حذّر المستشار الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية للصحة النفسية الدكتور خالد سعيد، من التدهور الحاد في أوضاع الصحة النفسية في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن الاحتياجات في هذا المجال تتزايد يومًا بعد يوم في ظل الدمار الواسع للبنية التحتية ونقص الكوادر المتخصصة.
وقال الدكتور سعيد في حديثه إلى موقع أخبار الأمم المتحدة إن "احتياجات الصحة النفسية لن تختفي فجأة بعد وقف إطلاق النار، بل ستستمر لفترة طويلة"، مؤكدًا أن التعامل مع هذه الأزمة "رحلة طويلة تتطلب التزامًا مستمرًا لمساعدة المجتمعات المتضررة".
وأشار إلى أن مشاكل الصحة النفسية في غزة ليست جديدة، إذ أظهرت تقارير سابقة أن ثلثي البالغين في القطاع كانوا يعانون من كرب شديد حتى قبل الحرب الأخيرة، بينما كان أكثر من نصف الأطفال يواجهون اضطرابات نفسية مختلفة.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" قد ذكرت مطلع العام أن أكثر من مليون طفل في غزة بحاجة إلى دعم نفسي واجتماعي لمعالجة الاكتئاب والقلق والأفكار الانتحارية.
الصحة النفسية تتعلق بتمكين الناس ليكونوا قادرين على التعامل مع الأزمات
وشدد المستشار الإقليمي على ضرورة دمج مكونات الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي في جميع القطاعات، بما في ذلك التعليم، والمياه والصرف الصحي، والأمن الغذائي، والحماية، بدلًا من الاقتصار على إنشاء مستشفيات متخصصة.
وقال: "الصحة النفسية مسؤولية الجميع، وهي لا تتعلق فقط بعلاج الأمراض، بل بتمكين الناس ليكونوا قادرين على التعامل مع الأزمات والمساهمة في تنمية مجتمعاتهم".
وأكد سعيد أن منظمة الصحة العالمية تعمل على إدراج اعتبارات الصحة النفسية ضمن خطط إعادة الإعمار والبنية التحتية المستقبلية في غزة، بحيث تكون جزءًا من عملية إعادة بناء المجتمعات والخدمات العامة.
وأوضح أن فلسطين كانت تمتلك قبل الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023 برنامجًا قويًا لدمج الصحة النفسية في الرعاية الصحية الأولية، حيث تلقى الأطباء والممرضون تدريبات للتعرف على الاضطرابات النفسية الشائعة وإدارتها وربطها بالخدمات المتخصصة.
وأضاف: "لدينا كفاءات مدرّبة جيدًا، وما نحتاجه الآن هو تمكينها من توسيع نطاق خدماتها لتصل إلى المجتمعات المتضررة".
مستقبل الصحة النفسية في غزة يحتاج تبني نهج شامل
وأشار الدكتور سعيد إلى أهمية تمكين المجتمعات المحلية لتقديم الدعم لفئاتها الضعيفة من خلال التدخلات المجتمعية مثل الإسعافات الأولية النفسية والدعم النفسي والاجتماعي الأساسي، وهي برامج تروّج لها منظمة الصحة العالمية منذ سنوات.
ولفت إلى أن من أبرز التحديات التي تواجه التعامل مع قضايا الصحة النفسية هي "الوصمة" الاجتماعية المرتبطة بها، موضحًا أن هذه الوصمة لا تقتصر على العامة، بل تمتد إلى المهنيين وأسر الأشخاص المصابين، ما يؤدي إلى تقليص الموارد وضعف الاهتمام السياسي ونقص الخدمات.
وأكد أن مواجهة الوصمة تتطلب استجابة متعددة المستويات، تشمل السياسات الصحية والإعلام والتعليم، إلى جانب العمل المباشر في القطاع الصحي.
وختم الدكتور خالد سعيد بالتأكيد على أن مستقبل الصحة النفسية في غزة يعتمد على تبني نهج شامل يدمج الدعم النفسي في كل جوانب الحياة والخدمات، مضيفًا: "علينا أن نضمن أن تكون الصحة النفسية جزءًا لا يتجزأ من عملية التعافي وإعادة البناء، لأنها أساس لنهضة المجتمع بعد الحرب".
