا بكل الطرق، واستخدموا معنا أساليب الترهيب التي تستخدمها المخابرات الصهيونيّة "الشاباك"، ولكن فشلوا في كل ذلك وتم إطلاق سراحنا.

ظهر الاثنين الماضي، خرج رئيس حكومة السلطة محمد اشتيّة في كلمته الافتتاحيّة لجلسة الحكومة وتحدّث أنّ القمع لن يتكرّر، وحريّة التعبير عن الرأي مكفولة لجميع الفلسطينيين وفق القانون الأساسي الفلسطيني، وهذا ما لم يفعله عناصر أجهزته مساءًا، بصفته وزيراً للداخليّة، وفي تناقضٍ واضح ما بين الشعارات الرنّانة التي تُقال في وسائل الإعلام، وما بين فِعل الهراوى المطبوعة على أجساد المناضلين.

"تم اعتقال وضرب حتى أهالي الأسرى"

تُعقّب ميس على حالة التناقض هذه بالقول: "هو كمسؤول يتحمّل كامل المسؤوليّة عمّا حدث، وما قاله هو للإعلام وللمجتمع الدولي فقط، لأنّ ما حدث معنا يبيّن بشكلٍ واضح أنّ هناك أوامر واضحة بالاعتقال والضرب والتكسير، لافتةً إلى أنّه تم اعتقال وضرب حتى أهالي الأسرى والمحرّرين، خاتمةً حديثها لموقعنا بالتأكيد على أنّ الاعتقال السياسي بالضفة وغزّة سيء للغاية، ولذلك علينا جميعاً كنشطاء وصحفيين وحقوقيين تكثيف النشر حول كل هذه الانتهاكات وخاصّة مسألة الاعتقال السياسي، واليوم إذا كان هناك نزار بنات واحد فقد يكون الدور على شخص آخر في المرّة القادمة.

عشرات الهيئات والمؤسّسات الحقوقيّة حذَّرت من اشتداد حالة قمع الحريّات ومستوى التنكيل الذي تُمارسه أجهزة أمن السلطة ضد المعتصمين والمحتجين على جريمة اغتيال الناشط والمُعارض نزار بنات.

ديالا عايش، محامية وناشطةٌ حقوقيّة تعرّضت للضرب والتنكيل بل وللتحرّش الجسدي على يد عناصر السلطة خلال قيامها فقط بمُمارسة عملها في رصد وتوثيق هذه الانتهاكات، تقول ديالا لموقعنا: تعرضت لاعتداءٍ وتحرّشٍ جسدي عند اعتقالي مساء يوم الاثنين 5 حزيران/ يونيو خلال وقفة لأهالي المعتقلين السياسيين أمام مقر شرطة البالوع بمدينة البيرة، حيث توجهت لمقر الشرطة لأخذ وكالات من المعتقلين، والقيام بدور مراقب لحالة حقوق الإنسان.

9-2.png

وأوضحت ديالا أنّ الشرطة استدعت وحدة مكافحة الشغب التي أمهلت المتواجدين عشر دقائق للانصراف، ومن ثم فضّت الوقفة بالقوة، وأقدمت الشرطة النسائيّة على مهاجمة زوجة المعتقل أبي العابودي وضربها ورش غاز الفلفل على وجهها، وسحبها من شعرها أمام أبنائها الأطفال إلى داخل المركز، وأثناء قيامي ومجموعة أشخاص بأخذ الأطفال كي لا يشاهدوا العنف وتعرض والدتهم للاعتداء، فجأة صرخ أحد عناصر الشرطة "هيها هيها اعتقلوها.. وقفي وإلا برش غاز بوجهك"، وبعد أن اختبأت لدقائق اعتقلوني واقتادوني إلى مركز الشرطة.

عملية اغتيال بنات عرّت المنظومة بأكملها

وبيّنت ديالا خلال حديثها مع "بوابة اللاجئين"، أنّها تعرّضت خلال اقتيادها للمركز للتحرّش الجسدي مرتين، مُؤكدةً على حالة التناقض والانفصام الموجودة لدى المسؤولين الذين يتحدّثون عن الحريّات المكفولة وفق القانون، مُشيرةً إلى أنّه تم الافراج عن جميع المعتقلين في مركز شرطة البالوع باستثناء المعتقل هيثم سياج الذي أبلغ المؤسّسات الحقوقيّة أنّ حياته ستكون في خطر إذا تم نقله إلى مقر المخابرات كما أخبرته الشرطة.

وأوضحت عايش أنّ العديد من النشطاء ما زالوا رهن الاعتقال وسيتم عرض ملفهم على المحكمة للبت في القضية، مُشددةً على أنّ عملية اغتيال نزار بنات عرّت المنظومة بأكملها، وحتى التعامل مع المؤسّسات الحقوقيّة من قِبل السلطة لم يعد بمرونة كما السابق. 

من جانبه، حذَّر اتحاد لجان المرأة الفلسطينيّة ممثلاً برئيسته ختام سعافين المعتقلة لدى الاحتلال من موجة توتير الأوضاع المتعمّد من قِبل الأجهزة الأمنيّة، والتي وصلت حد ضرب النساء، إذ شدّد الاتحاد في بيانٍ له على أنّ الهجمة تستهدف تحديداً عضوات وصديقات الاتحاد ومؤسّساته التاريخيات أثناء اعتصامهم التضامني مع زوجة مدير بيسان هند شريدة احتجاجاً على توقيف زوجها أُبي العابودي.

ودعا الاتحاد كافة أعضائه وقواعده للوقوف بحزم أمام التعديات غير المسبوقة تجاه النساء اللواتي تعرّضن للاعتداء.

أمّا الناشطة مريم -اسم مستعار حفاظاً على حياتها وبناءً على رغبتها- من سكّان مُخيّم الجلزون للاجئين الفلسطينيين، فقد أكَّدت لموقعنا أنّها كانت مع شقيقتها وصديقتها الحامل في مطعمٍ بالقرب من إحدى مظاهرات رام الله المنددة باغتيال نزار بنات، حيث بدأ الاعتداء الوحشي على الناس في الشارع وخرجت لتُشاهد ما يجري برفقة من معها.

"البلد غابة بمعنى الكلمة"

تروي مريم ما حصل ذلك اليوم: سمعنا صوت صراخ كثير فخرجنا للشارع، وكنّا بعيدات عن القمع لإنّا عارفين البلد غابة بمعنى الكلمة، وشاهدنا كل مشاهد الرعب والضرب وسحل بنات في الشوارع، وفجأة جاء أكثر من ٣٠ عنصر من أمن السلطة وهجموا على شاب أعزل، ومن شدة الضرب جاء يركض إلى أن وصلنا وأحاط بنا عناصر الأمن وبدأوا بضربنا جميعاً.

"أكلنا ضرب مش طبيعي، أنا شخصياً تعرّضت للتحرّش الجسدي من بعض عناصر الأمن، وبصراحة ما عرفت أدافع عن حالي، وبعدها خلصنا حالنا منهم أنا وأختي ورحنا ندوّر -نبحث- على صديقتنا الحامل وكنّا خايفين كتير عليها، وخلال عملية البحث أجا واحد منهم كبير في العمر وقعد يصرخ علينا ويغلط كلام قذر جداً"، تُكمل مريم وتختم حديثها لـ"بوابة اللاجئين" بالقول: صحيح كنّا خايفين كتير وقتها بس أكيد ما رح نسكت، وأنا راح أجيب حقّي وأقدّم شكاوى لمؤسّسات حقوق الانسان وأحكي في كل وسائل الإعلام الفلسطينيّة والدوليّة.

أصواتٌ شعبيّة وفصائليّة أدانت هذه الممارسات الغريبة عن الشعب الفلسطيني الذي يُقاوم الاحتلال في كل مكانٍ وزمان، في حين شدّدوا على ضرورة مُحاسبة أفراد وضبّاط الأجهزة الأمنيّة الذين انتهكوا حريّة التجمّع السلمي واستخدموا القوّة المفرطة ضد المتظاهرين، مع الإفراج عن كافة السجناء السياسيين ووقف حملات اعتقال المعارضين.

أحمد حسين _ خاص بوابة اللاجئين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد