في حوالي الساعة 5:30 مساء يوم الثلاثاء الموافق 21 حزيران/ يونيو الجاري، أقدم مستوطن صهيوني على طعن الشاب الفلسطيني علي حسن حرب (27 عاماً)، بسكين في صدره، أثناء  تصديه مع مجموعة من أقاربه في قرية اسكاكا شرق محافظة سلفيت لمجموعة مستوطنين حاولت الاستيلاء على أرض فلسطينية ، وكالمعتاد أعاقت قوات الاحتلال إسعافه وتركته ينزف حتى الموت.

هذه الجريمة تأتي امتدادًا لعنف المستوطنين الذي تصاعد في الآونة الأخيرة برعاية "إسرائيليّة" رسميّة، وحماية من جيش الاحتلال الذي يرتكب يومياً جريمة تلو أخرى بحق الفلسطينيين، لم يكن آخرها تلك التي ارتكبت ظهر التاسع عشر من حزيران/ يونيو عندما أطلق النار بشكلٍ مباشر على العامل أحمد تيسير غانم من سكاّن نابلس واستشهد على الفور أثناء محاولته الدخول عبر بوابة "جلجولية" للعمل في الداخل المحتل عام 1948، وفي فجر السابع عشر من ذات الشهر أقدمت قوات الاحتلال على إعدام ثلاث شبّان من جنين ومُخيّم اللاجئين فيها.

كما العادة أدانت الفصائل والمؤسّسات الفلسطينيّة هذه الجرائم المستمرة، ودعت إلى ضرورة تشكيل وتفعيل لجان الحراسة الشعبيّة في القرى والمُخيّمات الفلسطينيّة لوضع حدٍ لهذه الجرائم التي تأتي في ظل غياب المساءَلة الجادّة عن هذه الاعتداءات ما يشجع ويغذّي استمرارها.

فكرة لجان الحراسة والحماية ليست طارئة على المشهد الفلسطيني، ولها جذورها التاريخيّة منذ ثورة عام 1936، ومذاك الحين إلى يومنا هذا شكّل الفلسطينيون مثل هذه اللجان التي تتمثّل مهمتها في السهر خلال الليل لحراسة مداخل القرى والمُخيّمات لرصد حركة وتتبع تحرّكات جيش الاحتلال ومستوطنيه لتنبيه السكّان بوجود اقتحامٍ في هذه القرى أو في ذاك المُخيّم، إلّا أنّ هذه الفكرة على أهميتها لا يتم التعامل معها بشكلٍ جدّي من قِبل الجهات المعنية – أي الرسمية- على اختلافها.

قرية بُرقة نموذجاً

يقول الناشط في لجان الدفاع عن الأراضي في قرية بُرقة بنابلس، فطين صلاح لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ مسألة لجان الحراسة الشعبيّة أو لجان الحماية هامّة للغاية في ظل انتشار المستوطنين على مدار الساعة في القرى وفي محيط بعض المُخيّمات المقام بجانبها مستوطنات للاحتلال، إذ يرتكب المستوطنون الجريمة تلو الأخرى دون حسيبٍ أو رقيب، ودون تدخّلٍ من أحد لوضع حدٍ لهؤلاء المتطرّفين، وعندما يكون هناك لجان حراسة في القرية أو في المُخيّم يتم صد اعتداء هؤلاء المستوطنين بنسبة كبيرة جداً ويتم إفشال مخططهم أو اقتحامهم.

قرية بُرقة تعرّضت لسلسلة من جرائم المستوطنين العام الماضي، يؤكد الناشط صلاح أنّ لديهم في القرية عدّة مجموعات خاصة على موقع التواصل الاجتماعي "واتساب" تحتوي على قرابة 1300 شخص من سكّان القرية، وذلك من أجل التعميم الفوري في حال حدوث اقتحام أو هجوم من قبل لمستوطنين على القرية، فتعمل هذه المجموعات على استنفار أهالي البلدة في دقائق معدودة للخروج والتصدي لقطعان المستوطنين.

