أن يرى المشهد المأساوي يتكرر أمامه فهذا آخر ما كان يتوقعه المصور الأرميني كيغام جغليان، فبعد هروب عائلته من المجازر والمذابح التي ارتكبت بحق أبناء وطنه وبعد أن استقر به الحال في حارة الأرمن بمدينة القدس، وانتقاله إلى قطاع غزة عام 1944، ها هو المشهد يعاد أمامه بحذافيره، هكذا يقول جغليان.
إنه العام 1948... بدأ عمل الاستديو الذي افتتحه كيغام في شارع عمر المختار وسط مدينة غزة ، حديث الولادة ، وكأن كيغام قد تجهز في الوقت المناسب لتوثيق المأساة.
تابع وصوّر الفلسطينيين اللاجئين من قراهم ومدنهم إلى قطاع غزة
يقول مروان ترزي الذي عاشر المصور كيغام عن قرب وجمع أرشيفه: إن كيغام تابع باهتمام شديد أفواج الفلسطينيين وهي تلجأ من قراها الفلسطينية إلى قطاع غزة، الأمر الذي أعاد إلى ذاكرته المأساة التي عاشها شعبه في السابق، فكان هو الوحيد الذي تحرك لتصوير وتوثيق هجرة الشعب الفلسطيني إلى المخيمات داخل غزة، كما أنه صور اصطفاف اللاجئين في طوابير الطعام.
ويتابع ترزي: إن كيغام قد وثق مراحل التغريبة الفلسطينية كافة من بدايتها إلى نهايتها. بدأ بتصوير المخيمات الفلسطينية منذ كانت خياماً قماشية، حتى تطورت فتحولت الخيمة إلى زينجو وإسبست ثم أسقف اسمنتية ثم إلى عمارات من عدة طوابق، فكل هذه المراحل استطاع كيغام أن يوثقها بالصور ويجمعها في أرشيف كبير خاص به.
وعندما احتل الكيان الصهيوني قطاع غزة عام 1956، لستة أشهر، وثق لحظات انسحاب "الجيش الإسرائيلي" من القطاع آنذاك .
محمد البابا: المصورون في غزة وثقوا حياة اللاجئ الفلسطيني بعد النكبة
احترف الصحفي محمد البابا، التصوير داخل أزقة مخيم رفح، جنوب قطاع غزة، الذي ولد ونشأ فيه، ليكمل مسيرة من سبقه من المصورين وبينهم كيغام.
يقول البابا لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنه انطلق في عالم التصوير عام 1997، خلال تجوله داخل المخيم، مؤكدًا أن الصورة تحمل الروح في التفاصيل التي توثقها.
البابا نقل واقع الحياة الصعبة داخل المخيمات، من خلال الصورة فقط، فهي برأيه تنقل الواقع بشكلٍ حقيقي، لا سيما لتفاصيل قاسية عاشها اللاجئون داخل المخيمات.
وحول أهمية الأرشيف الفلسطيني، الذي بدأ من المصور كيغام، يوضح البابا: أنه في علم التصوير يجب أن يكون هناك متابعة لكل حدث يتم تصويره من وقت لآخر، لتوثيق ما جرى في تلك الحقبة من الزمن.
لذلك فإن المصورين الفلسطينيين عكسوا حياة اللاجئ سواء خلال فترة النكبة أو ما بعدها، من خلال الصور التي صارت تشكل لاحقاً تاريخاً مرئياً لقضية اللاجئين الفلسطينين.
المخيم بتفاصيله يشكل ركيزة لعمل المصور ومصدراً غنياً للبحث
ويشارك المصور الصحفي، شريف سرحان، سابقه، الرأي حول مدى أهمية الصورة في توثيق مجريات وتفاصيل الحياة، يقول لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن جزءاً أساسياً من عمل أي مصور موجود داخل قطاع غزة مرتبط بحياة اللاجئين داخل المخيمات.
يشير سرحان إلى أن قطاع غزة يشمل 8 مخيمات، وهي مخيم الشاطئ، مخيم جباليا، مخيم المغازي، مخيم البريج، مخيم النصيرات، مخيم دير البلح، مخيم خان يونس، مخيم رفح، وأن المخيم بتقسيماته وتركيبته وتفاصيله وعناصره من حيث الشكل والإضاءة والمضمون ركيزة أساسية للمصور ومصدر غني للبحث عن قصة معينة داخل حياة اللاجئين .
يقول سرحان: إن السبب الذي جذبه لتصوير حياة المخيم، هو شكل المخيم العلوي المختلف عن شكل أي مدينة أو أي مخيم من مخيمات العالم، فالمخيمات الفلسطينية بالذات تطورت مع الزمن، فتحولت من خيم إلى بيوت من الصفيح، ثم الإسبست، إلى أن وصلت لمرحلة الباطون.
ويشير إلى أن ضيق أزقة المخيم، التي لا تتسع لمرور أكثر من شخصين، لفتت انتباهه لتصوير الأطفال وهم يلعبون بمرح وسعادة رغم ضيق المساحة، وإن التلاصق بين بيوت المخيمات، وضيق الأزقة، ساعد في اختباء الشبان الفلسطينيين خلال فترة الانتفاضة، والهروب من قوات جيش الاحتلال بعد رجمهم بالحجارة.
تفاصيل حياة اللاجئين تمنحك شعوراً بأن هذا المكان مؤقت وليس دائماً
المصور سند لطيفة يقول لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن الذي دفعه إلى تصوير المخيم هو إيمانه بأهمية تسليط الضوء على قضايا اللاجئين حتى عودتهم إلى ديارهم المحتلة، إضافة إلى أن جو وعمق المخيم يمنحك صورة تتحدث، أطفال يلهون في الأزقة، السكان على باب البيوت مما يعطيك شعوراً أن هذا المكان مؤقت وليس مكانهم الأصلي.
بحسب لطيفة فإن توثيق الأحداث التي تدور داخل المخيمات كافة بالصورة ضرورة حتى تعرّف العالم على المخيم وطبيعة الحياة فيه، ولماذا يوجد مخيم في فلسطين وفي الشتات، وكيف احتل الكيان الصهيوني أرضنا.
يقول سند : أصور وأكتب تعليق على كل صورة وأوضح من في داخل الصورة، ولماذا يقطن اللاجئون داخل المخيم، أحاول أن أسرد بعض تفاصيل معاناة اللاجئ الفلسطيني ، من خلال الصورة وأوضح لماذا سلبت أرضهم الأصلية منهم.
يتمنى هذا المصور الشاب لو أنه عاش في فترة الأربعينيات من القرن الماضي ووثق لجوء الشعب الفلسطيني القسري من قراهم إلى المخيمات.
تُعد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، أهم الشواهد على تفاصيل النكبة التي عاشها الشعب الفلسطيني، وجرائم الاحتلال الصهيوني، وممارساته القمعية من تهجير وتنكيل وتعذيب، بحقهم، إلى جانب أنها تُمثل معلماً لنضال وصمود الشعب الفلسطيني وتمسكه في حقه بالعودة.