"معاً لوقف بيع الدخّان للأطفال، أطفالنا أمانة في أعناقنا"
هذا شعار مبادرة صحيّة انطلقت في مُخيّم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين بالقرب من بيت لحم، وذلك للقضاء على ظاهرة التدخين بين أطفال المُخيّم أو للحد منها على الأقل.
ونظّم متطوّعون في المبادرة التي أطلقتها اللجنة الصحيّة التابعة للجنة الشعبيّة في المُخيّم عدداً من الجولات المطوّلة على أصحاب المحلات وأكشاك بيع السجائر في المُخيّم، حيث تم الحديث معهم عن الحملة وأهميتها للمُحافظة على صحّة أطفال المُخيّم.
انتشار لظاهرة التدخين بين طلاب المدارس
يقول مسؤول المبادرة محمد بشير لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ مبادرة وقف بيع السجائر للأطفال تحت سن (18 عاماً) في المُخيّم جاءت لعدّة أسبابٍ منها: انتشار ظاهرة التدخين بشكلٍ كبيرٍ جداً بين أطفال المدارس في مُخيّم الدهيشة، وأيضاً من منطلق الواجب الوطني، وحرصاً على أطفالنا من الضياع والإسقاط في المشاكل التي يخلقها الاحتلال بشكلٍ متعمّد لتدمير أطفال المُخيّمات من خلالها مثل الإدمان على التدخين والمخدرات، وأيضاً جاءت بعد أن شاهدنا طلاب المدارس يصطفّون بالعشرات على باب أحد الأكشاك على مدخل المُخيّم صباحاً لشراء السجائر، فكان لزاماً علينا أن نتدخّل ونضع حداً لهذه الظاهرة السيئة والمسيئة لسمعة المُخيّم وأطفاله.
ويشير بشير إلى أنّ مُخيّم الدهيشة من مُخيّمات الضفة التي تندلع فيها مواجهات مع قوات الاحتلال بشكلٍ يومي، ويومياً يتم اقتحام المُخيّم وهناك حالة نضاليّة مُستمرة، لذلك يحاول الاحتلال التأثير على عقول الشباب والأطفال والمدخل الأوّل له هو من خلال ترويج السجائر بأنواعها لحرف بوصلتهم في أشياء ثانويّة، ورغم استخفاف البعض بهذه المبادرة في بداياتها إلّا أنّ الجميع اقتنع بأهمية ما نقوم به وانعكاسه على صحّة وسلامة أطفال المُخيّم.
استجابة كبيرة
يضيف بشير أن المبادرة استطاعت أخذ تعهد من جميع الأكشاك والمحلات في مُخيّم الدهيشة بعدم بيع السجائر للأطفال، ما أحدث انخفاضاً في عدد الأطفال الذين يذهبون لشراء هذه السجائر، مُشيراً إلى أنّ المرحلة الأولى من المبادرة تخلّلها توزيع بوسترات وتنظيم جولات داخل الأحياء والشوارع في المُخيّم وتخلّلها زيارات للمحلات التجاريّة التي تبيع السجائر، وجرى الحديث عن خطورة هذا الأمر تجاه الأطفال من ناحية صحيّة أولاً، ومجتمعيّة ووطنيّة ثانياً.
يتحدث بشير عن أهمية المبادرة أيضاً من باب معالجة بعض لمظاهر السلوكية لدى الأطفال الذين لوحظ أنهم يلجؤون إلى السرقة في حال لم يجدوا أموالاً لشراء هذه السجائر "العاديّة والإلكترونيّة"، ويشيد بالتجاوب من قبل أصحاب المحلات التجاريّة بشكلٍ إيجابي، فيما كان هناك تنسيق مع وزارة الأوقاف لتكون الخطب في أيّام الجمعة تتحدّث عن خطورة وأضرار ظاهرة التدخين بالنسبة لسن الأطفال، ومع العديد من الجهات التي تكاتفت معنا لإنجاح هذه المبادرة.
المرحلة الثانية خلال أيّام
المبادرة بصدد إطلاق المرحلة الثانية من هذه الحملة الصحيّة خلال الأيّام القليلة القادمة، حيث سيتم تنظيم سلسلة من اللقاءات مع الأهالي في مُخيّم الدهيشة من خلال تجمّعات للحديث معهم حول كيفيّة متابعة أطفالهم من كلا الجنسين الأولاد والبنات ومراقبتهم، والجانب الآخر هو الحديث حول كيفيّة تعامل الأهالي مع أطفالهم في حال اكتشفوا أنّهم يدخنون السجائر، وهذه اللقاءات تأتي لأنّ غالبيّة الأهالي يلجؤون إلى استخدام العنف مع طفلهم فور علمهم بأنّه مدخّن، بحسب بشير ما يجعله أكثر عناداً ولا يستجيب لأي نصيحةٍ كانت.
الجانب النفسي والتوعوي بديلاً عن العنف
وحول الجانب النفسي، يُبيّن بشير أنّه جرى التنسيق مع مجموعة من الأخصائيين الذي تطوّعوا في الحملة، وجزء منهم يعمل في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في بيت لحم، ومنهم من الإغاثة الطبيّة ومن حركة المبادرة الوطنيّة، وسيجرون أربعة لقاءات، منها سيكون في داخل مُخيّم الدهيشة، ومنها خارجه بالتنسيق مع لجنة أولياء أمور المدارس في منطقة الدهيشة.
ويوضّح بشير، أنّ المبادرة كانت بذرة وجرى تعميمها لأهميّتها على كافة مناطق بيت لحم وعدّة مناطق بالضفة، يُتابع: نتمنى أيضاً أن تعمّم هذه الفكرة على كل المُخيّمات الفلسطينيّة، وندعو أولياء الأمور المدخّنين بألّا يدخّنوا أمام أطفالهم، ولا يرسلوا أطفالهم لشراء السجائر لهم، فهذه أيضاً خطوّة مهمّة على طريق تحقيق الهدف المطلوب من هذه المبادرة، لأنّه وبكل صراحة لولا الجهود الجماعيّة والمشتركة لما نجحت هذه الحملة.
ضرورة الوعي المجتمعي
وللتركيز أكثر على كيفيّة تعامل الأهالي مع أطفالهم لمُكافحة التدخين بعيداً عن الضرب والعنف، يركّز الأخصائي الاجتماعي في المركز المجتمعي للتدريب والتنمية رائد عميرة على هذا الأمر، إذ أكَّد أنّ العمل على إنهاء ظاهرة تدخين الأطفال يأتي من خلال عدّة مبادرات مثل مبادرة مُخيّم الدهيشة عن طريق مجموعة إجراءات تُتبَع مع المدارس والأهالي، لكنّ القضية الأهم للحل هي الوصول لحالة وعي داخل المجتمع تجاه هذه الظاهرة، وعدم اللجوء إطلاقاً للعنف من قِبل الأهالي سواء العنف اللفظي أو العنف الجسدي.
ويُضيف عميرة: هدف المبادرة هو توعية الأهل والمجتمع من خلال مراقبة ومتابعة الأطفال قدر المستطاع، وتوعيتهم بمُخاطر العنف في ذات الوقت على الأطفال، لأنّ اللجوء للعنف ينعكس على الطفل من خلال حالة نفسيّة أو سلوكيّة أو عدوانيّة، ونؤكّد أنّ العنف لن يقضى على ظاهرة التدخين لدى الأطفال، بل سيُساهم في خلق حالة من العناد أو "المجاكرة" لدى الطفل، ولكن بالحوار والصداقة والاحتضان يتحقّق كل شيء ويلجأ حينها الطفل لمُصارحة أهله بكل ما لديه من مشكلات أو عادات سيّئة من أجل البحث بشكلٍ مشترك عن حلٍ لمشكلته مهما كانت، وليس في موضوع التدخين فقط.
ويُؤكّد عميرة أهمية المبادرة الصحيّة في مُخيّم الدهيشة خاصّة مع التزايد الملحوظ في أعداد المدخنين في أوساط طلاب المدارس سواء أثناء الدوام أو خارجه، وهذه الظاهرة خطيرة جداً لأنّنا جميعاً نعلم ما هي مخاطر التدخين على الأطفال.
ويؤكد أن الوعي هو الأساس، والحد من بيع السجائر في الأكشاك والمحلات هو أساس أيضاً، وعلى المدارس أيضاً تشديد المراقبة من طرفها حتى تساهم في إنهاء هذه الظاهرة أو الحد منها قدر المستطاع.
يُشار إلى أنّ القانون الفلسطيني لمكافحة التدخين رقم (25) لسنة 2005، شدّد على حظر التدخين في ساحات المدارس ورياض الأطفال، كما ويمنع بيع أو توزيع أو عرض أو الإعلان عن التبغ للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن (18) سنة ويحظر استيراد أو بيع أو صنع مقلدات التبغ بما فيها أصناف الحلويات ولعب الأطفال التي تصنع على أي شكل من أشكال التبغ.
وبشأن العقوبات بموجب هذا القانون، فإنّ كل من يُخالف أحكام المواد يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن مائتي دينار ولا تزيد على ألف دينار أو بما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً أو بإحدى هاتين العقوبتين كما يجب الحكم بمصادرة التبغ وماكينات بيعه ويجوز أن يشمل الحكم إغلاق المصنع أو المتجر الذي ضبطت فيه الجريمة.