773x435_cmsv2_6642e0e4-1b31-5c38-a8a0-53ed40367103-6331180.jpg

الفئوية أضعفت الحركة الوطنيّة

يُتابع صلاح: نحن في بُرقة لدينا مجموعة من البيوت القريبة من الشارع الرئيسي، وهناك بيوت قريبة من مستوطنة "حومش" المُخلاة، وأي هجوم يحدث على هذه البيوت من قِبل المستوطنين، يكون هناك هجوماً عكسياً من قِبل أهالي القرية وعلى مدار الساعة سواء في الليل أو في النهار، وكل هذا بفضل اليقظة ولجان الحراسة الشعبيّة العفويّة ومن فيها من شبّان لا تغفل عينهم ولو دقيقة عن مُراقبة كافة المناطق المُحيطة بالقرية، بحسب تعبيره.

وحول عدم تشكيل لجان الحراسة والحماية في مئات القرى والبلدات والمُخيّمات الفلسطينيّة بالضفة الغربية، يعزو صلاح  السبب إلى ما أسماه "الفئوية" ودورها في إضعاف الحركة الوطنيّة، يقول: إن الظروف التي يعملون فيها بالضفة حساسة ومعقدة ، وهذا في ظل أنّ هناك من يريد تجيير العمل لصالحه ولصالح حزبه الحاكم، ما سبب بمُشكلة كبيرة وساهم في التخفيف من المشاركة الشعبية في العمل الوطني، وأي فكرة تُطرح على الساحة لتشكيل شيء ما يكون الإقبال عليه ضعيفاً لأنّ الناس تخشى من سرقة جهدها وسهرها وتعبها لصالح السلطة وحزبها الحاكم.

 رصد للمستوطنين على مدار الساعة

وبالعودة إلى بُرقة وتفاصيل ما يقوم به الشبّان لصد هجمات المستوطنين وجيش الاحتلال، يُشير صلاح إلى أنّ هناك مهاماً موزّعة بين الشبّان، فمثلاً هناك شبّان فقط يعملون بالرصد، وأي حركة للمستوطنين والجيش بدءاً من منطقة سيلة الظهر وحتى دير شرف ومناطق أخرى يتم رصدها على الفور وتصويرها وتوثيقها ونشرها على مجموعات الواتساب ليخرج أهالي القرية للتصدي بشكلٍ طبيعي وعفوي، وهناك شبّان يجهزون الحجارة وأدوات المواجهة المختلفة، داعياً   إلى ضرورة تعميم كل هذه التجارب والنماذج على القرى والمُخيّمات في ظل عدم توفّر لجان الحماية والحراسة المطلوب تشكيلها بشكلٍ عاجل لأهميتها.

منذ بداية عام 2022، ارتكب المستوطنون أكثر من 150 اعتداءً مباشراً على السكّان الفلسطينيين وممتلكاتهم في أرجاء الضفة، بما فيها مدينة القدس، وأغلبها جاءت بحمايةٍ من جيش الاحتلال وانتهت دون أي إجراءاتٍ لمساءلة أو مُحاسبة مقترفيها، حسبما يُفيد المركز الفلسطيني لحقوق الانسان في تقاريره التوثيقيّة.

فرق حماية عفوية

النموذج الموجود في قرية بُرقة، موجود في قرى ومُخيّمات عدة بالضفة مثل بلدة بيتا في نابلس، ومُخيّم الدهيشة في بيت لحم، ومُخيّم جنين وفي العديد من القرى والمُخيّمات، ولكن كل هذه الفرق الشبابيّة والشعبيّة هي عفوية دون تنظيمٍ أو دعمٍ لها ليكون فعلها أقوى وأشد نجاعةً، بحيث يقوم الشبّان في هذه المناطق بتناوب الحراسة الليليّة ومراقبة تحرّكات جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين، للإعلان من خلال الصفارات أو مكبرات الصوت عن وقوع اقتحام أو اعتداء، ليهب السكّان للتصدي لهذه الاعتداءات ويأخذ المقاومون حذرهم.

