بات من المعروف أنّه ومع اقتراب نهاية كل عام تشتد الأزمة المالية لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" التي تقدّم الخدمات لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني موزّعين على مناطق عملياتها في خمسة أقطار، وهذا بسبب ميزانيتها السنوية غير المستقرة.

 وفي كل مرّة يشارف فيها العام على الانتهاء تباشر "أونروا" بإطلاق المناشدات ونداءات الاستغاثة الموجّهة لدول العالم لسرعة سد العجز المالي لديها ولتضمن استمرار خدماتها، وتميل الوكالة على حقوق اللاجئين المسحوقين تارةً من خلال التقليصات، وعلى حقوق قرابة 30 ألف موظفٍ لديها تارةً أخرى.

نتائج مؤتمر المانحين الأخير في بروكسل جاءت مُخيبةً للآمال على المدى المنظور لوكالة "أونروا" إذ لم تستطع الوكالة سوى جمع 38 مليون دولار من أصل 100 مليون عجز تعاني منه لآخر شهرين في هذا العام فقط، أي لشهري تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر، وعلى المدى البعيد تنظر "أونروا" لهذا المؤتمر بإيجابيّة محفوفة بالحذر، إذ حصلت على تعهدات مالية من عامين إلى خمسة أعوامٍ مقبلة بقيمة 614 مليون دولار، ما يطرح تساؤلاً محقاً في هذا الإطار، إلى متى ستبقى "أونروا" وميزانيتها وكل الخدمات المقدّمة للاجئين رهينة للتبرعات المتذبذبة وغير الملزمة للعديد من الدول في إطار الهجمة المسعورة على القضية الأساس وهي قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، وما هي الوسائل أو الخيارات المتاحة للتغلّب على كل هذه الأزمات المتلاحقّة وخاصّة سياسة الابتزاز المالي.

خيارات للقضاء على الأزمة المالية

وحول الخيارات المطروحة أيضاً لإنهاء الأزمات المالية المتلاحقة، كشف رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينيّة د.أحمد أبو هولي، أنّ يومي التاسع والعشرين والثلاثين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري سيشهدان اجتماعاً طارئاً للجنة الاستشاريّة لوكالة "أونروا" بوجود الدول المانحة لمناقشة نتائج المؤتمر الدولي للمانحين، كما سيتم دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بشكلٍ رسمي ليدرس إمكانية أن تأخذ وكالة "أونروا" أسوةً بباقي مؤسّسات الأمم المتحدة موازنة خاصّة من الأمم المتحدة كي لا تبقى رهينة للتبرّعات الطوعية، والتوجّه الثالث هو التأكيد على أنّ المطلوب من وكالة "أونروا" نفسها توسيع قاعدة المانحين على قاعدة أنّ هذا دورها وأسوةً بالحملة التي قام بها المفوّض العام السابق بيير كرينبول عندما أعلن عن حملة "الكرامة لا تقدّر بثمن" وتوجّه في كل الاتجاهات من القطاع الخاص والدول والحكومات والشركات وجمع في حينه 450 مليون دولار.

ويضيف أبو هولي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: يجب التأكيد على الشراكة الحقيقيّة في دراسة الاستراتيجيات الحقيقيّة بين مجتمع اللاجئين وإدارة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير من جهة ووكالة "أونروا" وبعض القطاعات الخاصّة من جهة أخرى، ويجب أن يتجه الجهد السياسي والدبلوماسي إلى دول الخليج، أي إذا تدخّلت الدول الخليجيّة في هذا المؤتمر وقدّمت لمؤتمر المانحين فقط ما كانت تقدّمه سابقاً كانت ستُحل الأزمة المالية.

اعتراف ضمني بتجديد التفويض لـ "أونروا"

وحول مؤتمر بروكسل، لفت أبو هولي إلى أنّ المؤتمر كان إيجابياً بالبعد السياسي في دعم وكالة "أونروا"، والأهم أنّه جرى اقتراح موازنة متعددة السنوات كي لا نبقى رهينة لإدارة أزمة مالية لكل عام على حدة، وسيقوم الاتحاد الأوروبي بتوقيع اتفاقيّة متعددة السنوات لعام 2024 وهذا اعتراف ضمني بتجديد التفويض لوكالة "أونروا".

وعبّر أبو هولي عن أمله بأن يقوم المفوّض العام فيليب لازاريني بتدوير الموازنة والبحث عن قرض مالي من هنا أو هناك، مشيراً إلى أنه كرئيس لدائرة اللاجئين يتابع الأمر بشكلٍ شخصي مع إدارة الوكالة ، وستُناقش كل هذه الأمور خلال اجتماع نهاية هذا الشهر.

خلل بنيوي لدى "أونروا" نفسها

مسؤول الإعلام في مركز "بديل" المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين أحمد اللحام يقول: إنّ سبّب عدم تلبيّة الدول المانحة لتغطية العجز المالي الذي تُعاني منه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" يأتي كنتيجةٍ لخلل بنيوي لدى "أونروا" نفسها منذ نشأتها، وهذا الخلل يتمثّل في أنّ ميزانية "أونروا" تعتمد على تبرعات طوعية من الدول وليس كجزء من ميزانية الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمعنى أنّه لو أرادت الولايات المتحدة تمويل "أونروا" ستمولها ولكن لا يوجد ما يُلزم الولايات المتحدة أو أي دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالتبرّع أو بتمويل وكالة "أونروا".

