أزمة جديدة تطفو على السطح تسبّبت فيها إدارة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في قطاع غزّة، وضحيّتها 13 موظفاً يعملون على "بند العقود" من الأخصائيين في القسم "السمعي والبصري" في المدارس التابعة للوكالة، وذلك بعد فترة عمل امتدت داخل أروقة الوكالة لثماني سنوات، حيث اتخذت الإدارة قراراً بتمديد عقودهم لشهرٍ واحد فقط، وتركت مصيرهم إلى المجهول دون وعوداتٍ حقيقيّة بإعادة توظيفهم.

الذريعة -كما دائماً- لدى إدارة وكالة "أونروا" هي أولاً "الأزمة الماليّة"، إذ لا يخلو اجتماع أو تصريح أو مؤتمرٍ صحفي من الحديث عن هذه الأزمة بالرغم من الإعلانات المتكرّرة الصادرة عن "أونروا" ذاتها بأنّ التبرّعات من قِبل دول عدة ما زالت مستمرة في ظل تذبذبها.

وثانياً تأتي ذريعة اتخاذ إجراءات تطبيقاً للوائح والقوانين، وعقب إثارة مسألة إنهاء عقود هؤلاء الموظفين في وسائل الإعلام، أصدر مدير عمليات "أونروا" في غزّة "توماس وايت" تصريحاً كشف فيه عن نيّة إدارة الوكالة توظيف 750 معلماً وبعقودٍ ثابتة، ولكن على مدار السنوات الثلاثة القادمة، في محاولةٍ منه لامتصاص غضب الموظفين.

تجزِئة التوظيف مُخالِفة للتفاهمات

يقول أيمن أبو الطرابيش عضو في قطاع المعلمين باتحاد موظفي "أونروا": إنّ الإعلان عن توظيف 750 معلماً هو عدد صحيح ومنطقي، ولكن تجزئة التوظيف على مراحل هو المخالف للتفاهمات التي توصّل إليها المؤتمر العام لاتحادات الموظفين مع المفوّض العام لوكالة "أونروا" "فيليب لازاريني" في وقتٍ سابق، مُؤكداً أنّ المطلب الأساسي هو أن يتم تثبيت هذا العدد دفعة واحدة.

وعلّل أبو الطرابيش أسباب الإصرار على هذا المطلب، بأنه في حال تثبيت هؤلاء المعلّمين على مراحل، فإنّ هناك زيادة في الشواغر ستظهر بسبب تقاعد المعلّمين، وبسبب الزيادة الطبيعيّة في عدد الطلاب والشُعبْ داخل المدارس، وما سيتم تثبيته من معلّمين في العام الواحد ستزيد في مقابله الحاجة لذات العدد، قائلاً: "في اجتماعنا الأخير مع مدير العمليات قال إنّه سيقوم بتثبيت معلمين بدل المتقاعدين، وبدل الزيادة الطبيعيّة، ولكن دون أن يعطي أي ضمانات في هذا الجانب"

ويُشدّد أبو الطرابيش على ضرورة تثبيت أي موظّف جديد في وكالة "أونروا"، ولكن يجب الالتزام بما تم الاتفاق عليه سابقاً في هذه القضية، وأن يجري التثبيت دفعة واحدة وليس على مراحل.

مهمّتنا أساسيّة في خدمة طلبة اللاجئين

أمّا سالم أحمد (اسم مستعار)، هو أحد الموظفين الـ13 المهدّدين بفقدان عملهم جرّاء القرار الأخير، وبعد أن فضّل عدم ذكر اسمه، قال لموقعنا: نحن 12 أخصائياً في مجال النطق وموظّف آخر أخصائي بصريات، وجميعنا نعمل في "أونروا" منذ عام 2014 في دائرة الصحة. أساس عمل هؤلاء الموظفين في الصحة المدرسيّة، فمثلاً أخصائيي النطق والسمعيات موكل لهم مهام فحص النطق والسمع لطلاب المدارس وصرف المعينات السمعية وعلاج النطق، بينما أخصائيي البصريات موكل لهم فحص نظر الطلاب في المدارس وصرف النظارات لهم.

 يضيف أحمد: أنّه جرى توظيف جميع الأخصائيين في البداية بعد تجاوز اختبارات شاقة ومقابلات تحت بند "العقود المؤقّتة"، وفي منتصف عام 2017 تم التوصّل لاتفاقية سُميت LDC، تم بموجبها تثبيت الجزء الأوّل من هؤلاء الموظفين (Fixed term) والذين كانوا يعملون منذ عام 2009 وهم: مشرف نطق و5 أخصائيين بصريات، بينما كان موعد تثبيت الجزء الثاني منهم مطلع عام 2018 وتحديداً في شهر كانون الثاني/ يناير، ولكن بسبب سحب التمويل الأمريكي لوكالة "أونروا" آنذاك تم تجميد الاتفاقية وتم تجميد التثبيت بحقهم، مُؤكداً أنّه منذ عام 2018 يتم تجديد العقود لهؤلاء الموظفين شهرياً، أو كل 6 شهور تحت بند LDC إلى أن أبلغوهم بالقرار المؤسف الأخير.

يُعاقِبون الكفاءات العالية بالفصِلْ

وعبَّر أحمد عن أمله في تفعيل الاتفاقية والالتزام بها من جديد وتثبيت الموظفين أسوةً ببقيّة زملائهم الذين سبقوهم، ولكن تفاجؤوا بتبليغهم بإيقاف العقود من نهاية شهر شباط/ فبراير الجاري، والحجّة كانت عدم إمكانية تجديد العقود، لأنّه ووفق القانون لا يمكن تجاوز أي موظف LDC مدة عمل 8 سنوات داخل أروقة "أونروا".

