الساعة الواحدة والنصف ظهراً من يوم 19 أيلول/ سبتمبر الجاري، لحظة تاريخية لن تمحى من ذاكرة الجالية الفلسطينية في دولة الدانمارك.
حشود فلسطينية وعربية ودنماركية أشخصت عيونها ترقباً للحظة رفع العلم الفلسطيني على سارية، يبلغ ارتفاعها خمسة أمتار، أمام البرلمان الدنماركي في العاصمة كوبنهاغن، لأول مرة في تاريخ أوروبا.
بدعوة من ملتقى الجالية الفلسطينية في الدنمارك، والبيت 48، نظمت الفعالية بعنوان "علم الحرية"، حاملة رسائل سياسية وشعبية فلسطينية عدة، مفادها رفض الاحتلال وجرائمه ضد الفلسطينيين، والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في وطن كريم، ودعم الأسرى في سجون الاحتلال.
عام ونصف العام من الجهود
في حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، يقول سفير النوايا الحسنة في منظمات السلام الدولية في الدنمارك، الدكتور صلاح الدين كايد: "من المتعارف عليه أن مبنى البرلمان الدنماركي هو رمز سيادي للدولة، بالتالي رفع العلم الفلسطيني على سارية ثابتة أمام مقره يعد حدثاً تاريخياً بالنسبة لنا كفلسطينيين في أوروبا، خاصة أن إتمام هذه الخطوة استغرقت قرابة العام ونصف العام لإصدار التراخيص اللازمة من وزارة العدل الدنماركية".
ويضيف كايد أن "اختيار هذه الفعالية في أيلول/ سبتمبر الجاري جاء على اعتبار أن هذا الشهر يحمل أحداثاً هامة تتعلق بالقضية الفلسطينية، بدءاً من أيلول الأسود، مروراً بمجزرة صبرا وشاتيلا، حصار بيروت، اتفاق أوسلو، انتفاضة الأقصى الثانية، رفع العلم الفلسطيني على مبنى الأمم المتحدة عام 2015، وصولاً إلى عملية انتزاع الحرية. من هذا المنطلق فكرنا كيف يمكن أن نجسد هذه الأحداث كنوع من التضامن مع شعبنا الفلسطيني سواء في الوطن والشتات".
ويوضح أن "الهدف من رفع العلم هو مطالبة الحكومة الدنماركية التي ستفتتح دورتها البرلمانية الشتوية شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل، بمجموعة مطالب مهمة لنا كفلسطينيين في الدنمارك".
المطلب الأول: إدانة جرائم الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، دون تمييز أو تخصيص من القدس إلى الضفة إلى قطاع غزة إلى أراضي الداخل المحتل عام 1948.
المطلب الثاني: تفعيل قرار كان قد اتخذه البرلمان الدنماركي العام الماضي، وهو تجريم التعامل مع البضائع التي يتم انتاجها في "المستوطنات غير الشرعية" وفقاً لتصنيف الحكومة الدانماركية، حيث طالب المشاركون بالفعالية بإعادة تفعيل هذا القرار، والعمل على تطويره لناحية تجريم التعامل على صعيد جميع المستوطنات الشرعية وغير الشرعية بحسب رؤية الحكومة الدنماركية.
المطلب الثالث: وهو الأهم، يتجسد بمطالبة الحكومة المركزية الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة كدولة السويد مثلاً، والعمل على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني من ممثلية إلى مستوى سفارة.
إذا أجدنا العمل الإعلامي والسياسي على أبواب الانتخابات يمكننا تحقيق بعض المطالب
ويعتبر كايد أن "خطوة الألف ميل دائما تبدأ بالخطوة الأولى، ونحن نتوقع أن يكون التجاوب غير قوي بالمطلق، لكن على الأقل يكون هناك تداول للمسألة في الأروقة الإعلامية والسياسية الدنماركية، خاصة أننا على أبواب انتخابات في البلاد، وإذا أجدنا العمل ضمن الأحزاب السياسية المناصرة لنا فمن الممكن أن نحقق بعض هذه المطالب".
"شكل اللاجئون الفلسطينيون في دولة الدنمارك نموذجاً مقدمأ لناحية العمل الفلسطيني المشترك، إذ إن هناك اتفاقاً داخلياً على أن ما يختلف عليه السياسيون في الوطن لا يجب أن ينعكس على العمل الفلسطيني في الدنمارك الذي يصب جل اهتماماته في تفعيل النشاطات الوطنية وترسيخ القضية أكثر لدى أبنائها المغتربين واللاجئين، على سبيل المثال، لأول مرة استطاعت فرقة شبابية من رام الله أن تعزف لمدة ثلاثة أيام على واحد من أكبر مسارح الأوركسترا في الدنمارك"، بحسب كايد.
سفراء القضية
ويرى كايد أن "الفلسطيني خارج حدود الوطن يعتبر نفسه سفيراً لقضيته، بالتالي دورنا يكمن في التحلي بالوعي والثقافة في التعامل مع إشكاليات الصراع الداخلي أولاً، ومن ثم تسليط الضوء أكثر على القضية الفلسطينية في المحافل الدولية لتغير الرأي العام تجاه ما يتعرض له الفلسطينيون، وذلك من خلال نشر المقالات في الصحافة الأوروبية، أو المشاركة في النشاطات المساندة للأحداث الكبرى في الوطن. مثال على ذلك الأحداث اللأخيرة في حي الشيخ جراح، وما تلاها من معركة سيف القدس، هذه الأحداث والفعاليات التي أعقبتها غيرت تعاطي الرأي العام الأوروبي والعالمي مع الشعب الفلسطيني وكانت من المواقف التي تسجل لصالحه".
نكافح لنشر الرواية الصحيحة حول القضية الفلسطينية
"العلم الفلسطيني يعد من أهم رموزنا الوطنية، وبالتالي رفعه لأول مرة على سارية يبلغ طولها خمسة أمتار أمام البرلمان الدنماركي يعد حدثاً هاماً ومن الواجب الوطني كلاجئين فلسطينيين في البلاد أن نشارك فيه بمختلف أطيافنا، من شعراء وفنانين ورسامين ومثقفين"، هكذا لخص مسؤول القسم الثقافي في ملتقى الجالية الفلسطينية في الدنمارك، محمود وليد الجمل، ضرورة مشاركته في فعالية رفع العلم الفلسطيني.
وفي حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، يقول الجمل أن "هذا التجمع الفلسطيني تحت العلم يشكل فخراً كبيراً لنا، إضافة إلى أننا سنعرض مطالبنا بكشف جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، والتنكيل بحق الأسرى الذين يأخذون أولوية كبيرة في مطالبنا".
ويؤكد على أن "الجالية الفلسطينية موجودة في الدنمارك منذ قديم الزمان، ولا زلنا كمثقفين ومتعلمين نكافح ونصر على نشر الرواية الصحيحة حول القضية الفلسطينية والصراع مع الاحتلال. بالنسبة لنا هذا صراع طويل وسيمتد لأجيال، بالتالي هذا النوع من النشاطات مهم جداً المحافظة عليه حتى تبقى القضية الفلسطينية حاضرة، وعلم فلسطين يرفرف في أوروبا".
بدوره، يرى الفنان والشاعر الفلسطيني، محمود البقاعي، أن "بقاء العلم الفلسطيني مرفوعاً أمام البرلمان الدنماركي لمدة عام كامل يعد لفتة هامة من قبل الحكومة، فمقر البرلمان ليس مكاناً عادياً في الدولة، إنما يرمز إلى العمل السياسي الذي تصدر منه جميع قرارات البلاد، لذا فإن تواجدنا في هذا اليوم كحشد فلسطيني أمام البرلمان الدنماركي ونحن نرى علم وطننا يرفرف أمامنا يشكل فخراً بالنسبة لنا ولجميع الداعمين للقضية الفلسطينية".
ويؤكد أن "اللاجئ الفلسطيني حتى لو حظي بجنسية أوروبية وعاش حياة كريمة لا ينسى وطنه مهما كلفه الأمر. أطفالنا يولدون في أوروبا لكن يولد معهم حبهم لفلسطين، فهم يعلمون مساحتها، ومن أي بلدة هم، بالتالي حتى لو اضطررنا لنعيش في بلدان الاغتراب واللجوء هذا لا يضاهي حب الوطن لدينا الذي نغذيه في دماء أبنائنا".