مع استمرار النكبة الفلسطينيّة التي وصلت إلى عامها الـ 74 على التوالي، يُطرح سؤال يتمحوّر حول جهود وآليات عمل المؤسّسات المعنية بشؤون اللاجئين والمُخيّمات الفلسطينيّة، وسؤال آخر عمَّا فعل الجميع لقضيّة اللاجئين وخاصّة المستوى السياسي الرسمي الفلسطيني ومعه الفصائلي، في ظل استمرار معاناة اللاجئين الفلسطينيين وزيادة وتيرة الهجمة عليهم معيشياً وسياسياً وعلى المؤسّسة المعنية دولياً بإغاثتهم وتقديم الخدمات لهم، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".

يقول مدير المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين "بديل" نضال العزّة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ هناك تراجعاً كبيراً في الخطاب الرسمي الفلسطيني إزاء قضية اللاجئين، وهذا واضح في الكثير من التصريحات التي تتعامل بلغةٍ مرنةٍ و"رخوةٍ" فيما يتعلّق بعودة اللاجئين الفلسطينيين كما نص القرار الدولي 194، بيد أنّ خطاب منظمة التحرير الفلسطينيّة والفصائل الوطنيّة كان أقوى وأكثر وضوحاً فيما مضى.

الخطاب الرسمي يؤثّر على وجهة نظر الشباب ودرجة تمسّكهم بحق العودة

 يضيف العزة: أنّ هذا التراجع جرى توثيقه من خلال عملٍ بحثيٍ أجراه المركز بين العام 2018-2019 في أوساط الشباب، حيث أظهر أنّ الخطاب الرسمي يؤثّر على وجهة نظر الشباب ودرجة تمسّكهم بحق العودة، فمثلاً في الأماكن التي يكون فيها الخطاب عالي السقف مثل لبنان وقطاع غزّة في التشديد على موضوع الحقوق وخاصّة حق العودة تكون درجة التمسّك بهذه الحقوق أكبر من المناطق الأخرى، وهذا يؤكّد على أهمية صلابة ومتانة ووضوح الخطاب الرسمي الفلسطيني، وأن يكون موجهاً للأجيال الجديدة من أجل تعزيز التمسّك بحق العودة.

وفيما يتعلّق بدور المؤسّسات المعنية بشؤون اللاجئين في الضغط على المستوى الرسمي والفصائلي، يُشير العزّة إلى أنّ المركز لديه جهود في التحشيد والمناصرة وتقديم المذكّرات على المستوى المحلي فيما يخص اللاجئين، وعلى مستوى القيادة الفلسطينيّة جرى في أكثر من مرّة ومناسبة تقديم مذكرات فيما يتعلّق بوكالة "أونروا" والاستراتيجيّة المفترض تبنيها.

السلطة الفلسطينية لا تستجيب لأي توصيات بخصوص مجابهة الابتزاز السياسي من قبل الدول المانحة لـ "أونروا"

 خلال السنوات الأربعة الأخيرة قدمت مؤسسة "بديل" استراتيجيّة عمل تتضمّن رؤية وتحليل فيما يتعلّق بوضع وكالة "أونروا" وإزاء كيفيّة العمل مع المؤسّسات المناصرة للشعب الفلسطيني والدول المؤيّدة لهمن أجل تطوير استراتيجيّة داخل الجمعية العامّة للأمم المتحدة بهدف وضع آلية جديدة لتمويل الوكالة وضمان موازنةٍ دائمةٍ ومستقرة وكافية لتغطية حاجات اللاجئين، من باب وجوب أن تتحوّل التبرّعات الطوعيّة التي تقدّمها الدول إلى موازنةٍ إلزاميةٍ للدول وجزء من موازنة الأمم المتحدة من أجل التخلّص من النقص المزمن في الموازنة.

وهذا أيضاً يتقاطع مع توصيات قدمها بوابة اللاجئين الفلسطينيين في الإطار عبر أوراق بحثية وأوراق عمل عدة على مدار الأشهر الماضية.

 يقول العزّة: أن استراتيجيّة للعمل على هذا الأمر وضعت وتمت مطالبة القيادة الفلسطينيّة والفصائل داخل منظمة التحرير وخارجها بضرورة تبنّي هذه الاستراتيجيّة لتوحيد الخطى من أجل الوصول إلى قرار يُلزم هذه الدول، ولكي تُحرّر "أونروا" من الابتزاز السياسي نتيجة التبرّعات الطوعيّة، كما حصل في اتفاقيّة "الإطار" بين الوكالة والولايات المتحدة، ولكن للأسف لم يتم اتخاذ خطواتٍ عمليّةٍ من القيادة الفلسطينية في هذا الاتجاه.

أمّا على المستوى الدولي، يُشير العزّة أنّ لديهم تدخّلات عديدة، سواءً مع وكالة "أونروا" أو مفوضيّة اللاجئين، أو على مستوى مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، لذلك دائماً ما يرفعون الصوت عالياً بما يتعلّق باللاجئين الفلسطينيين ليس فقط في الضفة الغربيّة إنّما في فلسطين بحدودها الانتدابيّة بما في ذلك المهجّرين الداخليين واللاجئين الفلسطينيين في مناطق عمل وكالة "أونروا" في دول الشتات، وآخر المسائِل التي جرى إثارتها أمام مجلس حقوق الانسان هي مسألة التمييز المُمارس ضد اللاجئين الفلسطينيين الفارين من الحرب في سوريا إلى لبنان، حيث تحدّثت "بديل" للدول الموقّعة على اتفاقية اللاجئين من الدول الأوروبيّة التي تدّعي حرصها على حقوق الانسان بأنّه يجري التمييز ضد اللاجئين الفلسطينيين بالمقارنة مع أقرانهم من اللاجئين اللبنانيين أو السوريين أو من أي جنسياتٍ أخرى.

يتم العمل مع المؤسّسات القاعدية والقوى الشعبيّة من أجل تعزيز حضور قضيّة اللاجئين

وبشأن الرؤية لإعادة الاعتبار لقضية اللاجئين في ظل استهدف المُخيّمات ووكالة "أونروا" في آنٍ واحد، يُؤكَّد العزّة أنّ هذا السياق يجري العمل عليه مع مؤسّسات قاعديّة، لأنّه من الواضح لا زلنا بعيدين عن التأثير في قرار المستوى السياسي، لذلك نقدّم تقارير ونرفع مذكّرات وننظّم حملات لنسلّط الضوء على نقاطٍ معيّنة ونقدّم مطالبات محدّدة سواء للدول أو للمنظمات الدوليّة، ولكن في المجمل لا يوجد تبنّي لهذه الاستراتيجيّات والمطالبات، لذلك لدينا منهج للعمل مع المؤسّسات القاعدية والقوى الشعبيّة من أجل تعزيز حضور قضيّة اللاجئين والتأكيد على الحقوق الأساسيّة وفي مقدّمتها حق العودة، والتركيز على موضوع التقليصات التي تجري في خدمات "أونروا"، وموضوع المنهاج الفلسطيني ورفض التعليمات التي أصدرتها "أونروا" للمعلّمين بالامتناع عن تدريس مواد معيّنة، وهذه الجهود على أمل تشكيل حالة ضغطٍ شعبيّة تؤدّى إلى تغيير في استراتيجيّة القيادات والدول والمؤسّسات المختلفة.  

تجدر الإشارة إلى أنّ غالبيّة الفصائل الفلسطينيّة تصدر بيانات صحفيّة في ذكرى النكبة من كل عام، إلى جانب تنظيم بعض الفعاليات الشعبيّة إحياءً لهذه الذكرى، ولكن في المقابل لا يلمس اللاجئون أي ضغطٍ حقيقي مع مرور السنين على القيادة الرسميّة من أجل تبنّي خطابٍ سياسي متين وخطواتٍ جديّة تُساهم في وضع حدٍ لهذه المعاناة المستمرة منذ 74 عاماً.

الخطاب الرسمي والفصائلي حول قضية اللاجئين هو خطاب نمطي والانقسام يحد من تأثير جهود المؤسسات

في هذا الإطار، يرى مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجيّة "مسارات" هاني المصري خلال حديثٍ لموقعنا، أنّ الخطاب الرسمي والفصائلي حول قضية اللاجئين هو خطاب نمطي، إذ لا يوجد رؤية واضحة ولا خطّة ملموسة في هذا الاتجاه، الأمر الذي يُساهم في استنفاذ وتشتيت الطاقات والإمكانيات عن هذه القضية التي تعتبر أساس وجوهر القضية الفلسطينيّة.

ويُشير المصري، إلى أنّ المؤسّسات تمارس دوراً واضحاً في خدمة قضية اللاجئين، ولكنه أكَّد في ذات الوقت أنّ هذا الدور لا يمكن أن يؤتي أكله دون وجود رؤيةٍ عامّةٍ لدى القيادة والقوى الأساسيّة بما يتناسب مع أهميّة القضيّة، لأنّه إذا توفّرت الرؤية والإرادة الحقيقيّة لدى القيادة تصبح بعدها الكُرة في ملعب المؤسّسات المعنيّة بشؤون اللاجئين، ولكن في ظل حالة الانقسام والتردّي والتدهور في الساحة الفلسطينيّة تصبح قدرة المؤسّسات على العمل والتأثير محدودة جداً وتُعيد انتاج نفسها وتكرّر خطابها بعيداً عن تحقيق اختراقاتٍ واضحةٍ في هذه القضية الهامّة.

ويُتابع المصري: هناك حرب شرسة وممنهجة على الشعب الفلسطيني، وأبرز ما فيها الحرب على الرواية وقضية اللاجئين لأنّها الأساس في القضية الفلسطينيّة، ولذلك تجري محاولات لتغيير تعريف من هو اللاجئ الفلسطيني، ولإلغاء وكالة "أونروا" أو تحويل مهمّاتها إلى مؤسّساتٍ أمميّةٍ أخرى كخطوةٍ على طريق إنهاء هذه المؤسّسة الدوليّة باعتبارها الرمز للقضية الفلسطينيّة ومعاناة اللاجئين المستمرة، وبالتالي يجب إعطاء قضية اللاجئين الأهميّة التي تستحقّها وليس فقط من خلال الخطابات والبيانات، بل من خلال توفير كل الموازنات اللازمة والكوادر والنشاطات القانونيّة والسياسيّة والشعبيّة.

يضيف المصري: إذا كانت قضية اللاجئين هي أساس وجوهر القضية فتستحق تعاملاً أكبر مما هو عليه، ولذلك مطلوب دور كبير من القيادة الفلسطينيّة لأنّها صاحبة الإمكانيّات والصلاحيّات، ودور أكبر من القوى والفصائل باعتبارها أدوات التأثير والضغط والتغيير وعليها أن تقدّم نموذجاً في هذا الإطار، ومن ثم يأتي دور مؤسّسات المجتمع المدني وأفراد الشعب الفلسطيني، وكلٌ حسب قدرته ومسؤوليّاته وإمكانيّاته، إذ لا يجوز إعفاء أي أحدٍ من مسؤوليّاته في استمرار قضية اللاجئين الذين نؤكّد لهم أنّنا سنعود رغم كل الصعوبات، لأنّ شعبنا مُصمّم ومقاوم ومرابط وصاحب قضيّةٍ عادلةٍ، والأمل ما زال موجوداً.

أحمد حسين- صحفي فلسطيني

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد