لن تنتهي أزماتُ فصل الصيف بانتهائه بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في مخيم الجليل (ويفل) بالبقاع اللبناني، بل ستُفتح صفحةٌ جديدةٌ من الأزمات في فصل الشتاء أثقل وأخطر مما سبق وفق التوقّعات،فالانهيار الاقتصاديّ الأكبر في تاريخ لبنان، يكرس واقعاً صعباً فذ هذا المخيم المعروف فيه أن فصل الشتاء يجرّ معه هموم الثلاث ميمات: الميم الأولى المازوت والميم الثانية المونة أمّا الميم الثالثة المدارس.
انقطاع المازوت يحتم البحث عن بدائل للتدفئة بأسعار باهظة
أبو خالد لاجئ فلسطيني في مخيم الجليل أصبحت وجهته الأولى كلّ صباح محطات الوقود علّه يجد مادة المازوت ليس لتلبية احتياجاته اليومية الحاليّة بل لتخزين تلك المادة لاستخدامها من أجل التدفئة في فصل الشتاء كما يفعل كلّ عام.
محاولات باءت بالفشل إلى الآن، فالمازوت أصبح وفق أبو خالد عقدة العقد وأزمة الأزمات ولا يحصل عليه إلا القليل القليل، "فهو لا يُباع إلّا بالسوق السوداء وبأسعارٍ خيالية يصل سعر التنكة الواحدة إلى 300 ألف ليرة لبنانية، وفي حال حالف الحظ أحدهم فلن يستطيع شراء إلّا تنكة أوتنكتين بالحدّ الأقصى، ثم جاء القرار الرسمي برفع الدعم كلياً عن المحروقات بعد منتصف شهر أيلول/ سبتمبر الحالي، بمثابة الضربة القاضية للبنانيين عموماً والفلسطينيين الذين لن يكون بمقدورهم شراء المادة بأسعارها الخيالية الجديدة".
يضيف أبو خالد: هذا الأمر يسبب أزمة كبيرة ويقلق أهالي المخيم الذين يبحثون عبثًا عن بدائل للتدفئة، فتحويل صوبيات المازوت إلى صوبيات حطب ليس بالأمر السهل بل إنّه مكلف أكثر، لأن صوبيا الحطب تختلف عن صوبيا المازوت وعليه فإن العائلة بحاجة لشراء واحدةجديدة كلفتها بالحدّ الأدنى ١٠٠$ كما أنّ سعر الحطب والذي أصبح أيضًا يباع في السوق السوداء كلفته لا تقلّ عن كلفة المازوت، وعملية تخزينه صعبةٌ جدًا، فشراء الأطنان منه يحتاج إلى مساحة كبيرة لتخزينه وهذا غير متوفّر في مخيم الجليل.
وبناء على هذا الوضع القائم يقول أبو خالد: "لا حلول حتّى السّاعة ننتظر رحمة ربنا، كما ننتظر تحرك بعض الجهات الرسمية المسؤولة كالأونروا، فعليها أن تتحرّك بشكلٍ فاعل لأنّ من مسؤولياتها الإغاثة والحماية وتأمين احتياجات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وأيضًا على منظمة التحرير تأمين مادة المازوت لكلّ العائلات الفلسطينينة دون استثناء.".
انقطاع المازوت من الأسواق وارتفاع سعره في السوق السوداء، شكل المعاناة المشتركة لكافة العائلات التي تواصل معها "موقعنا"، وتختلف حدة تأثير الأزمة بين عائلة وأخرى بحسب أحوالها المادية.
نطالب الجمعيات والمؤسسات التي توزع المازوت بالعدل وعدم الالتفات إلى الانتماءات الفصائلية للمستفيدين
اللاجئ الفلسطيني رامي منصور، أجلسه مرض السّكري في المنزل طريح الفراش بعدما بُتر إصبع قدمه ومنعه من مزاولة عمله في الدهان، يقول منصور: "نبدأ عادةً تخزين مادّة المازوت مع بداية شهر أيلول لأن البرد قارسٌ جدًا عندنا، وقبل أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار كنا نشتري ألف لتر من المازوت بـ 300 ألف ليرة لبنانية، اليوم مع انهيار الليرة اللبنانية أصبحت التنكة الواحدة وقدرها 20 لترًا ب300 ألف ليرة، كُلفةٌ عاليةٌ جدًا أشكّ أن يستطيع أحدٌ تخزينَ كميّاتٍ كبيرة هذا العام فالمازوت أصلًا مقطوعٌ في الأسواق"!
وما يزيد الطين بلّة وفق منصور، أنّه تعرّض لسرقةِ برميل مازوت يضعه أمام مدخل بيته، كان قد خزّنه من شتاء العام الماضي لاستخدامه هذاالعام، وعليه سيضطر منصور الأب لثلاثة أطفال إلى استخدام الثياب والأحذية القديمة بدلاً عن المازوت للتدفئة.
يطالب رامي الجمعيات والمؤسسات التي عادةً توزّع المازوت على بعض العائلات بالعدل في طريقة توزيعها وإعطاء الناس الأكثر حاجةً بغضّ النظر عن انتماءاتها السياسيّة أو الفصائلية.
لا يمكن لأي عائلة في مخيم الجليل تخزين برميل مازوت واحد هذا الشتاء
أزمةُ تأمين المازوت ليست محصورة بفئة معيّنة، الجميع أصبح تحت مرمى الغلاء والانقطاع، محمود أمين جمعة وهو موزّع مازوت في مخيم الجليل يقول لموقعنا إنّه يعاني جداً في تأمين مادّة المازوت وبسعرٍ مرتفعٍ جدًا من السوق السوداء فقط، ونتيجة هذه الأسعار فإنّ البيعَ انخفض بنسبة كبيرة، فبعد أن كان يبيع باليوم ثلاثة براميل مازوت الآن يبيع بالأسبوع برميلًا واحدًا فقط وربّما لا يبيع، ويوضح جمعة أنّ غالبيةالعائلات في المخيم مدخولها منخفضٌ جدًا وبالليرة اللبنانية، وبالتالي لا يُمكن لأحد تخزين برميل مازوت تبلغ تكلفته 3 مليون ليرة، ويشيرجمعة إلى أنَّ المبالغ النّقدية التي كانت توزّع في السنوات السابقة على بعض اللاجئين وهم من أصحاب حالات العسر الشديد، اليوم لا تكفي أبدًا ولا تلبّي الطلب الذي تحتاجه العائلة للتدفئة خلال فصل الشتاء.
نرسل لـ "أونروا" ومنظمة التحرير من أجل مساعدة أهالي المخيم
من جهته، يقول أمين سر اللجنة الشعبية في الجليل أحمد شاهين: إنَّهم هذا العام أمام مشكلة جديّة في موضوع تأمين مادّة المازوت للتدفئة، ففي السنوات العاديّة الماضية كانت اللجنة تطالب وكالة "أونروا" طوال العام بالعمل على تأمين مادة المازوت لكلّ الفلسطينيين بدون استثناء خصوصًا أنّ ثمانين بالمئة من أهالي المخيم يعانون من البطالة الموسميّة، لكن لم تستجب الوكالة لتلك النداءات، إلّا أنّ الأزمة الحاليةالتي يعاني منها لبنان وأثّرت بشكل كبير على اللاجئين تحتاج إلى تحرّك جديّ وسريع عاجل لحلّها، وإلّا فإن اللاجئين لن يجدوا وسيلة للتدفئة وبالتالي ستزيد الأمراض.
يؤكد شاهين لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنهم أرسلوا مذكّرات مناشدة لوكالة أونروا، كما يتابعون مع الجهات الفلسطينية كمنظّمة التحرير لحثّهم على تقديم مساعدات نقدية للعائلات أو العمل على تأمين المازوت.
المؤن المنزلية الشتوية قد تغيب هذا الشتاء
شهر أيلول/سبتمبر ليس شهر تخزين المازوت فحسب، فربّات البيوت بمثل هذه الأوقات يبدأ التحضير لمؤونة الشتاء على اختلاف أصنافها،
كالبرغل والقمح والزيت والزيتون والتين وغيرها، ويحتل الكشك مرتبة متقدّمة، إذ يكاد لا يخلو بيت من بيوت مخيّم الجليل منه، لكنّ اللاجئة أم علاء اضطرت إلى شطبه من لائحة مونتها، فإنتاج كيلو واحد من الكشك يكلّف أكثر من150 ألف ليرة لبنانية، موزّعةً بين10 كيلو غرام من الحليب أو اللبن، وكيلو من البرغل الخشن الأسمر أو الأبيض، وإذا جرى احتساب زيادة الكمية إلى ما بين ٤-٥ كيلو لتكفي عائلة مكوّنة من ٥ أفراد على الأقل طيلة فصل الشتاء، فهذا يعني أن تكلفة مونة الكشك إذا جرى تحضيرها منزلياً ستصل إلى حدود المليون ليرة، أما إذا جرى شراؤها، فإن السّعر سيزيد ضعفاً واحداً على الأقل، وأحياناً ضعفين، لذا قررت أم علاء الاستغناء عنه،لكنّها مضطرة إلى تموين باقي الأصناف، لأنّ زوجها يعمل في كاراج سيارات مقابل 400 ألف ليرة لبنانية شهريًا، وفي أيّام البردالشديد لا يعمل فينقطع المدخول عن البيت، وتضطر ام علاء إلى استخدام مونتها، لكنّها حتى الآن لم تموّن شيئًا وتخاف أن تستدينَ من أحدٍ مالاً للمونة وتعجز عن تسديده، وعليه تقول أم علاء" ناطرين رحمة ربنا لنشوف شو بده يصير معنا الله يفرجها".