ماتزال تفاعلات "مجزرة الإعدام المهني الجماعي للصحفيين" بحسب تعبير الصحفيّة الفلسطينية مرام سالم و التي كانت إحدى ضحاياها، متواصلة، بعد أن أقدمت مؤسسة " دوتشه فيليه" على فصلها وأربعة صحفيين فلسطينيين وعرب آخرين، من عملهم في مكاتبها، بقرار رسمي تبلّغوا به يوم 7 شباط/ فبراير الجاري، و بعد أن قررت معايير القناة أنّهم "معادون للساميّة".
الصحفي اللبناني باسل العريضي، أحد من طالهم قرار الفصل، وضع الأمر في إطار استهداف عام لعدد كبير من الصحفيين العرب، و كشف لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أنّ 8 صحفيين آخرين تضعهم "دوتشه فيليه" على لائحة التقييم وربما الفصل، تحت ذات التهمة.
نحن كناطقين باللغة العربية شعوب سامية
وانتقد العريضي، الخلط الألماني وفي الغرب عموماً بين تهمة "معاداة الساميّة" و "العداء لإسرائيل" مؤكداً بطلان هذا الخلط وتلك التهمة لكوننا "نحن كعرب ومسلمين وناطقين باللغة العربيّة، شعوب سامية ولغتنا العربية من أبرز اللغات السامية" وبالتالي فإنّ اتهامنا بهذه التهمة، باطلة وغير واقعية وغير منطقية، حسبما أضاف.
قرارات فصل جماعيّة، جاءت وربما تُستكمل، بعد حملة تحقيق واسعة، بدأتها إدارة القناة بإشراف مديرها "بيتر ليمبورغ" منذ كانون الأول/ ديسمبر 2021 الفائت، للتدقيق في محتوى المواقع والمنصات والشبكات الإعلامية التابعة أو المموّلة من القسم العربي الخاص بها، لتضمن خلوّها من أي محتوى أو شخص، تراه المؤسسة أنّه "معادٍ للساميّة".
"دويتشه فيليه" نهت موظفيها عن الخوض في جرائم الاحتلال خلال العدوان على غزة بسبب شعور الذنب الألماني إزاء "المحرقة!
وهنا لابد من الإشارة إلى وثيقة داخليّة سُرّبت إبان عدوان أيّار/مايو 2021 الفائت على قطاع غزّة و هدفت إلى نهي صحافييها عن الخوض في الحدث الفلسطيني، وأكّدت فيها على أنّ "إرث المحرقة ومسؤولية ألمانيا الخاصة تجاه إسرائيل لا يزالان حجر الزاوية في دستور البلاد وسياستها الخارجية". وكذلك ما أردفته من إشارة مشددة إلى أنّها "لا تشير أبدًا إلى نظام الفصل العنصري في إسرائيل، وتجنبها الإشارة إلى الاستعمار أو المستعمرين."
ليبدو أنّ ذهنية التحقيق، قد انطلقت من محددات، من الثابت أنها نتاج سياقات ألمانيّة خالصة، واستعملت في تطبيقها طرقاً ومنهجيات، من ذات تلك السياقات المتعلقة باضطهاد المانيا النازيّة لليهود، ولم يكن للفلسطينيين والعرب شأن في ذلك بطبيعة الحال.
هل تؤسس "دوتشه فيليه" لـ "غيستابو إعلامي"؟
انتقادات كثيرة، طالت إجراءات "دوتشه فيليه" بحق الصحفيين، ليرى مراقبون أنّها تسترشد بتقاليد جهاز الشرطة السريّة "الغيستابو" لألمانيا النازية، أحد أبرز أدوات قمعها الذي استعمل ضد اليهود حينذاك، وبمعايير اتهاميّة قائمة على التعسّف، لتأسيس ما يرادفه في حقلها الإعلامي المعاصر، ما يبرز نكوصاً حاداً تجاه ماضٍ ألماني، يتناقض مع حاضرها "القائم على قيم الديمقراطية وتقديس الحريّات".
الصحفية الفلسطينية مرام سالم، تؤكد أنّ ما قامت به "دوتشه فيليه" انتهك حرية التعبير وكل الحريات الصحفية، بشكل يذكرها بإجراءات الدول الاستبدادية.
وفي حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" قالت سالم: إنّ الإجراءات بدأت بتحقيق أوّلي، تضمّن تفتيشاً دقيقاً وعميقاً بحسابات الموظفين على "فيسبوك وتويتر" ومنشوراتهم القديمة وماضيهم. وتضمّن مقابلة عبر مكالمة "فيديو" بأسئلة تركزت حول مضمون بعض المنشورات، وبناء عليه أخبروهم بأنهم موقوفون عن العمل، وأعطوهم موعداً لتحقيق خارجي. حسبما أضافت.
مجريات التحقيق تثير مخاوف صحفيين من أن يشكل سلوك (DW) نموذجاً يستهوي المؤسسات الإعلامية الدولية ذات الأقسام العربيّة
ولفتت الصحفية سالم التي تقيم في ألمانيا، إلى أنّ التحقيق الثاني، هدف إلى الغوص بكونها فلسطينية، وتركزت الاسئلة عن هويتها بشكل صريح. ووصفت الإجراء ضدها وزملائها بـ " الإعدام المهني للصحفيين الفلسطينيين والعرب في المانيا" قامت به لجنة غير موضوعية.
وتبرر مجريات التحقيق، مخاوف طيف واسع من الصحفيين الفلسطينيين والعرب، من أن يشكّل "غيستابو دوتشه فيليه الإعلامي" نموذجاً يستهوي كافة المؤسسات العالمية ذات الأقسام العربيّة، وربما بعض المؤسسات العربية في عصر التطبيع. جهاز خفي ومعلن بذات الوقت، من الممكن أن يتبلور بملامح كاملة التشكّل، يلاحق كل من لا يرى في التجلّي الإستعماري "إسرائيل" وريثاً لليهود ضحايا النازيّة، ويمثّل ردّة عن أساسيات الحقوق والحريّات.
وهو ما تحاول "دوتشه فيليه" تكريسه وما ظهر في وثيقتها المسرّبة المشار إليها أعلاه، لتخدم في النهاية مسعاها في تقديم خدماتها لضحايا الأمس، على حساب حقوق الفلسطينيين، وفي سلوكها الأخير هي تلاحق أعداء هذا الكيان، الذي فصلته عن ماهيّته الاستعمارية العنصريّة، لصالح اعتباره "وطناً لضحاياها"، بأدوات مستقاة من روحيّة عصر الـ "غيستابو" الذي اضطهدهم، علّ ذلك يبدد بعض عقد الذنب لديها.
وتؤكّد الصحفية مرام سالم، على ضرورة تصدي الصحفيين الفلسطينيين والعرب، لهذه الممارسات التي قامت بها "دوتشه فيليه" والعمل باتجاه محاربة مراقبة الصحفيين بهذا الشكل غير القانوني.
واعتبرت سالم، أنّ العودة للقانون الذي يضمن حريّة التعبير، أمر أساس في هذه المواجهة، وكذلك التأكيد على دور المؤسسات الحقوقية، التي لها رأي مخالف لتوجهات "دوتشه فيليه" و لديها تعريف واضح ومصطلحات واضحة يرفض الإعلام العالمي استخدامها، وبالتالي ضرورة أن تضغط المؤسسات الحقوقية على المؤسسات الإعلامية العالمية، وتدفعها لتبني توجهاتها "الّا أنّ الأخيرة تتبنى توجهات الدول والحكومات ولا تتبنى التوجهات الحقوقية" بحسب الصحفية مرام.
وهنا لا بد من الإشارة، إلى أنّ منظمة العفو الدولية " أمنستي" قد عنونت آخر تقرير صادر عنها يوم 1 شباط/ فبراير الجاري حول الاحتلال، بـ "نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظامٌ قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية".