لا يخفى على أحد أن المخيمات الفلسطينية في لبنان تعيش أوضاعاً مأساوية تزداد صعوبة مع كل زخة مطر تتساقط على منازلهان إلا أن موسم الأمطار لم يكن عادياً هذا العام، بعد أن حلت المنخفضات الجوية ضيفاً ثقيلاً على منازل اللاجئين الفلسطينيين في مختلف المناطق اللبنانية، لتضاعف الأزمات المتفاقمة بما يخص البنى التحتية المهترئة وانعدام وسائل التدفئة.
السيدة أم علي وعائلتها مثال عن آلاف من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون مشاهد درامية قاسية من جراء تهالك البنى التحتية وانعدام مقومات الحياة الكريمة.
المعاناة لدى أم علي مضاعفة، فالخطر يحدق بها من كل صوب وسط برد قارس بسبب انعدام وسائل التدفئة وغلائها، حيث إمكانية تساقط أسقف "الزينكو" عليها أو غرق منزلها بفعل اشتداد العاصفة وطوفان مياه البحر على ممتلكاتها يهددها في كل لحظة، فهي تعيش في تجمع جل البحر للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان، أحد أصعب التجمعات الفلسطينية معيشة.
ننام خائفين من ألا نستيقظ مجدداً
"ننام في زاوية واحدة لأن المياه تتساقط علينا"، تقول أم علي لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين مؤكدة أن نصف سكان جل البحر يعيشون هكذا ولا يوجد من يساعدهم.
وتضيف: "من أول الشتاء لا تدفئة ولا كهرباء ولا سجاد ولا أحد يسمع صوتنا، موج البحر عال جداً وننام ونخاف أن لا نستيقظ مجدداً من جراء ارتفاعه علينا.
وتتابع لا أحد يساعدنا لتوصيل أولادنا إلى المدارس في ظل هذه العاصفة والغلاء الفاحش حالياً، لا مساعدات على صعيد الثياب والجاكيتات والدولار مرتفع ولا نقدر أن نشتري شيئاً من مستلزمات كسوة الشتاء، نحن نعجز عن شراء جوارب لأطفالنا.
البنية التحتية متهتكة جداً في هذا التجمع والمصارف الصحية تطوف على الأهالي والبيوت من الداخل تملؤها مياه الشتاء وحاول أهالي التجمع كثيراً أن يوصلوا أصواتهم إلى اللجان والمؤسسات المعنية لكن لم يستجب لهم أحد بحسب أم علي.
غاز باهظ الثمن وكهرباء مقطوعة وحطب نادر الوجود
المشهد الدرامي أخف وطأة في حي التنك أو (السكة) للاجئين الفلسطينيين القريب من مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا. اللاجئ الفلسطيني ناصر حمادة، أحد سكان الحي يعتبر أن مشكلتهم تقتصر على انعدام وسائل التدفئة وعدم القدرة على شرائها من قبل سكان الحي الذي يعيشون فيه حالة فقر وبطالة شديدة، لكن لا يخلو الأمر من بعض الأضرار المادية جراء تطاير ألواح "الزينكو" أو خشب الأسقف.
يشهد هذا التجمع الفلسطيني نقصاً شبه كامل في وسائل التدفئة وأغلب اللاجئين لا يعتمدون على الحطب أو المازوت بل على المدفئات الكهربائية التي لا تعمل بسبب انقطاع الكهرباء لساعات طويلة.
يقول حمادة: الناس تعتمد على الحطب عبر تأمينه من البساتين المجاورة ولأن المازوت غال فكل الناس تبحث عن الحطب لذا الكمية التي كنا نؤمنها كل عام غير متوفرة هذا الموسم، من يجد غصناً أو جذع شجرة يحمله إلى بيته وهكذا الناس تؤمن نفسها، وأحياناً يتعذر تأمين حطب من البساتين والمناجر، فنضطر إلى شرائه إلا أنه يبقى صعباً أيضاً فسعر كيس الحطب يصل لـ 25 ألف ليرة تقريباً، وأحوال الناس لا تسمح بشرائه يومياً.
في السنين الماضية كان اللاجئون الفلسطينيون يعتمدون على مدافئ الغاز، ويقضون الشتاء باستخدام 4 أو 5 قوارير غاز إلا أن تجاوز سعر القارورة هذا العام 300 ألف ليرة لبنانية جعل الأمر صعباً على اللاجئين الذين اتجهوا إلى الحطب.
أطفال وكبار يتجمدون في درجات حرارة متدنية وأسقف لا تقي من مياه الثلج والمطر
7 تحت الصفر درجة الحرارة في مخيم الجليل للاجئين الفلسطينيين في مدينة بعلبك خلال العاصفة الأخيرة التي ضربت لبنان، وفي الأيام المشمسة ترتفع الحرارة إلى درجة أو درجتين بالكثير، بالتالي فإن البرد القارس يستمر طيلة شهور الشتاء التي تمتد إلى 4 أشهر أحياناً، وهذا ينعكس بشكل كبير على مختلف نواحي الحياة خاصة الأعمال التي تتوقف بشكل كلي، ما يزيد من معدلات البطالة المرتفعة أصلاً.
يقول سامر عيسى الناشط في المخيم: "لا يوجد حطب فهو أغلى من المازوت، ولو احرقتي الحرامات ببنزين لا نشعر بالدفء فدرجة الحرارة ٧ تحت الصفر".
ويشتكي عيسى مما أسماه "محسوبيات" تمارسها وكالة "أونروا" في إغاثة اللاجئين الفلسطينيين بالمخيم خلال فصل الشتاء، مشيراً إلى أنها قدمت 150 دولاراً أمريكياً كبدل مازوت لكل عائلة مسجلة لديها ضمن برنامج قضايا في قسم الشؤون الاجتماعية، وهذا البرنامج بالأصل هو لإعطاء من يستحق المساعدة، لكن تعمل الوكالة على تسجيل من تريده هي وموظفوها يحددون من الفقير ومن الغني، لكن في الواقع غالبية أهالي المخيم فقراء ويستحقون المساعدة من هذا البرنامج، بحسسب وصفه.
وفي لمحة عامة عن ظروف الناس في مخيم الجليل خلال فصل الشتاء، يصف عيسى "الأوضاع بالمأساوية والأطفال تتجمد من البرد حالها كحال الكبار، أسقف المنازل حالها وسط أو متردي، هناك أسقف كثيرة تدلف مياه الثلج والمطر على سكان البيوت، الناس مضطرة لأن تتحمل، فالأونروا لا تكترث بهم، ولا جمعيات تهتم لشؤونهم"
الخطير في الأمر أنه في ظل حائجة كورونا التي تستعيد الففشى في لبنان: وارتفاع أعداد المصابين بشكل كبير، ينعدم توفير بيئة صحية سليمة في مخيم الجليل وسواه من المخيمات الفلسطينية، في ظل غياب التدفئة عن المخيمات، إضافة لفقدان الأدوية وغلاء أسعارها حال توفرت.
وبرزت دعوات لنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بتوخي الحذر خلال المرور في أزقة المخيّمات، لا سيما مخيم برج البراجنة في العاصمة اللبنانية بيروت، نظراً لتساقط الأحجار من أحد المنازل الآيلة للسقوط، جرّاء العاصفة " هبة" التي ضربت لبنان منذ فجر الأربعاء الماضي.
ورغم الاتهامات الكبيرة من قبل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لوكالة "أونروا" بالتقصير والتقاعس عن أداء واجباتها الاجتماعية والصحية تجاه اللاجئين، إلا أن الوكالة أطلقت نداءً عاجلاً حول اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، خلال مؤتمر عقد في مقر لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا" في العاصمة اللبنانية بيروت، بحضور السفير الفلسطيني أشرف دبور.
ودعا دبور إلى تكثيف الجهود لحشد الموارد المالية لتواصل "أونروا" القيام بواجباتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين الموجودين على الأراضي اللبنانية لخصوصيتها، مشيرًا إلى أن الوكالة هي الشريان الحيوي بالنسبة لهم، والتقليصات التي أقرتها ستجلب على حياتهم نتائج سلبية وستزيد من صعوبتها وتعقيدها.
وقدم عدد من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان عرضًا لأبرز المشاكل والتحديات التي يواجهونها في حياتهم اليومية، وعدم قدرتهم على توفير أدنى الاحتياجات المطلوبة بسبب الأوضاع الاقتصادية والظروف التي يمر بها لبنان.
وأكدوا ضرورة استمرار عمل وكالة "أونروا" وتأمين التمويل لها لتتمكن من القيام بمسؤولياتها وواجباتها تجاه اللاجئين وتوفير حياة كريمة لهم لحين عودتهم الى أرض وطنهم فلسطين.