ويلفت اللحام إلى أنّ "أونروا" لهذا السبب كانت وما زالت عرضة للابتزاز السياسي، أو أنّ طوعية التبرّعات جعل الدول تقرّر دعمها من عدمه للوكالة وفقاً لبرامجها ورؤاها السياسيّة للصراع، وهذا خطير وجعل "أونروا" دائماً في وضعٍ هش ومن سيء إلى أسوأ، مُشيراً إلى أنّ نتائج مؤتمر المانحين في بروكسل لم تكن مفاجئة بالنسبة لنا، بل كانت أكثر من متوقّعة لأنّه بالأساس هناك خلل بنيوي جسيم في بنية "أونروا" نفسها، مُؤكداً أنّ الحل الوحيد أو المطلوب لحل هذه المشكلة جذرياً هو إصلاح هذا الخليل وجعل ميزانية "أونروا" جزء من ميزانية الأمم المتحدة أسوةً بباقي المنظّمات الدوليّة.

  التوجه إلى الأمم التحدة خيار أمثل

يضيف اللحام: أنّ الرؤى والمشاريع البديلة التي يتم طرحها على شاكلة جعل الدول العربيّة تتكفّل في ميزانية "أونروا"، أو تحويل الأموال للسلطة الفلسطينيّة أو الدول المضيفة وهي من تصرف الأموال للاجئين هذا كله مرفوض لأنّها حلول مجتزئة وبعيدة كل البعد عن الحل الجذري، ولذلك نرى أنّ أزمة "أونروا" تتفاقم وتنعكس على اللاجئين ووضعهم المعيشي بشكلٍ مباشر، وكل قطاعات "أونروا" تعاني من نقصٍ حاد في التمويل وفي كافة مناطق عملياتها الخمس، مُؤكداً على ضرورة رفض كل الحلول المجتزئة.

ويُشير اللحام إلى أنّ مسؤولية التوجّه إلى الأمم المتحدة لطرح الحل الجذري للمشكلة التمويلية ليس مسؤوليّة "أونروا" فقط، بل المسؤولية تقع أيضاً على عاتق المجتمع الدولي ومنظمة التحرير الفلسطينيّة التي يجب أن تضع قضية "أونروا" واللاجئين على سلّم أولوياتها، وهذا في ظل الابتزاز السياسي الذي تتعرّض له "أونروا" وخاصّة بعد توقيع اتفاق "الإطار" مع الولايات المتحدة التي تنسجم مع الرؤية الصهيونيّة للصراع، إذ تقوم "أونروا" بعمليات فحص وتدقيق أمني لموظفيها وللمنتفين من خدماتها أي اللاجئين، أي يهدف هذا الاتفاق لتحويل "أونروا" إلى ذراعٍ أمني لدى الاحتلال وهذا خطير جداً، بحسب وصفه.

يُشار إلى أنّ هذه الأزمة المالية تتزامن مع نزاع عمل قائم بين إدارة وكالة "أونروا" وكافة اتحادات الموظفين لديها، إذ تطالب الاتحادات إدارة "أونروا" بإعطاء كامل الحقوق للموظفين، فيما هدّدت الاتحادات بالدخول في إضرابٍ مفتوحٍ وشاملٍ عن العمل خلال الأيّام القليلة القادمة، أي ستشهد الفترة القادمة توتراً في مناطق عمليات "أونروا" في ظل الحديث عن احتماليّة تأخّر صرف رواتب موظفي "أونروا" وتأثّر بعض خدمات اللاجئين جرّاء الأزمة القائمة.

تصعيد مرتقب.. خذلوا اللاجئينّ!

في هذا الإطار، شدّد القيادي أحمد المدلّل مسؤول ملف اللاجئين في حركة الجهاد الإسلامي، على أنّ الفصائل الفلسطينيّة وكافة القوى لن تصمت أمام تجويع اللاجئين الفلسطينيين أو تأثّر الخدمات المقدّمة لهم، مُؤكداً أنّ المانحين في المؤتمر الأخير لم يراعوا النمو الكبير للاجئين ولم يأخذوا الأزمة الماليّة التي تُعاني منها "أونروا" على محمل الجد، وحقيقةً خذلوا اللاجئين الفلسطينيين.

ويرى المدلل أنّ عدم التعامل بجديّة تجاه تغطية العجز المالي نتيجة الضغط الصهيو-أمريكي على الدول المانحة سينعكس سلباً بكل تأكيد على اللاجئين الفلسطينيين، وسيكون هناك خلط للأوراق في المنطقة واضطرابات اجتماعيّة، وهذا سيؤثّر سلباً على الدول المضيفة للاجئين، بحسب قوله.

وكشف المدلّل أنّ الفترة القادمة ستشهد سلسلة من الفعاليات المطلبيّة الدائمة ضمن برنامج واضح للضغط على المجتمع الدولي من قِبل جميع الفصائل واللجان الشعبيّة للاجئين واللجان المشتركة المعنية باللاجئين من أجل إيصال رسالة واضحة "بأنّنا لن نترك اللاجئين يجوعون في الشوارع وعرضة للابتزاز المالي".

أحمد حسين- صحفي فلسطيني

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد