كتب نائب رئيس تحرير صحيفة "هيرالد" السابق، والمدير التنفيذي لـ"ديلي ميل سكوتلاند" كيفن ماكينا مقالا في صحيفة "الغارديان"، تساءل فيه عن السبب الذي دفع مشجعي نادي سيلتك الأسكتلندي لرفع العلم الفلسطيني أثناء مباراة مع فريق كرة قدم إسرائيلي، وهو الموقف الذي عرّض النادي لغرامة سيفرضها عليه اتحاد نوادي كرة القدم الأوروبية "يويفيا".
ويقول ماكينا إنه "يجب عدم إساءة فهم حياة مشجع كرة ملتزم، فمنذ اليوم الأول عندما قرر والداه، بعد تخطيط طويل، تنصيبه في الألغاز المقدسة، فقد كتبت عليه مواجهة نظرة الشك والخوف والسخط من الحكومة، والسلطات المدنية، والرجال الذين يديرون اللعبة، واستفاد هؤلاء كلهم بشكل كبير وخلال العقود التي تلت رسم قوانين لعبة كرة القدم، فهي تقدم رفعة على المستوى الوطني، ورحلات مجانية، وإقامة في مساكن من الدرجة الأولى، وفرصة للظهور بعد كل نجاح، ولا أحد منهم يشعر بالخدر الذي تسببه الهزيمة؛ لأنهم يركضون وراء المجد والمال".
ويضيف الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أنه "في هذه المساحات بين المباريات الكبيرة، حيث يتوفر المجد وفرص التسويق، فإن هذه المؤسسات تقضي وقتا في دفع المشجعين، أو تحلم بطرق أخرى لعمل ذلك، ففي أحلامهم الفتنازية، فإن النجاح والرفعة التي ترافقه يمكن تحقيقه دون مشاركتهم مع الحثالة المقامرة".
ويعلق ماكينا قائلا: "يجب ألا يندهش أحد من هذا كله، فهذه الدولة وكادرها من الموظفين لم تكن أبدا تشعر بالراحة مع حشود كبيرة من الطبقة العاملة، التي تجتمع حول هدف واحد، وعند إضافة الكحول والسياسة فإن النتيجة ستكون غير مريحة للمسؤولين عن النوادي".
ويشير الكاتب إلى أن "المغامرات العسكرية، والرياضة، وخصوبة العائلة المالكة، كانت من الطرق المهمة لإشغال عقول الحثالة وأجسادهم في الوقت الذي تم خداعهم واستغلالهم، لكن في في لعبة كرة القدم، والعدد الكبير من الجماهير، فإنه يجب علينا أن نراقبهم، وألا تغيب أعيننا عنهم".
ويلفت ماكينا إلى أن "البعض يرى أن مشجعي أسكتلندا وهوليرود يحتلون مكانا بين مروجي المخدرات، وعصابات الجريمة، إلا أنه يمكنك التعامل مع الجريمة المنظمة، لكنك لا تستطيع التعامل مع مشجعي كرة القدم، خاصة أنه لا يمكن التكهن بأفعالهم، وهم يندفعون بتيار عميق، وعواطف لا يمكن للسياسي فهمها أبدا، فبعد عقود من بيعهم التذاكر بأسعار مبالغ فيها، وإجبارهم على مشاهدة المباراة في أماكن تشبه السجن، فإن هؤلاء لا يزالون أوفياء لنواديهم، ولهذا السبب تنتشر قوة من الشرطة لتشرف على دخولهم إلى المعلب وخروجهم من المباريات، ولهذا أيضا تم تمرير قانون التصرف الهجومي في كرة القدم، وهو قانون غريب في قوانين العالم، حيث يتم تحويل عاطفة بريئة يتم التعبير عنها في مباراة رغبي في أدنبرة إلى فعل إجرامي عندما يتم التعبير عنها في ملعب كرة قدم في غلاسكو".
ويرى الكاتب أنه "كان تطورا يجب الترحيب به عندما قامت مجموعة مشجعي فريق سيلتك بحملة جمع تبرعات من الجماهير لدعم منظمتي إغاثة معروفتين، تعملان في فلسطين، وعندما تم الإعلان عن مباراة سيلتك مع فريق هابوعيل بئر السبع في تصفيات الدوري الممتاز، رغب عدد من المشجعين باستغلال المناسبة، والقيام باحتجاج سلمي على معاملة إسرائيل للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية".
وينوه ماكينا أنه "لهذا قام حوالي 60 ألفا من مشجعي النادي برفع العلم الفلسطيني أثناء المبارHة؛ لإظهار تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، وكانوا يعرفون أنه سيتم بث المباراة في أنحاء العالم كله، وكانوا يرغبون بإيصال رسالة إلى شعب مضطهد من زاوية صغيرة من زوايا مدينة غلاسكو، بأنه لم يتم نسيانهم، وتمت معاملة اللاعبين الإسرائيليين باحترام طوال المباراة، بالإضافة إلى لاعب الوسط في سيلتك الإسرائيلي نير بيلتون، الذي وقف له الجمهور مصفقا عند مغادرته الملعب".
ويفيد الكاتب بأن "(يويفيا)، التي تدير الكرة الأوروبية، عدت العمل غير منضبط، وبدأت باتخاذ إجراءات عقابية ضد الفريق، التي ستنتهي بغرامة مالية ضد فريق سيلتك، كما حصل في مناسبات سابقة؛ بسبب ما يراه الاتحاد تصرفا سياسيا غير مقبول من مشجعي سيلتك، وقام المشجعون بحملة (#ماتشذافاين فور بالستاين)، التي جمعت دعما لمنظمتي إغاثة تعملان في الضفة الغربية، وعبر مسؤولو الحملة عن الدافع وراء هذا بوضوح من خلال (غوفاند مير) وفيه قالوا إنهم يجمعون 75 ألف جنيه في اليوم؛ من أجل الوفاء بغرامة (يويفيا) وتوزيعها على المنظمتين المخصص لهما الجمع، وقد تجاوز المبلغ المجموع عند كتابة هذه السطور 200 ألف جنيه، وسيصل الرقم إلى 500 ألف جنيه بحلول قرار الاتحاد في 22 أيلول/ سبتمبر".
ويقول ماكينا إن "(يويفيا)، وهي ليست المنظمة المثيرة للإعجاب، لا تريد للسياسة بأن تلوث اللعبة الجميلة، ولو سمحت بذلك فإنها ستكون عرضة للتدقيق للطريقة التي تدار فيها كمافيا عالمية، حيث تقوم بقطف ثمرة المشجعين العاديين الذين يحبون كرة القدم، مع أن كرة القدم والمشاركة الجماهيرية هي المكان المناسب الذي يجتمع فيه الرجال والنساء للتعبير عن التضامن".
ويشير الكاتب إلى أن "رفع العلم الكاتالوني أثناء النظام الفاشي للجنرال فرانكو في إسبانيا كان يعرض رافعه لخطر الموت أو السجن، وكان المكان الوحيد الذي يستطيع فيه الكاتالونيون رفع العلم ودون خوف هو ملعب فريق برشلونة نوكامب، ويعبر فريق برشلونة عن هوية الكاتالونيين وعزتهم، وفي أي مكان يحصل فيه اضطهاد فإن الكرة بطبيعتها يمكن أن تقدم وسيلة للتعبير عن الكرامة الوطنية، ولم تكن المباريات هي فقط كرة القدم، ويعرف مشجعو فريق سيلتك هذا الأمر، حيث ظهر ناديهم عام 1887، ولعب أول مبارياته عام 1888، من أجل جمع التبرعات للفقراء الأيرلنديين، الذين تجمعوا في منطقة إيست إند من غلاسكو، وعندما وصلوا إلى المدينة واجهوا الحنق، والتمييز، والبؤس، وفي كل مرة كان يفوز فيها سيلتك في مباراة كانت مأساة الأيرلنديين تخف قليلا".
ويخلص ماكينا إلى القول: "ذهبت هذه الأيام في أسكتلندا الآن، إلا أنه في فلسطين شعب آخر مضطهد، فشعبها يعرف الآن أكثر من أي وقت أنه لن يعاني وحده".