منذ زمن طويل لم يتناثر الفرح في منزل الأسير علي عبد اللطيف القنيري في مُخيّم جنين للاجئين الفلسطينيين كما حدث فور إصدار وزارة التربيّة والتعليم لنتائج الثانويّة العامّة "التوجيهي" 2021، إذ اجتازت ابنته ذكرى هذه المرحلة التعليميّة بتفوق رغم ظروف العائلة الصعبة في ظل غياب والدها المحكوم مدى الحياة في سجون الاحتلال الصهيوني.
أسرة الأسير القنيري عاشت كما بقيّة الأسر الفلسطينيّة في المُخيّمات أوضاعاً صعبة للغاية، وذلك في ظل اشتداد أزمة فيروس "كورونا" خلال العام الدراسي، وفي ظل الهجمّة المُستمرة على الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال.
تقول الطالبة ذكرى لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين": إنّها اجتازت هذه المرحلة العلميّة رغم كل الصِعابْ، وخاصّة غياب والدها الذي شكل فجوة كبيرة في حياتها، وكان له أثراً نفسياً بالغ الصعوبة في حياتها.
تهدي ذكرى نجاحها لأبيها ولأرواح الشهداء وللجرحى ولكل إنسان ناضل من أجل فلسطين والقدس.
فرحة العائلة منقوصة مع تغييب الوالد في سجون الاحتلال
جل ما تتمناه ذكرى هو أن يتم الإفراج عن والدها ليفرح بها وبتفوقها.
تقول: إن حرحة عائلتها منقوصة ولكن هذه الظروف أعطتها الدافع لإكمال المشوار التعليمي، مُؤكدةً أنّ أسرتها والجيران في مُخيّم جنين شكلوا سنداً حقيقياً لها، وساعدوها في الكثير من الأمور الخاصّة بالتعليم، وهذا تُرجم أيضاً من خلال فرحة أهالي المُخيّم بنجاحها.
أمَّا أم سند، وهي والدة الطالبة ذكرى، قالت لموقعنا: إنّها فَرِحة جداً بنجاح ذكرى بالرغم من اعتقال والدها، مشيرة إلى أنّ غياب والدها كان له أثر كبير، ولكن أعمامها وكل أقرابها والجيران في المُخيّم لم يتركوها لحظة واحدة ووقفوا إلى جانبها كل بما يستطيع.
كان لأزمة "كورونا" جانباً إيجابياً
تقول الأم: إن الجيران في المُخيّم كانوا على الدوام يشجّعون ذكرى ويجلبون لها الهدايا "والأشياء يلي بتحبها من أكل أو هدايا" وذلك من أجل مساندتها والتخفيف عنها وكي لا تشعر كثيراً بغياب والدها، موضحةً أنّ ذكرى عملت على تنظيم وقتها بالشكل المطلوب، إذ التزمت بتوزيع الوقت على كافة المواد الدراسيّة لكي توازن بينها.
وبشأن تأثير أزمة "كورونا"، قالت أم سند: بالعكس تماماً، إنّ أزمة "كورونا" جاءت لصالح طلبة الثانويّة العامّة، حيث جلست ذكرى في المنزل "لا طلعة ولا نزلة" أي أخذ الطلاب مجالاً أكبر للدراسة والقراءة والحفظ والتركيز أكثر خلال فترة الحجر الصحي، مُشيرةً إلى أنّ ذكرى لم تقرر بعد نوع التخصّص الذي ستدرسه في الجامعة لتبحث وتسأل أكثر عن التخصصات لتختار ما يُناسبها.
واعتقل الأسير القنيري منذ عام 2005، وهو متزوج وله ثلاثة أطفال، ومحكوم بالسّجن مدى الحياة، وتم اعتقاله أثناء الاجتياح الصهيوني لمُخيّم جنين، واستشهد شقيقه علّام في نفس الوقت وكان محكوماً أثناء الانتفاضة الأولى بالسجن المؤبد وأفرج عنه عقب توقيع اتفاقية أوسلو، وخلال الانتفاضة الثانية تم اعتقاله وحكم بالسجن المؤبد.
عند اعتقال والدها كانت ذكرى تبلغ من العمر عاماً ونصف فقط، أي إنها عرفته في غرف الزيارات، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يحاول بكل الطرق المتاحة أمام الأسرى أن يكون بقربها وأشقائها.
تقول ذكرى: في الزيارات دائماً كان والدي يوصيني بالتفوق ويشجعني على الاهتمام بدراستي وتطوير قدراتي، السجون والزنازين لم تمنعه أن يكون بقربنا بروحه وقلبه وتوجيهاته.
الطالبة ذكرى القنيري كانت من ضمن (59128) طالباً وطالبة نجحوا في اختبارات الثانوية العامّة بالضفة وقطاع غزّة بنسبة بلغت 71.37%، لتسطّر وهي والعشرات من أبناء الشهداء والأسرى أجمل صورةٍ للتفوّق رغم كل أشكال المعاناة التي تحيط بهم.
أهداف الاحتلال تفشل أمام إرادة أبناء الأسرى
بدوره، رأى المستشار الإعلامي لهيئة شؤون الأسرى والمحررين حسن عبد ربه، أنّ نجاح وتفوّق أبناء وبنات الأسرى هو مؤشّر ودليل واضح وضوح الشمس على روح الإصرار والتحدي لديهم في مواجهة تحديات الحياة التي تحرمهم من آبائهم وأشقائهم الذين يغيّبهم الاحتلال قسراً في سجونه.
وبيّن عبد ربه لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أنّ هذا النجاح يشكّل تحدياً كبيراً لهؤلاء الطلبة في الإصرار على النجاح والتمسّك بالحريّة والحياة من خلال التحصيل العلمي الأكاديمي ولبناء الذات الاجتماعيّة والوطنيّة لهم من خلال الالتحاق في الجامعات والكليّات والمعاهد للحصول على المركز العلمي والأكاديمي لهم.
ويشير عبد ربه إلى أنّ الاحتلال يرغب من خلال اعتقال وأسر آباء هؤلاء الطلبة كسر إرادة الفلسطيني، لكن أبناء وبنات الأسرى انتصروا من خلال اصرارهم على حقّهم في التعلّم والاجتهاد والتفوّق وهذا بكل تأكيد مؤشّر واضح على مدى قدرة أبناء الأسرى وبناتهم على خوض كل تحديّات وصعوبات الحياة من خلال التميّز الذي دخل بيوت العشرات من الأسرى بعدما حصل أبنائهم على درجات مميّزة وليس مجرّد نجاح فقط.