كان البحر سبيلًا لعدد من اللاجئين الفلسطينيين إلى تأمين قوت يومهم، من خلال صيد السمك وبيعه، إلّا أن الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان، المتمثلة بانهيار قيمة العملة الوطنية أمام الدولار الأمريكي، وفقدان منتجات الطاقة أرزحت اللاجئ الفلسطيني -الذي يعاني أصلاً من الحرمان وأبسط الحقوق المدنية- تحت وطأتها.
الصياديون الفلسطينيون ممنوعون من الانتساب للنقابة
ففي ميناء صيدا جنوبي البلاد، صار يعاني الصيّاد الفلسطيني الأمرّين.
بداية وبحسب الإحصائيات الرسمية فإن عدد المنتسبين إلى نقابةصياديالأسماك في المدينة بشكل رسمي وضمن جداول النقابة، هم 223 صياداً لبنانياً، يملكون 112 زورق صيد، في المقابل يوجد 105 صيادين فلسطينيين، ويملكون 35 زورقاً ويعتاشون من هذه المهنة ويقيمون في المدينة ويمارسون الصيد بشكل طبيعي وعادي يومياً، وهم غير منتسبين إلى النقابة.
عدم انتساب الصياد الفلسطيني إلى النقابة، يضعه دوماً في مهبّ الريح، فهو الحلقة الأضعف في الميناء، ففي حين يحصل زميله اللبناني على مساعدات مالية من النقابة في حال حدوث عاصفة أو عارضٍ في البحر يمنعه من الصيد، يعود الفلسطيني إلى بيته خاوي اليدين دون صيد ولا مدخول.
الصّياد الفلسطيني محمد حسن (يبلغ من العمر ٣٨عاماً وأبّ لثلاثة أطفال) اختصر الحال بعبارة "وصلنا إلى مرحلة اليأس".
يقول حسن لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنه يعمل في البحر منذ أربع سنوات،وكان يحصل على رزقه الذي يكفي عائلته، لكنّ الوضع الآن تغير، ويصفه بالتعيس جداً في ظلّ الأزمة الاقتصادية والارتفاع الجنوني للدولار، فكلّ شيء بات باهظ الثمن ويفوق قدرته الشرائية، كزيت محركات المراكب والمازوت وعدّة الصيد جميعها مسّعرة في السوق وفق قيمة الدولار الأمريكي، بحيث لا يستطيع رفع الأسعار كثيراً بحيث تتناسب مع ارتفاع الكلفة علينا مراعاة لوضع الناس، ومع ذلك فالإقبال قلّ كثيرًا.
تكاليف باهظة ومدخول أقل
ويشرح حسن: "زيت الشختورة (القارب) كان يكلف 45 ألفاً الآن تصل الكلفة إلى 700 ألف ليرة لبنانية، وفي حال تعطّلت أيّ قطعة بالمحرّك فإصلاحه يكون بالدولار كما أنّ فاتورة الميكانيكي بالدولار، لذلك يصبح الضرر أكثر من النفع بكثير، وأمام هذا الواقع وصلنا لمرحلة عاجزين عن سدّ احتياجات عائلتنا، فنحن نتعب ونوصلُ الليل بالنهار، والمدخول لا يكفي".
وما يزيد الأمر صعوبة وفق حسن، هو عدم انتسابه هو وزملائه الصيادين للنقابة، تبعًا للقانون اللبناني، وهذا يحرمهم من المساعداتالنقديةوالعينية التي تقدّمها النقابة للصيادين اللبنانيين.
ويطالب حسن عبر "بوّابة اللاجئين" المسؤولين الفلسطينيين بالالتفات إلى معاناتهم وتحمّل جزء من الأعباء عنهم، ومساعدتهم أقلّها أسوة بزملائهم اللبنانيين، وتقديم تعويضات لهم في حال حدوث أيّ ضرر للمركبة أو موج البحر كان عالياً لأنّ أعمالهم تعطلت "نحنا إذا تصيّدنا منعيش ما تصيّدنا ما منعيش".
وأشار الصيّاد إلى أن بطاقة بحرية أو بطاقة هواة التي تمنحها النقابة، تسهّل لهم عملهم وتسمح لهم بالإبحار لمسافات أبعد، وتمكّنهم من زيادة محصولهم، كما تغطّي تكاليف علاجهم في حال تعرّضوا لأيّ إصابة.
أمّا أبو العبد، فحاله أصعب لإنه لا يملك شِباكًا للصيد والذي أصبح سعره أضعاف السابق، فيضطر لاستخدام مركبه فقط لنقل الناس أوعدّة الصيادين بالبحر، مشيرًا لبوابة اللاجئين الفلسطينيين إلى أنّ وضعه الماديّ كان أفضل لو عمِل بمهنته كصيّاد، ومضيفًا أنّ حتى هذه المهنة التي تنتعش عادة بالصّيف تنقطع مع حلول فصل الشتاء، وكانوا سابًقا يدّخرون أموالًا من موسم الصيف ليقتاتوا منه في فصل الشتاء، لكن الآن"فقط نفكّر بقوت يومنا والاتكّال على الله".
وطالب أبو العبد كل الفعاليات الفلسطينية واللبنانية، وبالأخص "منظمة التحرير الفلسطينية"، أن ينظروا في وضع الصيادين الذي وصفه بالمزري، وأن يفعلوا كل ما بوسعهم من أجل مساعدتهم، والوقوف إلى جانبهم.
توقف عن العمل وسعي للهجرة
الحياة بالنسبة للاجئ الفلسطيني أحمد نبيل أحمد المعروف بأحمد الجليل، المنحدر من بلدة الزّيب قضاء عكا ومقيم حاليًا في منطقة وادي الزينة، أصبحت صعبةً للغاية وعلى حفّة الانهيار، وخلال مقابلة مع موقعنا قال أحمد: إنه بدأ بتجهيز أوراقه هو وزوجته وولديه استعداداً للسفر ، فالأمور بدأت تتعقّد أكثر، وكلّما ارتفعت الأسعار انخفض مدخولهم وزادت حياته كصيّادٍ فلسطيني صعوبة، ويلفت الجليل إلى أنّه إضافة إلى ارتفاع أسعار معدّات الصيد أكثر من عشر أضعاف فالصنّارة التي كان ثمن العشرة منها ألف ليرة لبنانية اليوم يتراوح سعر الواحدة بين عشرة آلاف وعشرين ألفاً. صعودٌ خياليّ بالأسعار يفوق قدرة الصّياد الماديّة فتأمين هذه المعدّات وطعم السمك بهذا المبلغ المرتفع يعرّض رزقهم للخطر فربّما تكون الكُلفة أعلى من المنتوج وبالتالي الصّياد يدفع فاتورة هذه الخسارة بدون أيّ تعويض من أحد.
هذه معضلةٌ من ضمن المعضلات التي يواجهها الجليل وكثيرٌ من الصيادين الفلسطينيين، فأحمد يملك قارباً يعمل على البنزين، وهنا تقع الأزمة، فالمحطات بقرار من الدّولة منعت أصحاب القوارب من تعبئة الغالونات بحجّة منع التهريب، لكنها لم تستثنِ أصحاب القوارب لضرورة العمل من هذا القرار خصوصاً أنه لا يوجد بديل عن ذلك، ويضيف أحمد ساخرًا : "هل أحضرُ شختورتي إلى المحطة لتعبئتها؟!" ويكمل، هذا أمرٌ غير منطقيّ وغير مدروس ولا مبالي لأرزاق الناس التي تتوقّف شيئا فشيئا، بعض الأشخاص يلجؤون إلى حيلةٍ لتيسير أمورهم عبر تعبئة سياراتهم ومن ثم إفراغ البنزين بغالونات لتعبئة الشختورة، هذا الوضع "مرهقٌ وخرّب بيوتنا"، وختم الجليل، صحيحٌ أنّ الأزمةَ تمرّ على جميع الصيادين إلّا أنّ الصيّاد الفلسطيني وضعه أصعب بكثير فهو لا يملك بطاقة لمزاولة المهنة، ولا يوجد أيّ جهة فلسطينية تدعمه وتقف بجانبه، لافتًا إلى أنّه من فترة قصيرة وزعت إحدى النقابات عبر الجيش تنكات مازوت للصيادين اللبنانيين في صيدا وطرابلس، أمّا نحن فـ "نقلّع شوكنا بأيدينا"، وقف قوله.
تضييقات حكومية
يقول عيسى مناصرة من تجمع جل البحر للاجئين الفلسطينيين: إن الصيد أصبح مدخل الرزق الوحيد لغالبية عائلات التجمع بعد انهيار الوضع الأقتصادي في لبنان، وانتشار بالبطالة، لكن لا يمكن الاعتماد عليه.
وأضاف مناصرة: "نجدُ البحر مليئًا بالشباب الذين يسعون لتأمين أبسط مقومات الحياة، لأنه في حال لم يعملوا فلن يجدوا شيئاً يقتاتون منه في ظل الغلاء الفاحش الذي نشهده".
وأوضح، "فرضت علينا الدولة اللبنانية شروطاً قاسية لا يستطيع أي صياد في التجمع أن يعمل بها، نظراً للضيقة المالية للأهالي، بحيث فرضت شروطاً على أنواع السمك المسموح باصطيادها، بحيث يمنع صيد السمك الكبير والسمك الصغير والسردين، وأيضًا فرضت شروطًاعلى المساحة والمسافة التي يمكنهم الاصطياد فيها، مشيرًا إلى أن الصياد يضطر للحصول على السمك المشي بشباكه الثقيلة حوالي ٢كلم، وهو أمرٌ مرهقٌ للجسد ومضيعة للوقت، وهذا العمل الشاقّ مهدد بالخطر، فإنّ عدّة الصياد يمكن أن تصادرها البلدية وتتلفها كما يتعرّض صاحبها للملاحقة والحبس في حال أتت البلدية ووجدتهم يصطادون، بحجّة: إنهم غير قانونيين.
وأضاف " أنّ صيّادي جل البحر لا يمكنهم اقتناء قارب صغير لانه يحتاج إلى رخصة والفلسطيني ممنوع منها، وفي حال سُمح له يكون ٥١٪ منه مسجّل باسم لبناني.
ودائمًا ما يتعرّض أهالي جلّ البحر الذي يبسطون أسماكهم أمام منازلهم للتضييق والملاحقة من بلدية صور، وقد يمنعوا أحيانًا ما يؤدّي إلى قطع طريق رزقهم الوحيد.
كلّ ذلك في غياب تامّ لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" التي لا تتضامن وفق الصيادين مع مشاكلهم، ولا يوجد أي تحرك من قبلها.