أن تكون لاجئاً في جزءٍ من وطنك، جملة كفيلة بإشعار قارئها بالمرارة، إذ لا يحدث هذا المشهد إلّا في فلسطين، وفي الذكرى الـ74 للنكبة الفلسطينيّة، يعبّر اللاجئون في قطاع غزّة عن آمالهم بالعودة إلى أ رضهم التي هُجّروا منها على يد العصابات الصهيونيّة عام 1948.
تقول شيماء درة وهي لاجئة من بيت جرجا إلى مُخيّم البريج وسط قطاع غزّة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: نحن يفصل بيننا وبين بلدتي الأصلية بيت جرجا مسافة بسيطة جداً، ولكن يفصل بيننا احتلال وسلك شائك وألف حاجز وحاجز وضعه الاحتلال منذ النكبة.
تشعر شيماء وعائلتها بأنّ العودة قريبة عندما تقف على الحاجز لتشارك في مسيرات العودة على حدود قطاع غزة الأراضي المحتلة عام 48، وتشعر أنّها قريبة من بلدتها الأصلية أو كأنّها وصلت إلى هناك لولا السلك الشائك.
لم ننسى
تضيف شيماء: إن الجيل الذي راهنت عليه "غولدا مائير" رئيسة وزراء الاحتلال السابقة، بأنّه سينسى، لم ينسى وأن الأخيرة خسرت رهانها.
شيماء من الجب الثالث للنكبة تقول: يجب أن لا ننسى ونتذكّر جدّنا عندما خرج من البلاد وأصبح في خيمة اللجوء، ظل مفتاح بيته الأصلي معلقاً في رقبته، ونحن الجيل الصاعد علينا الحفاظ على هذا المفتاح إلى أن نعود إلى البلاد.
كذلك الشاب أدهم النسر، وهو لاجئ من بئر السبع إلى مُخيّم البريج، يقول: بلدته الأصلية هي بئر السبع، وصحيح أنّه ولد خارجها ولكنّه يحلم أن يصل إليها وإلى كل بلدات الفلسطينيين الأصلية مثل يافا وحيفا وعكا واللد والرملة، إذ أنّ جميع اللاجئين من هذه المدن والقرى يحلمون بالعودة إليها بعد أن هجروا منها قسراً.
ما زلنا نقدم الشهداء من أجل العودة
وحول المُخيّم يقول أدهم: أسكنونا في المُخيّم، ولكنّنا ما زلنا نقدّم الشهداء في نفس المُخيّم وعلى حدود قطاع غزة قدمنا الكثير من الشبّان فداءً لهذا الوطن.
وتطرّق أدهم خلال حديثه إلى مسيرات العودة، هذه المسيرات التي دشّنتها الفصائل الفلسطينيّة بتاريخ 30 مارس/آذار 2018، واستمرت على مدار واحدٍ وعشرين شهراً على طول الشريط الحدودي لقطاع غزّة بهدف إيصال رسالةٍ للعالم مفادها بأنّ العودة قد آن أوانها، حيث شارك في هذه المسيرات عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في القطاع، فيما قابلها الاحتلال باعتداء وحشي وحشي أدّى لارتقاء وإصابة المئات من الفلسطينيين.
يرى أدهم أن مسيرات العودة حق سلمي لكل الشعب الفلسطيني، وهذه المسيرات نفكّر فيها بشكلٍ يومي، لأنّ النكبة تولد فينا كل يوم، ولكننا نُطالب الجميع بأن نكون على قلب رجلٍ واحد حتى نستطيع الرجوع إلى بلادنا الأصلية.
أحلام كبرت في مدارس "أونروا"
يقول رامي حمد وهو لاجئ من قرية المغار قضاء الرملة: معنى أن تكون لاجئاً في جزء من وطنك هو قمة الألم، تشعر بالغربة والحنين في نفس الوقت، وتشعر بالشوق للبلدة الأصلية رغم أنّك لم تشاهدها ولكنّك سمعت عنها من الآباء والأجداد.
ويُشير رامي إلى أنّه ومنذ الطفولة كبرت معه الأحلام عندما كان يدرس في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، ويرتدي الزي الموحّد لأطفال المدارس، وقديماً كان هناك في طعمة الوكالة (وجبات طعام)، وفي العيادة يوجد كرت اللجوء للعلاج من خلاله، هذا هو الحنين والشوق إلى الوطن ومعنى أن تكون لاجئاً.
يوسف ياسين، لاجئ من قرية الفالوجة، يرى أنّ ذكرى يوم النكبة تعني له وللشعب الفلسطيني بشكلٍ عام ذكرى أليمة، وجع، وتهجير، وقتل، ودمار للشعب الفلسطيني، دمار للناس التي تهجّروا وأصبحوا للاجئين، دمار في كل حياة اللاجئين اقتصادياً سياسياً معنوياً.
لا نتنقل بحرية في أرجاء فلسطين
ويُضيف: معنى أن تكون لاجئاً في جزء من وطنك أنك لا تحصل على الجزء الثاني من وطنك، ولن تستطيع الذهاب إلى بلدتك الأصلية التي تهجّرت منها، ومن هم مثلنا لا يستطيعون أيضاً التنقّل بحرية بين جهات الوطن المختلفة أو إلى القدس مصلاً.
أمّا سائد حميد، لاجئ من اسدود إلى مُخيّم المغازي، يقول: معنى أن أكون لاجئاً في جزء من وطني هو نكبة جديدة بحد ذاتها، غربة ومعاناة، واليوم أنا لاجئ في جزء من وطني من فلسطين التاريخية في قطاع غزة داخل مُخيّم المغازي الذي أنشئ في عام 1959، وأنا الآن أعيش في جزءٍ غالٍ من الوطن، ولكن الأغلى على قلبي هي مدينة اسدود التي هُجر منها الآباء والاجداد.
الانقسام عائق
المتحدّثون أجمعوا على أنّ الوحدة الوطنيّة الفلسطينيّة هي الأساس في كل عمل مقاوم، كلمة سر من الممكن أن تُساهم في لحلحة الوضع الفلسطيني المعقّد والالتفات إلى القضايا الوطنيّة الأساسيّة بعيداً عن التعصّب والتفرّد والاقصاء في اتخاذ القرارات المصيريّة، إذ ترى شيماء درة، أنّ إنهاء الانقسام ضرورة وطنيّة، فيما شدّدت على أهمية عي الشباب بمعنى كلمة لاجئ، لأنّ هناك بعض الأجندات تتحدث بأنّ "اللاجئ من الجيل الأول"، فماذا عن الذين ولدوا بعد هذا الجيل؟ ما هي قضيتنا؟.
ويقول رامي حمد في هذا الجانب، إنّ الشعب الفلسطيني للأسف مشتت نوعاً ما، ولكن بصناعتنا للوحدة سوف ينكون اقتربنا جداً من العودة، فيما شاركه سائد حميد بالقول: نستطيع تحقيق العودة من خلال الوحدة الوطنيّة ومن خلال تمسكنا بحقنا بالعودة وتحقيق المصير وفق القرار 194 الذي ينص على أنّ حق العوة هو حق فردي لا يسقط بالتقادم أي لا يمكن لأي شخص كائن من كان أن يتنازل عن حق العودة والتعويض.