بالإبرة والخيط والمقص والباترون وماكنة الخياطة، وجدت صباح صالح طريقاً لفرصة عمل، بعد أن أوصدت الأبواب في وجهها، فلم تعد البطالة تقف عائقًا أمامها في مكافحة ظروف مأساوية، كانت ستفرض عليها جراء الأوضاع الاقتصادية المتردية في مخيمات اللاجئين في الأردن بشكل عام ومخيم جرش الذي يعرف بـ "مخيم غزة" حيث تقطن صباح على وجه التحديد.
تخرجت صباح من معهد الكمبيوتر في القاهرة، لم تجد فرصة عمل في تخصصها، حين قدمت إلى الأردن، لكنها لم تستسلم للأمر الواقع، وقررت أن تستغل مهاراتها وذوقها في تنسيق الملابس، لتأسيس عمل خاص بها، فبدأت بدراسة الخياطة، وحضرت عدداً من الدورات التدريبة التي أهلتها لاحتراف المجال والخروج من شبح البطالة.
الحصول على تصريح عمل في الأردن للاجئين الفلسطينيين حملة الوثائق المصرية مكلف جداً
تقول صالح لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: لم يخطر في بالي أن اتجه إلى الخياطة بعد أن درست كمبيوتر، كنت أتمنى أن أعمل في بنك أو مدرسة أو في إحدى الشركات، لكن الوثيقة المصرية التي أحملها هي من وقفت عائقاً في طريق أحلامي.
لم تستطع صباح أن تحظى بفرصة عمل خارج أزقة المخيم، لأنها بحاجة إلى شهادة خبرة، إضافة إلى ضرورة استخراج تصريح عمل كونها من مخيم جرش وتحمل الوثيقة المصرية، فيما الحصول على تصريح عمل مكلف مادياً، وكونها تحمل وثيقة مصرية فهذا لم يمكنها من الحصول على تدريب في مجال تخصصها لنيل شهادة خبرة تؤهلها للعمل.
والحال هذه، لم تجد صباح أمامها سوى استثمار موهبتها في الخياطة وبالتعاون مع مؤسسة تنمية اجتماعية في المخيم استطاعت حضور عدد من الدورات في هذا المجال.
حول هذا تقول: بعد حضور عدد من الدورات التدريبة، توجهت إلى مؤسسة سما غزة التي تدعم اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، وتخصص العديد من الدورات المهنية من أجل تمكين اللاجئين اقتصادياً ،من منطلق لا تطعمني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد، وحصلت على دبلوم الخياطة بمرتبة امتياز، ومن ثم بدأت بتدريب فتيات المخيم".
صارت منتجة وتعيل أسرتها بعد توقف زوجها عن العمل بسبب ظروفه الصحية
تدرب صباح 20 سيدة من مخيم جرش يومياً على فترتين في الصباح والمساء، تساعدهن على تعلم مهنة جديدة يستطيعن من خلالها الحصول على فرصة عمل، وتحمل أعباء الحياة، ومن تتقن المهنة جيداً تحصل على ماكينة خياطة من خلال متبرعين لتعيل نفسها.
صباح بدورها، صارت منتجة وأمنت لنفسها من خلال هذا العمل مصدر رزق لها ولأسرتها، تضيف في هذه النقطة : أحصل على راتب وفي ذات الوقت أساعد الفتيات و أعلمهن كيفية حياكة الخياطة وفن التعامل مع الزبائن.
صباح هي أم لأربعة أبناء، بعد أن فقد زوجها عمله نتيجة أوضاعه الصحية أصبحت هي المعيلة لأسرتها، وكي تحافظ على حياة كريمة لها ولأسرتها، توجهت إلى تعلم مهنة التصنيع الغذائي بجانب الخياطة، لكن انتشار جائحة كورونا أثر سلباً على عملها وأدى إلى تردي وضعها الاقتصادي، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية للاجئين بشكل عام.
سوسن العبسي نموذج آخر لامرأة فلسطينية لاجئة تقطن ذات المخيم – مخيم جرش- تمكنت أيضاً من إنشاء مشروعها الخاص الذي كفاها مد يد العون إلى أحد.
تعمل سوسن في مجال التجميل "الكوافير" .. منذ صغرها كانت تنتظر مناسبات الأفراح ، كي تقوم بوضع المكياج وتصفيف الشعر لقريباتها وجاراتها، ومع الوقت استطاعت أن تتعلم وتطور مهارتها حتى فتحت صالون تجميل خاصاً بها داخل المخيم، ولكن بعد زواجها اضطرت أن تغلقه.
إلا أن الظروف المادية عادت وحاصرتها مع أسرتها، ولكنها لم تعد تمتلك المال لتفتح صالوناً آخر، فصارت تستقبل نساء المخيم في بيتها، من أجل تصفيف الشعر والتزيين، ما يعود بالمنفعة المادية عليها وتستطيع أن تساعد عائلتها بأعباء المنزل.
بالإضافة إلى ذلك تقول سوسن لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنها تعلم الفتيات في المخيم "بعد أن فقد زوجي عمله ولم يستطع العودة إليه، توجهت إلى مؤسسة سما غزة، لتعليم السيدات فن التجميل من مكياج وقص الشعر وتصفيفه، كي تستطعن امتلاك مهنة في المستقبل".
تداعيات جائحة كورونا كانت وخيمة على سوسن بسبب الحظر والحجر المنزلي الذي أدى إلى إلغاء المناسبات كافة، وتخوف النساء من الإصابة بالفيروس دفعهن إلى العزوف عن التوجه لصالونات التجميل.
ولكن تعتبر سوسن أن هذه مرحلة مؤقتة وستعاود النشاط في عملها، فهي الآن باتت متمكنة مادياً لا تحتاج إلى طلب المساعدات المادية من أحد.
بشكل عام تواجه المخيمات الفلسطينية في الأردن وبلدان الطوق ارتفاعاً في معدلات البطالة، نتيجة القوانين الموضوعة من قبل الدول المضيفة أو الحروب والصراعات في هذه الدول، ولكن غياب مشارع تنموية داخل هذه المخيمات يزيد من المسألة تعقيداً ويرفع معدلات البطالة إلى مستويات قد تكون مخيفة، ربما لا تكفي معها مبادرات بعض مؤسسات المجتمع المدني لإيجاد مشاريع تنمية وتمكين، في ظل غياب الجهود الرسمية الفلسطينية لحماية المخيمات وتحسينها من خلال مشاريع التنمية والتشغيل.
المعيل الأساسي في عدد كبير من أسر المخيمات الفلسطينية في الأردن هو امرأة
هبة خوري هي مؤسسة جمعية سما غزة للتنمية والعاملة في عدد من المخيمات الفلسطينية في الأردن، وأحد أهم أهداف جمعيتها هو تمكين المرأة اقتصادياً، وهذه الجمعية هي من ساعدت صباح وسوسن في الحصول على عمل.
تقول خوري لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنه خلال عملها داخل مخيمات اللاجئين في الأردن، وجدت أن المعيل الأساسي في الكثير من الأسر تكون امرأة ، مرجحة ذلك لأسباب عدة منها مرض الزوج وعدم قدرته على العمل، إضافة إلى افتقادهم للرقم الوطني الذي يحرمهم من الحصول على فرصة عمل ملائمة، وأيضاً هنالك من يعمل بنظام المياومة – يتلقى أجر العمل الذي يقوم به بشكل يومي-، ولا يمتلك دخلًا ثابتًا يستطيع من خلاله تلبية احتياجات عائلته، ما يدفع المرأة إلى أن تعمل من أجل مساندة ودعم أفراد أسرتها.
وتضيف: إننا نبحث عن المهن الحرفية، التي تجد اقبالًا مجتمعيًا من ناحية المنافسة والطلب، وبناء على ذلك نقوم بتدريب النساء وتمكينهن اقتصادياً، مؤكدة أن أن هدف تدريب الشباب والشابات هو فتح آفاق جديدة لهم، ليندمجوا في سوق العمل ويؤسسوا أعمالهم الخاصة.
هنالك عزوف من قبل القتيات بالمخيم عن استكمال الدراسة الجامعية لظروف مادية
تشير خوري إلى ضرورة أن يكون للمرأة مصدر دخل مستقلاً لها، سواء كانت بحاجة إلى دعم مادي أم لا، لتعيل نفسها في الدرجة الأولى، ومن ثم عائلتها.
وتوضح أن من أحد الأسباب التي دفعتهم للتفكير بتمكين وتدريب المرأة في الحرف المهنية، أن هناك عزوفاً كبيراً في صفوف الفتيات في مخيم جرش، بما يتعلق باستكمال تعليمهن الجامعي، بسبب ارتفاع الرسوم الدراسية، وسوء الأوضاع المالية لذويهم.
وعن شروط القبول تقول خوري: إنه "لا يتم استقبال أي فتاة أو شاب موجودن على مقاعد الدراسة"، وذلك لأن الأولوية للتعليم، وفي حال لم يحالفهم الحظ لاستكمال دراستهم الجامعية، لأي سبب من الأسباب، ندعمهم لتعلم مهنة وحرفة في حياتهم.
وتشير إلى أن إقبال النساء لتعليم المهن الحرفية، يفوق أعداد الرجال بكثير، وهذا يدل على وعي المرأة بأهمية تمكينها اقتصادياً في المجتمع.