المستوطنون لا يجرؤون على اقتحام مخيم قلنديا

في ذات السياق يؤكّد أمين سر حركة فتح في مُخيّم قلنديا للاجئين الفلسطينيين زكريا فيالة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين بأنّ فكرة لجان الحماية والحراسة يُسأل عنها الجميع إلّا مُخيم قلنديا، لأنّ هذا المُخيّم وحتى هذه اللحظة لم يتجرّأ أي مستوطن على دخوله أو دخول منطقة قلنديا كاملةً من مدخل المُخيّم الشمالي وحتى مشارف البيرة بما فيها منطقة كفر عقب، حتى جيش الاحتلال شهد وفي عدّة مواقف أنّه وفي اللحظة التي يُفكّر أن يدخل فيها أي جيب عسكري لاعتقال أي أحد من الشبّان في المُخيّم يجد مقاومة شرسة و"فزعة" غير مسبوقة من كل أهالي المُخيّم صغاراً وكباراً، "والحمد لله شبابنا في المُخيّم لديهم يقظة على مدار الساعة، والمتابع للأخبار ومواقع التواصل يجد أن قرابة 400 شاب يهبون للتصدي للاحتلال في كل عملية اقتحام".

52022913019378.jpg

يُتابع فيالة: طرح هذا العنوان مهم جداً، لأنّ فكرة لجان الحماية والحراسة هامة للغاية في ظل كل هذه الجرائم العنصريّة خاصّة من المستوطنين الذين يحميهم جيش الاحتلال ويوفّر لهم كل المساعدة والحماية لتنفيذ هذه الجرائم بحق أبناء شعبنا، ولا ننسى ما فعله المستوطنون في قرية دوما بإحراق عائلة كاملة وهي عائلة دوابشة.

المطلوب أيد حديديّة

ويُشير فيالة إلى ما فعلته السلطة الفلسطينيّة في قرية بُرقة رداً على اعتداءات المستوطنين، يقول: نقولها بكل مرارة، السلطة وتحديداً جهاز الأمن الوطني قام بكل أسف بتركيب حمايات حديديّة على شبابيك المنازل في قرية بُرقة بهدف حماية الأهالي من هجمات المستوطنين وهذا إجراء مستهجن، لأنّ المطلوب ليس حمايات حديديّة، بل المطلوب أيدي حديديّة تقف كسدٍ منيع أمام اقتحامات وجرائم المستوطنين، والمطلوب أيضاً إرادة شعبيّة وقلوب قويّة تتصدّى لهذا العدو وخاصّة بعد أن أطلق الاحتلال العنان للمستوطنين ليعيثوا فساداً في القرى والمُخيّمات الفلسطينيّة وخاصّة المُحاذية للمستوطنات.     

الامن الوطني.jpg

يُشار إلى أنّ القرى والبلدات المقام عليها مستوطنات "إسرائيليّة" تشكّل نحو 63 في المائة من أراضي الضفة المصنّفة بمناطق "ج" حسب اتفاقية أوسلو، وهناك حالة من السخط الدائم على السلطة الفلسطينيّة وأجهزتها الأمنيّة، إذ أدارت هذه السلطة الظهر للآلاف من سكّان هذه القرى وتركتهم عرضة لاعتداءات المستوطنين بشكلٍ يومي، لا سيما وأنّها لا تدافع عنهم فقط، بل تعتقل كل من يحمل السلاح أو يخطّط لمقاومة الاحتلال بأي طريقةٍ كانت.

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فقد شهد العام 2021، 410 اعتداء من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين (302) ضد الممتلكات و(108) ضد الأفراد، واستشهد أربعة فلسطينيين على أيدي المستوطنين في العام 2021، مقارنة في العام 2020، الذي سُجل فيه ما مجموعه 358 اعتداء، وفي العام 2019 كان هناك 335 اعتداءً.

أحمد حسين- صحفي فلسطيني

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد