أثّر قرار رفع أسعار المحروقات والخبز، الصادر عن مجلس الوزراء في 10 تموز/ يونيو الجاري، وقضى برفع أسعار المحروقات بأكثر من 250%، وكذلك رفع سعر ربطة الخبز من 100 ليرة إلى 200 ليرة سوريّة، على الأوضاع المعيشيّة للاجئين الفلسطينيين في مخيّماتهم وأماكن عيشهم على امتداد الجغرافيا السوريّة، ولا سيما في ظل فوضى الأسعار التي تشمل كافة السلع والغذايّة والميادين الخدمية في البلاد.
وعلى ضوء نسب فقر سجّلت في آخر تقرير نداء طارئ صادر عن وكالة "أونروا" مطلع 2021 الجاري، وقالت فيه إنّ نحو 91% من اللاجئين الفلسطينيين من أصل 438 الف لاجئ، يعيشون في فقر مطلق. تبدو أنّ معايير ذلك الفقر المطلق الذي تقيسه الوكالة وفق المعايير الدولية، لم تعد تصلح كمقياس لواقع الحال المعيشي اللاجئين الفلسطينين في مخيماتهم في سوريا، عقب القرارات الحكوميّة الأخيرة، وهذا ما تكشفه بعض الوقاع المعيشيّة الواردة من هناك.
ففي مخيّم سبينة في ريف دمشق تعيش أسرة اللاجئ الفلسطيني "أبو اسماعيل" على وجبة رئيسيّة واحدة يومياً، فيما لم يعد بمقدور أفراد أسرته، تعبة بقيّة يومهم الغذائي بـ "التسكيج" حسب تعبيره، وهو مصطلح شعبي يستخدمه الناس بمعنى تسكين الجوع كيفما اتفق، اعتماداً على مفردات لم يكن أحد في يوم ما يتصوّر، أنّها ستصبح مقننة إلى حدّها الأدنى.
فالخبز مثلاً، باتت كميّته محدودة بربطة واحدة لكل عائلة، تحدد كميّة ارغفتها بحسب أفراد الأسرة، بمعدّل 3 أرغفة للفرد الواحد، إلى جانب رفع سعرها مؤخّراً بنسبة 100% لتصبح 200 ليرة، فيما يتراوح سعرها في السوق السوداء بين 1500 إلى 2000 ليرة سوريّة، وهو ما لا تستطيع أسرة فقيرة تحصيله، وبالتالي ليس لها سوى الكميّة المقننة حكوميّاً، عدا عن ارتفاع كافة أنواع السلع الغذائية بالتوازي مع رفع أسعار المحروقات وارتفاع كِلَف النقل والمواصلات.
وبالعودة إلى اليوم الغذائي لأسرة " أبو اسماعيل" يوضح لـ " بوابة اللاجين الفلسطينيين" أنّ الوجبة الرئيسيّة لأسرته المكوّنة من 5 أفراد، وهي وجبة الغداء، لا تتجاوز مفرداتها بعض الحبوب كالعدس والأرز وأحيانا بعض الطبخات التي تعتمد على الخضروات المتوفرة في السوق بأسعار معقولة، فيما غاب عن بقيّة اليوم ماكان يعتمد عليه أبناءه لاسكات جوعهم، كـ " صندويشة الزعتر واللبنة وسواها" وذلك لشحّ الخبز، وانعدام القدرة الشرائيّة للعديد من المفردات الغذاية الأساسية كزيت الزيتون ومشتقات الالبان والاجبان، فيما أصحبت اللحوم حلماً صعب المنال لمعم الأسر، وفق تأكيده.
معيار الفقر المطلق الدولي محدد بـ 1.9 دولار يومياً بينما يعيش اللاجئ الفلسطيني بـ 4 دولارات لشهر كامل
ومع استمرار ارتفاع الأسعار، لم تعد مداخيل معظم اللاجئين الفلسطينيين، تغطي المعيار الدولي للفقر المطلق، والمحدد بـ 1.9 دولار يومياً للفرد، بحسب معايير صندوق النقد الدولي، الموضوعة سنة 2016. ووفق تلك المعايير بعد اسقاطها على دخل أسرة اللاجئ "أبو اسماعيل" الذي يعمل موظفاً حكومياً في إحدى إدارات الدولة، بأجر لا يتجاوز 22 دولاراً أمريكياً في الشهر، فإنّ نصيب الفرد الواحد من أسرته محدد بـ 4.4 دولار مقسمّة على 30 يوماً وهي عدد أيّام الشهر، وهو ما يشكّل نسبة لا تذكر مقارنة بالمعيار الدولي.
من نافل القول، أنّ أسرة" أبو اسماعيل" في مخيّم سبينة، هي نموذج عن معظم الأسر الفلسطينية اللاجئة في سوريا، وكذلك معظم الأسر السوريّة، وهو ما أكّده ابن مخيّم العادين في حمص وسط البلاد " محمد سمور" وهو عامل في ورشة حدادة، بأجر يومي 800 ليرة سوريّة، أي أقل من ربع دولار اذا ما اعتبرنا أنّ سعر الصرف 3 الاف ليرة مقابل الدولار الواحد وهو في ارتفاع مستمر.
يقول سمّور لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّ عمله طالما كان عاملاً حاسماً في الحفاظ على المستوى المعيشي لأسرته ضمن الكفاف الغذائي، الذي يضمن عدم الجوع، بالتآزر مع دخل والده، في وقت باتت القدرة الشرائية للأسر تتعرض لقضم يومي بفعل رفع الاسعار المتواصل، وخصوصاً بعد القرارات الأخيرة برفع أسعار المحروقات والخبز، الذي لحقه ارتفاعاً جنونياً بأسعار كافة السلع الغذائية في الأسواق.
هل تعدّل "أونروا" استراتيجيتها؟
وكانت وكالة "اونروا" قد حددت 3 استراتيجيات منذ مطلع العام الجاري، في تقرير النداء الطارئ الصادر عنها للعام 2021 الجاري. وتركّز الاستراتيجية الأولى والأهم لكونها تتعلّق بالأمن الغذائي، على " المحافظة على الصمود من خلال تقديم المساعدة الانسانية وضمان تلبية الاحتياجات الأساسيّة".
وحول هذه الاستراتيجية ومستوى الرضى عنها، يقول اللاجئ محمد سمّور لموقعنا، إنّ ما تصدره الوكالة من تقارير وخطط واستراتيجيات، هي كلام على الورق " وكأنّ مسؤولي الوكالة يعيشون في مكان لآخر وليس في سوريا" بحسب قوله.
ويبرر سمور كلامه الحاد تجاه الوكالة، بما يلمسه من تقديمات لا ترقى لمستوى ما يصدر عنها كلامياً، وهي لم تقدّم معونات إغاثيّة منذ مطلع العام سوى مرّة واحدة، وكان ذلك في نيسان/ أبريل الفات، في وقت تزداد الحاجة للمعونات الغذائية العينية لحماية الناس من الجوع.
أمّا في ما يخص المساعدات النقديّة، فيستقبلها اللاجئون في سوريا، وفق مبدأ " بحصة بتسند جرّة" حيث لم تُصدر الوكالة تحديثاً حول قيمة المعونة، يستجيب لرفع الأسعار، حيث تقدّم الوكالة ما قيمته 20 دولاراً للفرد الواحد كل 3 أشهر، وهو مالا يوفّر للفرد دخلاً يرفعه إلى مستوى خط الفقر المطلق، وان رفعه بالفعل، فذلك يتناقض مع استراتيجية الوكالة التي تنص على "ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية" للاجئين.
يذكر، أنّ صيحات اللاجئين تجاه وكالة "أونروا" للقيام بمسؤولياتها لم تتوقف منذ أشهر، وكان ناشطون قد عمموا رسالة، يوم 15 آذار/ مارس الفائت جاء فيها: نحن اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وبظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي نعاني منها وما ترتب عليها من متطلبات الحياة المعيشية الصعبة ، وبظل الأوضاع الصحية الطارئة بفعل جائحة كورونا ، وكذلك اللاجئين الذين لا زالوا خارج مخيماتهم بفعل انعكاسات الحرب، نضعكم أمام مسؤولياتكم ونطالبكم بالعمل الجاد والمسؤول للتخفيف من معناة اللاجئين الفلسطينيين بتقديم المساعدة النقدية والغذائية".