يضيف: "نعمل منذ 8 سنوات وشهر، بينما تم تناسي أنّنا نعمل ضمن اتفاقية، ومن أهم الأولويّات تثبيتنا لأنّنا نقوم بعملٍ هام في خدمة الطلبة، وبدلاً من تثبيتنا في ظل أنّ الجميع يشهد لنا بالكفاءة العالية والتميّز والاتقان، يعاقِبوننا جميعاً بالفصل من العمل" بحسب تعبيره.

 "الوكالة ترتكب مجزرة حقيقيّة"

أمّا الموظّفة نسرين محمد، (اسم مستعار) أيضاً كونها إحدى المتضرّرات من هذا القرار الذي وصفته بـ"المجزرة الحقيقيّة"، تقول: إن لديها أربعة أطفال وزوجها عاطل عن العمل منذ ثماني سنوات، وبناءً على توظيفها في وكالة "أونروا" شيّدت منزلاً خاصاً لعائلتها وتدفع ثمن هذا المنزل عن طريق الأقساط الشهريّة ولم تنته من السداد حتى يومنا هذا، إذ يتراكم على كاهلها الآن 20 ألف دولار أمريكي.

تضيف لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "استلمت راتبي الأخير وأنظر إليه وأبكي، لا أدري لمن سأعطيه بالتحديد..".

وبعد أن تحشرَج صوتها بالبكاء، أضافت: "حاسّة حالي كتير مخنوقة وبدي أموت، أنا بساعد زوجي وبعيل أطفالي، واليوم عندي شيكات تحتاج إلى رصيد وشكلي حقضّي باقي عمري في السجن بعد هذه المجزرة التي تطال 13 عائلة بعد وعودات استمرت بالتثبيت لـ8 سنوات، حتى أنّهم لم يبلغونا رسمياً بالقرار وفق القانون بل من خلال المُدراء في العمل".

وتابعت: "كل زملائي لديهم أطفال، وهناك إحدى الزميلات طلّقها زوجها وتنازل لها عن حضانة الأطفال فقالت لا مانع أنا موظّفة ولديّ راتب من الوكالة وسأرعى أطفالي برموش عيني، ولكن اليوم ماذا ستفعل هذه المسكينة هي وأطفالها!! هؤلاء الأطفال حتماً مصيرهم التشرّد بعد هذه المجزرة التي ارتكبتها وكالة أمميّة بحق كم موظّف؟ 13 موظفاً فقط عجزت عن تثبيتهم!".

وعلم موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين أنّ اجتماعاً عُقد بين اتحاد الموظفين في غزّة مع مدير العمليات "توماس وايت" للتباحث في أمر هؤلاء الموظفين، ويُشير في هذا السياق عبد العزيز أبو سويرح نائب رئيس الاتحاد إلى أنّه جرى التأكيد لمدير العمليات أنّ هذا الملف أخذ أكبر من حجمه منذ سنوات ويجب حلّه ووضعه على سلّم أولويات الإدارة، وأنّ تثبيت هؤلاء الموظفين هو حق لا سيما وأنّنا بحاجة إلى أضعاف مضاعفة من هؤلاء الموظفين الذين من المفترض        تثبيتهم منذ سنوات عديدة، لذلك يجب أن تنتهي معاناتهم في ظل أنّ هذا القرار الأخير سيتسبّب بضغطٍ نفسيٍ مضاعف على الموظفين.

وعود دون ضماناتٍ جديّة

وكشف أبو سويرح لموقعنا، أنّ مدير عمليات "أونروا" وعد بأنّه سيجري تثبيت هؤلاء الموظفين ولكن بعد أن يجلسوا في بيوتهم مدّة شهر حتى يتسنى إعادة توظيفهم وفق القانون كونه ينص على عدم جواز استمرار أي موظّف يعمل على بند "العقود المؤقّتة" في عمله أكثر من 8 سنوات بشكلٍ متواصل داخل وكالة "أونروا"، لذلك اقترح إعادة توظيفهم بعد شهر من انتهاء عقودهم، ولكنّ وايت لم يقدّم لنا أي ضمانات جديّة لإعادتهم إلى العمل، وهذا في ظل أنّه قال خلال الاجتماع أنّه يبحث عن تمويل جديد لهم، بحسب قوله.

الخطير في هذه الأزمة التي لا تعد الأولى وقد لا تكون الأخيرة، أنّ قرار إدارة وكالة "أونروا" يضرب عصباً أساسياً لدى أي موظّف داخل المؤسّسات وخاصّة الأمميّة وعلى رأسها وكالة الغوث التي تُعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين ألا وهو الأمان الوظيفي، أي الحالة النفسيّة التي من المفترض أن تكون مستقرة لدى هذا الموظّف لتنعكس على مدى استمراريته في خدمة اللاجئين الفلسطينيين بالرغم من وجود الأزمة الماليّة التي تتحدّث عنها وكالة الغوث على الدوام.

وفي وقتٍ مضى، جمّدت إدارة "أونروا" عقود ما يزيد على 250 معلماً شاغراً في التخصصات التي صنّفتها غير أساسيّة وهي: "المواد الاجتماعيّة، التربية الإسلاميّة، الحاسوب والتكنولوجيا، التربية الفنيّة، التربية الرياضيّة"، حيث نظّم اتحاد الموظفين العديد من الوقفات الاحتجاجيّة للمُطالبة بإعادة جميع هؤلاء الموظفين الموقوفة عقودهم.

أحمد حسين- قطاع غزة

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد