صدر عن "مركز دراسات الوحدة العربيّة" مؤخّراً كتاب " الاستعمار البريطاني والثورة العربيّة الكبرى في فلسطين 1936_ 1939" من تأليف أستاذ كرسي التاريخ العسكري في جامعة "برونيل" ماثيو هيوز، وترجمه عن اللغة الانجليزيّة المترجم و الأسير الفلسطيني المحرر مصعب بشير.
ويقدّم الكتاب سرداً تاريخيّا عسكريّاً كاملاً في 622 صفحة، لوقائع قمع بريطانيا للثورة العربية في فلسطين، "يبين فيها الكاتب ماثيو هيوز كيف أخمد الجيش البريطاني بفعالية مدمرة ذلك التمرد على الإستعمار، إذ إستند الجيش البريطاني إلى تقاليد قديمة حافلة بالقمع لتدعيم عملياته، واستفاد من فرض حكومة الإنتداب لحالة الطوارئ في فلسطين."
كتاب استند إلى وثائق افرج عنها حديثاً تدين بريطانيا
وحول أهميّة الكتاب، يشير المترجم معصب بشير إلى أنّ الكتاب ليس مجرّد كتاباَ سردياً للوقائع فحسب، رغم أنّه يندرج ضمن فئة التاريخ العسكري.
وقال بشير في حدث لـ " بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّ الكتاب "يستعرض الأسلوب الذي اتبعته المؤسسة الإستعمارية البريطانية للقضاء على ثورة 1936 في فلسطين، وضع فيه المؤلف ماثيو هيوز، وهو قاضي ومؤرخ متخصص في التاريخ العسكري عصارة ذهنه وخلاصة عمله البحثي، فجاء كتابه أشبه بقرار حكم صدر بعد التوثق من القرائن والأدلة واستخلاص براهين غير قابلة للدحض، ولا حتى الإستئناف، والحكم هنا يدين بريطانيا."
استند الكاتب وفق بشير، إلى محفوظات (أرشيفات) الوحدات العسكرية البريطانية التي قاتلت في فلسطين، على اعتبار أن التوثيق سمة ملازمة لكافة الهيئات المدنية والتشكيلات العسكرية البريطانية.
وتزخر صفحات الكتاب، بالكثير من الأدلة والإستشهادات والإقتباسات لتدعيم كل نقطة وردت فيه بحسب المترجم، الذي أضاف أنّ "الكاتب نقب في محفوظات أذرع الحركة الصهيونية التي عملت في فلسطين التي استخدمها الاستعمار البريطاني للقضاء على ثورة الشعب الفلسطيني."
كما يضم الكتاب دلائل ووثائق تاريخية ترى النور لأول مرة، تبين كيف نظم وعبأ ودرب وسلح البريطانيون الصهاينة، وكيف كسروا شوكة الشعب الفلسطيني. كان ذلك تمهيدا ميدانياً لحدوث نكبة عام 1984.
كتاب يسلط الضوء على اشكاليات المجتمع الفلسطيني حينذاك
وبحسب مترجم الكتاب مصعب بشير، فإنّ الكاتب بيّن بالدلائل والوثائق، "كيف جندت بريطانيا الخونة من الفلسطينيين وكيف فتّ هؤلاء في عضد الثورة، وكيف أنهم ما كانوا ليؤثروا فيها لولا الإشكاليات التي شهدها المجتمع الفلسطيني ولا يزال."
و تتجلى قوة الكتاب، بحسب بشير، في عرض تفاصيل السياقات وتشابكاتها، "كما أنها تبيّن من زاوية أخرى حقيقة مرة يجب على الشعب الفلسطيني أن يعيها جيدا، ألا وهي أن المنظومة الإجتماعية العشائرية التي تحكم الشعب الفلسطيني كانت وبالاً على الثورة."
ويبيّن الكتاب " كيف خان النشاشيبيون وفصائل السلام بقيادة فخري عبد الهادي شعبهم وثورته، و ما فعلته الطبقة الإقطاعية المهيمنة بالشعب الفلسطيني" ومن ضمنهم قادة كبار من تلك الطبقة كأمين الحسيني.
ويعزز كتاب حقيقة نهج التطهير العرقي الذي اعتمدته الحركة الصهيونية في فلسطين، الذي بدأ يتبلور ف أواخر ثورة 1936، نظراً لما يتسم به من دقّة وموضوعيّة، رغم أن ذلك ليست محور الكتاب الذي أراد أن يعرض حركة الثورة في سياقها الإستعماري، والإقتصادي الإجتماعي، والسياسي. بحسب المترجم بشير.
كتاب متعدد المراجع
و يحسب للكاتب، بحسب بشير، أنه لم يكن مركزيا- أوروبيا في طرحه، فقد إعتمد أيضا على كافة المراجع الموثوقة التي وضعها كتاب وكاتبات فلسطينيات، وعرب.، وتطرق لكل المراحل الهامة لا سيما مرحلة عز الدين القسام، وهو ما يجعل المرء يقول بكل ثقة أنه أمام دراسة موضوعية.
كما يقيم الكاتب، مقارنات خلاقة بين تمرد 1936 ضد الإستعمار البريطاني وتمردات أخرى على الإستعمار في كينيا والجزائر والصين وبلدان أخرى، "وهي مقارنات مهمة يجب أن تعيها القوى الفاعلة وجيل الشبيبة والناشئة لنفهم جيدا سبب الإخفاقات المتكررة ونعرف لماذا لم نتخلص من الإستعمار الصهيوني بعد، فما حدث في ثورة 1936 لا يزال يكرر نفسه حتى الآن بأشكال لا تقل قماءة" حسبما أضاف مترجم الكتاب في حديثه لموقعنا.