يتأزم الوضع الاقتصادي اللبناني أكثر فأكثر، ملقيًا بالحمل والثقل جراء انهياره على جميع قاطني الأراضي اللبنانية، خاصة اللاجئين الفلسطينيين منهم، الذين يتجرعون مرارة وويلات اللجوء وسط حرمانهم من حقوقهم الإنسانية، ليزيد الانهيار من وطأة الوضع عليهم.
فبأقل من 50$ يعيش اللاجئ الفلسطيني، هو مبلغ لا يكفي أسبوعاً واحداً أمام موجة ارتفاع الأسعار الرهيبة، ولا يمكن به شراء كيلو دجاج، أو لحم، أو دفع أجار المنزل ولا حتى دفع تكاليف الاشتراك الذي صار سعره يضاهي راتب موظف حكومي أو أمني في البلاد.
ووفقاً لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فإن "مجتمع اللاجئين الفلسطينيين هو الأكثر عرضة للمخاطر في لبنان، أكثر من أي وقت مضى في سبيل البقاء على قيد الحياة".
تكتفي الوكالة المسؤولة عن إغاثة الشعب الفلسطيني اللاجئ من أرضه جراء النكبة بإصدار البيانات دون وضع خطة طوارئ عملية وعاجلة لإنقاذ اللاجئين الفلسطينيين داخل المخيمات الاثنتي عشرة والتجمعات وخارجها، فيما سلوك منظمة التحرير والفصائل مجتمعة ليس بالأفضل، فالجميع يتحدث عن انعدام سبل الحياة ويطلق التصريحات، لكن دون خطوة عملية جدية من شأنها الإنقاذ.
يشير نائب المسؤول السياسي لحركة حماس في لبنان جهاد طه إلى أن حركته توزع بعض المساعدات المادية والعينية بين الحين والآخر وتقدم مشاريع تنموية في المخيمات لكنه يضيف أن "الأزمة كبيرة ولا يمكن لفصيل بعينه تقديم كافة الخدمات للمجتمع الفلسطيني وأن يعالج كافة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، لذلك نحن على تواصل وتنسيق مع كافة الفصائل والجهات من أجل السعي نحو منع تأثير الأزمة اللبنانية على المجتمع الفلسطيني".
على الجهود أن تتضافر من أجل منع مخططات التهجير عبر لقمة العيش
ويحمل طه وكالة "أونروا" المسؤولية لناحية الاهتمام باللاجئين وتأمين الخدمات الاقتصادية والأمان الاجتماعي لهم معتبراً أن الوكالة "لم تقم بواجباتها".
ويضيف القيادي في حماس لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "رفعنا في اجتماعاتنا مع الأونروا ولجنة الحوار، جملة من المطالب، توجهنا فيها لوكالة الغوث بأن يكون لها خطوات عملية تخفف من وطأة الأزمة التي يعاني منها اللاجئ الفلسطيني".
وتابع: "كذلك على الفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير أن يقدموا ما يحتاجه اللاجئون الفلسطينيون في ظلّ فقدان مقومات الحياة في لبنان، مع العلم أنّ الأزمة كبيرة جداً ومرتبطة بوطن ينهار، ولكن على الجهود أن تتضافر من أجل منع مخططات التهجير وتأمين معيشة لائقة للاجئين الفلسطينيين تدفعهم نحو الثبات بمخيماتهم وتجمعاتهم".
ويضع طه "الحديث عن دعوات لهجرة الفلسطينيين، في إطار سياسة العنصرية ضد اللاجئين، على الرغم من أنّ الفلسطينيين قد أكدوا مراراً أنّ مشروعهم في لبنان مرتبط بحقّ العودة إلى أرضهم، وليس لهم مطامع في هذا البلد، ولن يقبلوا سياسات التوطين أو التهجير".
المساعدات الأممية للفلسطينيين في لبنان ترضخ لشروط سياسية ودول عربية وغربية تمارس حصاراً على الفصائل
أيضاً تؤكد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أنّ اجتماعات تعقد بين الفصائل الفلسطينية ووكالة "أونروا" والمسؤولين لبحث سبل تقديم مساعدات لكافة شرائح المجتمع الفلسطيني في لبنان، على أن يكون هنالك مساعدات خلال الأشهر الثلاثة القادمة، تقدم من قبل "أونروا".
ويصف مسؤول العلاقات العامة في الجبهة، سمير لوباني لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، الوضع الفلسطيني في لبنان بأنه "حمل كبير جداً جداً وأن المساعدات الأممية تخضع لشروط سياسية، الهدف من ذلك إرباك الفلسطينيين ودفعهم للرضوخ وقبول ما تطرحه الإدارة الأميركية والإسرائيلية".
ويشير القيادي الفلسطيني إلى أنّ "دولاً عربية وغربية، تمارس حصاراً على الفصائل الفلسطينية والشعب الفلسطيني من أجل الدفع به نحو الاستسلام والتماشي مع مقررات صفقة القرن".
وبحسب لوباني فإن "الحلّ هو باستراتيجية فلسطينية واضحة يتمّ العمل عليها، ولكن وللأسف، القيادة الفلسطينية مقسومة، بين مؤيد لأوسلو ورافض لها، وهو أمر يعرقل وضوح الرؤية الفلسطينية في الداخل والشتات".
ويؤكد القيادي في الجبهة، "مع ذلك يبقى علينا دور كقيادات فلسطينية، بتعزيز الصمود وتثبيت الشعب الفلسطيني ومقاومة كلّ المشاريع التي تهدف إلى الدفع بالفسلطينيين إلى الهجرة أو التنازل عن حقهم بالعودة، والمطالبة بتوحيد الصفوف، وإجراء انتخابات فلسطينية وبناء مؤسساتنا وصياغة استراتيجية فلسطينية واضحة".
احتياجات اللاجئين أكبر من قدرات منظمة التحرير
عضو منظمة التحرير الفلسطينية، عاصف موسى، أكد أنّ "الحاجة التي يطلبها الشعب الفلسطيني في لبنان، كبيرة في ظلّ الأزمة الحاصلة، فلبنان في حالة انهيار وقد فقد كل مقومات الحياة، وهنا مطلوب من المنظمة والفصائل أن تحاول تأمين ما تستطيع وفق إمكانياتها، لكن المتطلبات والحاجيات كبيرة وأكبر من قدرات المنظمة في هذه المرحلة".
يتابع موسى لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، "في ظلّ الانهيار الحاصل، ودعوات الهجرة، لا يستطيع أحد أن يمنع اللاجئين من الهجرة، فيما رهاننا الأساسي على وعي أبناء شعبنا، خاصة أنّ ما يجري الهدف منه هو دفع الفلسطينيين نحو الرحيل عن لبنان للانتهاء من ملف حق العودة".
ويضيف: "نحن على دراية من درجة من الوعي العالي لدى أبناء شعبنا الرافض للتوطين والهجرة، لكن بالمقابل محاولات الضغط نعتبرها هائلة، وهناك إجراءات تحصل، لكن في هذه المرحلة أعداد المهاجرين لا تزال قليلة".
وعدّد موسى، خدمات تقدمها منظمة التحرير للاجئين الفلسطينيين في لبنان، معتبراً إياها عامل مساهم في تعزيز صمود الشعب الفلسطيني، وفق قوله، وهي: "التمثيل السياسي للشعب الفلسطيني في لبنان، من خلال تواصلها مع المرجعيات في لبنان، فيما كذلك تقدم المنظمة خدمات تتعلق بصندوق الضمان الصحي، كذلك على صعيد الطلبة، وما تقدمه من مساعدات مالية جزئية للطلبة الفلسطينيين".
واسترسل، "بما يخص موضوع الإغاثة، هناك صندوق التكافل الاجتماعي، والذي تساعد من خلاله منظمة التحرير عددًا كبيرًا من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتؤمن احتياجاتهم الخاصة، كذلك تدعم المنظمة اللجان الشعبية وتتابع معهم أمور تتعلق بالمياه والمازوت، بالإضافة لموضوع المساعدات العينية وتوزيع حصص غذائية ومبالغ مالية على العائلات الأكثر حاجة".
المحلل السياسي، أحمد الحاج، يعتبر أن كل ما تصرح به المنظمة والفصائل عن تقديمها مساعدات غير كاف وغير مجدي في ظل غياب مشروع سياسي اقتصادي اجتماعي شامل لدعم صمود اللاجئين الفلسطينيين، عبر تشغيلهم في مشاريع تنموية تسهم في رفع قدراتهم المادية ورفع مستوى المعيشة في المخيمات على حد سواء.
يقول الحاج في حديثه لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "لنتفق أنّ اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، هم الفئة الأكثر ضعفاً من بين الموجودين على الأراضي اللبنانية، وذلك لاعتبارات كثيرة من بينها اعتبارات تاريخية وقانونية ومهنية وغيرها. والمتوقع تحت هذا العنوان، أن تكون المخاطر الاقتصادية أول من تصيبهم، ليكونوا بذلك الأكثر تأثرًا من غيرهم في هذه الأزمة".
مع وقوع الأزمة الاقتصادية في لبنان، ينظر اللاجئ من حوله فلا يجد أحدًا يعينه
ويضيف أن "المسألة الأخرى، مرتبطة بالتهجير، أمر ليس بجديد فهو مطروح منذ الأربعينيات، حيث كان المفوض العام لوكالة الأونروا حينها يصدر وبشكل علني تقريرًا يشير فيه إلى نسبة من هاجر من الفلسطينيين في لبنان إلى الخارج".
وتابع: "ما كان يمنع ويكبح مسألة التهجير حينها، أمل اللاجئين الفلسطينيين في الحياة والاستمرار والعودة إلى أرضهم، ولكن للأسف اليوم يعيش الفلسطينيون ظروفًا قاسية، لأسباب عديدة، هي: غياب المؤسسات الراعية، الدولة اللبنانية كذلك، وانعدام دور المرجعية الفلسطينية التي كان من الممكن أن يركن إليها اللاجئ الفلسطيني في حالات الفوضى الأمنية، في ظلّ هواجس تتحدث عن ارتفاع في نسب إمكانية وقوع أزمات في لبنان".
وأشار الحاج، إلى أنّه "مع وقوع الأزمة الاقتصادية في لبنان، ينظر اللاجئ من حوله فلا يجد أحدًا يعينه، خاصة فيما يتعلّق بالمرجعية الفلسطينية، فهي غائبة عن مسألة تعزيز الصمود، بل وحتى فيما يخصّ مسائل الحياة اليومية، فنجد غيابًا كاملًا لها، يضاف إليها حالات الفساد التي ولدت للاجئ إحباطًا شديدًا، ما يسهل من مسألة الهجرة واقتناعه بها".
وأكد الحاج، "لا نريد أن نختبئ من الحقيقة بعد اليوم، الإحباط العام موجود لدى الفلسطينيين، والمخاوف واسعة وكبيرة جدًا اليوم فيما يتعلق بعمليات التهجير والهجرة، خاصة في ظلّ تصريحات عالية المستوى من قبل الساسة اللبنانيين، حول أهدافهم المتعلقة بتهجير الفلسطينيين، ما سمح بحصول تسهيلات من جهات لبنانية للدفع بهجرة الفلسطينيين خلال السنوات الماضية، على الرغم من معارضة بعض الدول الغربية وحديثها عن أن الأمر ينطوي تحت عمليات متاجرة بالبشر".
ويختم الحاج، "نعيش اليوم مخاوف من أن لا نجد فلسطينيين في لحظة من اللحظات، موجودين على الخارطة اللبنانية".