المُخيّمات الفلسطينيّة في قلب الانهيار اللبناني

حوار مع د. أحمد أبو هولي حول انعكاس أزمة لبنان الاقتصادية على اللاجئين الفلسطينيين فيه

الأربعاء 01 سبتمبر 2021

يزداد احتدام الأزمات المعيشيّة في المُخيّمات الفلسطينيّة في لبنان جرّاء الانهيار شبه الكامل في الدولة المُضيفة وعلى كافّة الأصعدة، أزماتٌ مركّبة طالت أهم مقومات الحياة مثل المحروقات بأنواعها والأدويّة وحتى رغيف الخبز الذي هو أدنى ما يمكن توفيره للاجئ الفلسطيني الذي يُعاني مرارة اللجوء.

وفي ظل كل هذه الأزمات التي يُعاني منها لبنان والمنعكسة بشكلٍ تلقائي على اللاجئين في المُخيّمات، تبرز تساؤلاتٌ عديدة لدى اللاجئين الفلسطينيين حول استمراريّة هذه الأزمات وما هي السُبل للحد منها على الأقل، وكما في كل مرة يواجه اللاجئون الفلسطينيون خطر انهيار مقومات صمودهم وسبل عيشهم، تتجه أنظارهم نحو ما يعتبر رسمياً الممثل الشرعي والوحيد السياسي لهم منظمة التحرير الفلسطينية، والتي لا يرون أنها تبدي جدية في محاولة إنقاذهم، لا سيما في ظل مشاريع دولية توصف بالخطيرة تمس حقوق اللاجئين في العودة وتقرير المصير قد تجد في هذه الأوضاع ثغرة ومنفذاً لها لكي تمر، لذا حاورنا في بوابة اللاجئين الفلسطينيين رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينيّة د. أحمد أبو هولي، في محاولة لإيجاد إجابة عن هذه التساؤلات.

  • هل هناك قراءة من قبل م ت ف لمخاطر الأزمة اللبنانيّة على حقوق اللاجئين في ظل تردّي الأوضاع الاقتصاديّة ووجود نشاط مشبوه لجهاتٍ لبنانيّة وفلسطينيّة تسعى لتهجير اللاجئين ومقايضة حقوقهم الوطنيّة بتحسين ظروف حياتهم؟

بكل تأكيد، ومن المهم في البداية أن نعرف جميعاً أنّ هناك 480 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان، وهؤلاء اللاجئين عانوا كما عانى لبنان الشقيق من الانهيار التام بعد أحداث انفجار مرفأ بيروت في شهر آب/ أغسطس 2020، وعقب ذلك من جائحة "كورونا"، وأيضاً انهيار العملة المحليّة مقابل عملة الدولار، بالإضافة إلى النقص الحاد في الوقود والبنزين.

كل هذه الانهيارات أثّرت على اللاجئين الفلسطينيين بشكلٍ كامل، لماذا؟ لأنّ المُخيّمات الفلسطينيّة جزء لا يتجزّأ من لبنان، والمساعدات التي يأخذها اللاجئ تأثّرت لأنّ وكالة "أونروا" تقدّم مساعدات نقديّة تأثّرت هي الأخرى إثر انخفاضٍ غير مسبوق في قيمة العملة المحليّة -الليرة اللبنانيّة- وهذا بالتأكيد أثّر على انخفاض القيمة الشرائيّة للاجئ الفلسطيني، وفي المقابل استمرت الأسعار في الارتفاع بشكلٍ كبير، أي أنّ هذا أدّى لارتفاع معدّلات الفقر والبطالة التي تزيد نسبتها في لبنان عن 85%.

كما أنّ جائحة "كورونا" أثّرت على أعمال ومصادر رزق اللاجئين الفلسطينيين، والمساعدات النقديّة الطارئة التي تُقدّمها وكالة الغوث كل ثلاثة شهور أصبحت لا تغطي شهراً واحداً لاحتياجات اللاجئ الفلسطيني في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار.

بكل صراحة، تلعب وكالة "أونروا" دوراً هاماً في مسألة الصحّة والتعليم وتحسين المُخيّمات لأكثر من 257 ألف لاجئ فلسطيني، وأيضاً زاد العبء عليها مع مجيء أكثر من 28 ألف لاجئ فلسطيني من سوريا إلى لبنان، وكل تقارير المنظّمات الدوليّة تؤكّد أنّ اللاجئين الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر في لبنان وأوضاعهم ما زالت تزداد صعوبةً.

  • ما هي خطة دائرة شؤون اللاجئين سياسيّاً واغاثيّاً وإعلاميّاً لتعزيز صمود اللاجئين في المُخيّمات وتوفير احتياجات المُخيّمات؟

نحن بالفعل نعمل وفق خطّة، وبالإضافة إلى مساهمات وكالة "أونروا"، هناك مشاريع ننفذها في دائرة شؤون اللاجئين بشكلٍ فردي مثل تطوير شبكات الكهرباء، وتعبيد الطرق، وترميم البيوت، وصرف سلّات غذائيّة، وحفر آبار، وغيرها الكثير من المشاريع التي ننفّذها بالتنسيق مع اللجان الشعبيّة في كافة المُخيّمات.

هذا كله بكل تأكيد يهدف لتعزيز صمود أبناء شعبنا المُخيّمات في ظل أنّ بعض الجهات تعتبر أنّ الضغط المتواصل والأزمات المُتلاحقة التي تُعاني منها المُخيّمات ستُنسي اللاجئ الفلسطيني قضيته العادلة، أو من الممكن أن يبيع هذا اللاجئ كرت "التموين" مقابل الهجرة، أو توفير جنسيّة معيّنة هنا أو هناك.

دون أدنى شك نعلم أنّ الأوضاع صعبة، وكل لبنان في وضع صعب لا يُحسد عليه، لذلك نأمل أن يخرج لبنان من كل هذه الأزمات الاقتصاديّة الصعبة، هذا في ظل أنّ شعبنا كما دائماً متمسك بحق العودة رغم كل الظواهر والاستهدافات وهو على قدر المسؤوليّة، لذلك نقول لكل المتآمرين على ملف قضيتنا وخاصّة ملف عودة اللاجئين والذين يروّجون للوطن البديل ويسعون لإنهاء دور وكالة الغوث الدوليّة نقول لهم أنّ كل محاولاتكم لن تنجح وستموت بإذن الله.  

  • هل هناك تنسيق بين منظمة التحرير الفلسطينيّة والفصائل في لبنان لمُتابعة انعكاسات الأزمة الاقتصاديّة وتوفير احتياجات المُخيّمات؟

أؤكّد أنّ هناك تنسيقاً مشتركاً ما بين لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، ومع وكالة "أونروا"، ودائرة شؤون اللاجئين الفلسطينيين، وكافة الفصائل والقوى الوطنيّة والإسلاميّة الفلسطينيّة الموجودة في لبنان، وأيضاً مع سفارة فلسطين، ووفق هذا التعاون تُحاول جميع الأطراف تقديم كل ما تستطيع من أجل التخفيف قدر الإمكان من معاناة اللاجئ الفلسطيني.

في الجانب الصحّي مثلاً تحث كل هذه الجهات اللاجئين على أخذ اللقاح للحد من حدّة جائحة "كورونا" في المُخيّمات، وأيضاً في هذا الإطار نضغط بشكلٍ دائم على وكالة "أونروا" من أجل تقديم المساعدات النقديّة للاجئين الفلسطينيين وبشكلٍ دوري، بل وزيادة قيمة هذه المساعدات بشكلٍ أكبر لأنّها بصراحة تؤثّر بشكلٍ مباشر على اللاجئين.

  • كيف تقيّمون دور الأونروا وهل هناك ضغوط تمارسها الدائرة على الأونروا لإطلاق حملة إغاثة عاجلة؟

قمنا من باب تخفيف الاحتقان السائد، بالتنسيق مع وكالة "أونروا" ولجنة الحوار اللبناني الفلسطيني لتقديم المساعدات النقديّة التي تقدّمها الوكالة بالليرة اللبنانيّة بالسعر الذي حدّده المصرف المركزي لنستطيع المُحافظة على قيمة المساعدة النقديّة الماليّة المقدّمة من الوكالة.

أيضاً وبالتنسيق مع وكالة "أونروا"، أطلقنا أكثر من نداء لاستكمال إعمار مُخيّم نهر البارد، ولدينا خمسة آلاف أسرة نازحة من المُخيّم، وبالفعل نجحت وكالة الغوث في بناء خمسة مدارس من أصل ستّة داخل المُخيّم، وبناء مركز صحي، وفي نهاية العام الجاري 2021 ستتمكّن 479 أسرة من استلام منازلها في مُخيّم نهر البارد.

هناك مساهمة أيضاً من "أونروا" في دعم مستشفى "الهمشري" المختص في إجراء فحص "كورونا" واستقبال أبنائنا من مجتمع اللاجئين، ونحن نعمل كما أسلفت بتنسيقٍ كامل سواء في قضية الإعمار، أو صرف المساعدات النقديّة بالعملة المحليّة، وغيرها من الملفات.

بكل تأكيد هذا غير كافي، لأنّ أكثر المُخيّمات التي يُعاني فيها اللاجئ الفلسطيني هي لبنان وسوريا وذلك بسبب الأحداث غير المستقرة، ونأمل أن تزيد وكالة "أونروا" من خدماتها، وهذا بالمُناسبة ما نؤكّده في اجتماعاتنا المختلفة سواء في اللجنة الاستشاريّة أو في مؤتمر المُشرفين الذي نعقده دائماً بالتنسيق مع لبنان والدول المضيفة، نقول لوكالة "أونروا" بكل وضوح أنّ احتياجات مجتمع اللاجئين الفلسطينيين ازدادت في ظل جائحة "كورونا"، ومعدلات الفقر زادت إلى حدٍ غير مسبوق ونأمل من وكالة الغوث أن تضع في موازنتها وبعين الاعتبار احتياجات مجتمع اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن وفي سائر مناطق عملياتها الخمس لأنّه بالفعل كل يوم يمر يزداد فيه اللاجئ الفلسطيني فقراً وبطالةً وسوءً في المُخيّمات الفلسطينيّة.

  • يطرح سؤال حول إمكانية قيام الدائرة بإطلاق حملةٍ شعبيّةٍ ورسميّةٍ لإغاثة اللاجئين في لبنان، خاصة في مجال توفير الأدوية بالتعاون مع وزارة الصحة الفلسطينيّة، أو إطلاق حملة إغاثية عاجلة؟

عندما زار عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظمّة التحرير عزّام الأحمد لبنان كان هذا من ضمن مطالبنا ومطالب اللجان الشعبيّة عندما اجتمعت معه برفقة القوى الفلسطينيّة، ونحن أيضاً ننسّق مع رئيس الحكومة في هذا الجانب، وفعلاً تم إرسال كميّة من الأدويّة بناءً على هذا التنسيق المشترك بهدف تخفيف المعاناة في المُخيّمات الفلسطينيّة، وكل ما يطرحه أمناء سر اللجان الشعبيّة في المُخيّمات والتجمّعات من قضايا بحاجة إلى حلول نحن على أتم استعداد للتنسيق معهم قدر ما نستطيع للتواصل مع مؤسّسة الرئاسة ورئيس الحكومة وكل جهات الاختصاص لتلبيّة احتياجات هذه النداءات.

نحن لسنا بحاجة إلى إطلاق حملة إغاثيّة عاجلة بشأن الأدوية، وذلك لأنّه من الممكن جداً الحصول على هذه الأدوية من خلال وزارة الصحة، ولكن أجدّد تأكيدي أنّ كل ما تريده اللجان الشعبيّة في المُخيّمات بالتنسيق مع السفارة والقوى الوطنيّة نحن على أتم الاستعداد للتواصل وتلبية كل احتياجاتهم، وبالمُناسبة هناك تواصل يومي ما بين اللجان ودائرة شؤون اللاجئين والفصائل والسفير الفلسطيني أشرف دبور وكل جهات الاختصاص.

نعم الوضع صعب في لبنان، ولكن نبذل كل ما نستطيع من أجل التخفيف من معاناة اللاجئين الفلسطينيين، ونعلم جميعاً أنّ الأزمة في لبنان هي أزمة سياسيّة، ونأمل للبنان الشقيق أن ينتصر على كل خلافاته ويعود كما كان من الدول القويّة التي تحتضن شعبنا الفلسطيني الموجود فيها كمحطّة انتظار إلى حين العودة إلى قراه ومدنه التي هُجّر منها في فلسطين.

حاوره: أحمد حسين/خاص-بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد