أكّد اللاجئ الفلسطيني الناجي من مركب الموت الذي غرق قبالة سواحل مدينة طرطوس السوريّة، جهاد مشلاوي، أنّ المركب قد انطلق من السواحل اللبنانية تحت التهديد بالسلاح من قبل المهرّب، بعد أن قرر السائقُ عدمَ الانطلاق بسبب رداءة الزورق وحمله الثقيل الذي يجعله عرضة لغرق مؤكّد.
سائق المركب لم يوافق على التحرك بسبب ردائته وقدمه ولكنه تحرك تحت تهديد السلاح
وتعرّض سائق المركب وأحد ركّابه وضحاياه أسامة نافذ، للتهديد بقتل أطفاله أمام عينيه في حال لم ينطلق بالمركب، وذلك من قبل المهرّب المدعو "أبو علي"، بحسب الناجي جهاد مشلاوي، الذي روى لبوابة اللاجئين الفلسطينيين تفاصيل ما جرى قبل وأثناء غرق المركب المنكوب.
وفي التفاصيل، قال اللاجئ في جهاد مشلاوي في مقابلة مع موقعنا: إنّ يوم الثلاثاء الفائت 20 أيلول/ سبتمبر الجاري، كان موعد الترتيب للانطلاق، حيث اتصل به المهرّب عند الساعة الثامنة مساء، وأبلغه للذهاب للقاء أحد الأشخاص من طرفه في ساحة التل بمدينة طرابلس ودفع مبلغ التهريب البالغ 7 آلاف دولار.
وتابع الناجي من الحادثة: وصلنا إلى مزرعة حيث تم تجميعنا، ووضعونا بسيارة نوع بيك أب وكنّا وقتها 200 شخص، وكدنا نموت اختناقاً داخل سيارة الحمل.
مشت السيارة بالركاب، من المزرعة، حتّى نقطة تسمّى الخزّان بعد منطقة العبدة، حيث بدأت عمليات تحميل المهاجرين من الشاطئ إلى المركب الخشبي، عبر زوارق صغيرة تنقل كلّ 20 شخص على حدى، بحسب جهاد.
القارب لا يتسع لهذا العدد الهائل من الركاب
وأضاف: خلال نقل الركاب، تبيّن، أنّ المركب لا يتسّع لـ 200 شخص، وطلب المهرّب من 50 شخصاً أن يعودوا، بحسب جهاد الذي أشار إلى أنّ الركاب بدؤوا يتسابقون إلى المركب نظراً لكون بعضهم انتظروا لمدّة 3 أشهر ودفعوا مبالغ تجاوزت 20 ألف دولار لهم ولعائلاتهم ليهاجروا.
ولفت مشلاوي إلى الحمل الكبير الذي كان على المركب قائلاً: كنا أكثر من 150 شخصاً كبيراً وحوالي 30 طفلاً على متن المركب، ومعنا حمل ثقيل وهو عبارة عن 4 طن من المازوت، و800 ربطة خبز، وحوالي طن من مياه الشرب."
وتابع: ركبنا في الزورق، وأتوا بالقبطان في النقلة الأخيرة هو وزوجته وأولاده الاربعة، وعندما نظر القبطان ‘لى المركب صدم بالعدد الكبير فرفض أن يصعد الى المركب وقال: "لا أتحمل مسؤولية 150 شخصاً سيموتون في البحر ولن أحملهم في رقبتي الى آخر العمر".
المهرب لسائق المركب: لن أقتلك سأقتل أولادك
وأكّد مشلاوي، أنّ سائق المركب أسامة نافذ، طلب أن يُقتل لوحده بدلاً من أن يموت جميع الناس، وأضاف: "هنا سمعنا صوت خرطشة الأسلحة وقال المهرب لن أقتلك وسأبدأ بأولادك."
وأشار اللاجئ الناجي، أنّ السائق الذي كان برفقة زوجته وأولاده، حاول إبطاء انطلاق المركب والتراجع عن القيام بالرحلة وذلك عبر تضييع الوقت، وقام بالتذرّع بانتظار طبيب كان من المقرر أن يرافقهم خلال الرحلة.
وتابع مشلاوي: وقف أسامة في المركب ربع ساعة لم يتحرك، ولم ندري ماذا إذا كان يخطط للعودة أم ماذا؟" مضيفاً: بعد ربع ساعة جاءت ثلاث فلوكات من ضمنهم أبو علي، المهرب وقام أسامة بالانطلاق حتى لا تأتي زوارق الجيش ويلقى القبض عليه ويتهموه بأنه مسؤول عن عمليّة التهريب.
وبعد تشغيل المركب والانطلاق، بدأت المشاكل تظهر على المحرّك الذي توقّف نحو 5 مرّات خلال 10 دقائق، فاتصل السائق أسامة بالمهرب وأخبره أن المركب غير صالح ولا يستطيع الإبحار به، فكرر المهرب تهديده بقتله وأطفاله في حال عاد إلى المخيّم، وقال له: "هذا الموتور يعمل على المازوت ولما يحمى بيمشي الحال." بحسب شهادة جهاد.
70 شخصاً توفوا لحظة انقلاب المركب .. رواد السيد مات على يدي
ونقل مشلاوي هول ما حدث خلال غرق المركب، الذي انطلق عند الساعة الخامسة صباح الأربعاء 21 أيلول/ سبتمبر، مؤكداً أنّ المركب قد توقف في عرض البحر عند الساعة التاسعة بسبب تعطّل المحرّك، وبدأ الموج يرتفع حتّى بلغ ارتفاعه قرابة 4 أمتار ما أدّى إلى انقلاب المركب.
وبحسب جهاد، فإنّ 70 شخصاً على الأقل توفوا لحظة انقلاب المركب، ووقف هو على الجهة الثانية بعكس المركب المقلوب على بعد 100 متر، وكان الشباب الضحايا والمفقودون من مخيم شاتيلا أحمد ونور الحاج ورواد السيد ينادوه طلباً للمساعدة، فطلب منهم السباحة حتى وصلوا إلى ظهر المركب.
وتابع:" بقينا من منتصف الليل حتى بزوغ الفجر، بقي على المركب فقط 6 أشخاص من أصل قرابة 36 شخصًا رأيتهم على ظهر المركب، وآخر طفل مات معنا صباحاً من البرد والعطش، كان أبوه يمسكه وتركه بالماء، ورواد السيد توفي على يدي من شدة البرد وأحمد بقي ممسكاً بي فيما نور تعب جداً – صار يهلوس ويطلب الماء- نور بعد ساعتين اختفى وبقي أحمد، حينها قلت لهم: مرّ على مكوثنا هنا ٢٤ ساعة لو علم احد بنا كان جاء وطلبت من احمد يسبح معي قلت له: انت قوي لا تستسلم.
أودع مشلاوي وصيته لأهله عند الشاب الفقيد أحمد عبد اللطيف الحاج بأنه يحبهم وأحمد قال له: أخبر أهلي أني أحبهم وهذه الكلمات هي الأخيرة التي سمعها من أحمد
تواطؤ مع المهربين!!
ووصف مشلاوي المهرّبين بالمافيا التي قبضت مئات آلاف الدولارات، ورمت بالناس إلى الموت. وقال: "ليس من مصلحة المهرّبين أن يخرج ناجياً واحداً من قوارب الموت كي لا نتحدث عما شهدناه"
ووصف مشلاوي البالغ من العمر 31 عاماً، المهرّبين بتجّار الدم، مؤكداً أنّ المهرّب المسؤول عن عملية التهريب، مطلوب دمه لأهالي المخيّم، ولا يكفي فقط القبض عليه من قبل السلطات.
وتحدث مشلاوي، عن تواطؤ بين المهرّبين وبعض ضبّاط الجيش والأمن في لبنان، وقال: "إن حواجز الدولة والعساكر من منطقة المدفون حتّى نهاية عكّار، يعرفون المهّربين ويسهلون مرورهم." حسب قوله.
نحن لا نريد جنسية ولكن فقط حق العمل
يؤكد مشلاوي أن قصة السفر عند الفلسطيني تبدأ منذ ولادته حيث "نتعلم عن القضية والهجرة لان هذه البلاد لا تتحملنا، وأقل حقوقنا الإنسانية لا نحصل عليها.
ويقول: إن فكرة السفر بدأت لديه في عام 2014 ولأنه وحيد لأمه وأبيه فكانا يرفضان فكرة سفره ولكن بعد ازدياد الأوضاع الاقتصادية والأمنية سوءاً في لبنان، اقتنع أن الحياة مستحيلة في هذ البلد.
يضيف مشلاوي: نحن لا نطلب من لبنان أن يمنحنا جنسية ولكن فقط حق العمل، أنا ذهبت لأعمل ف محل بيع ألبسة وتم رفضي لأني فلسطيني، هنا لا يمكن للفلسطيني الحصول على رخصة عمل كسائق سيارة أجرة، كيف لنا أن نعيش؟.
فيديو
وعطفاً على شهادة اللاجئ جهاد مشلاوي، كان موقع "جنوبيّة" اللبناني قد كشف أنّ شخصاً يدعى بلال نديم، هو الذي يدبّر عمليات التهريب عبر أحد السماسرة والمدعو " عبد الإله" المعروف بـ " حمّور" وهو مسؤول عن تمهيد الطرق وتأمينها.
وبحسب "جنّوبية" فإنّ مجموعة من المهرّبين تقوم بممارسة نشاطها، تحت أعين عناصر أمنية، ومنهم أحمد السبسبة المعروف بـ "أبو علي" وكلّ من "محمد ديب قويظة، هلال قويظة، ديب قويظة، دياب قويظة، محمود قويظة المعروف بـمحمود ابو ديب، ونجله علي، وفاضل خلف، وعبد الله طالب الشهير بـعبد الله حمودي، وعبد الرحمن طالب الشهير بـ "أبو شعر"، ومحمد سعد الدين أبو خضر، وخالد الحداد، وعلي الحداد وحكمت عباس."
وكان الجيش اللبناني، قد أعلن السبت 24 أيلول/ سبتمبر الجاري، إلقاء القبض على المسؤول عن مركب الموت. وقال الجيش اللبناني في بيان له: "بتاريخ 21/ 9/ 2022، أوقفت مديرية المخابرات المواطن (ب. د) للاشتباه في تورطه بتهريب مهاجرين غير شرعيين عبر البحر وقد ثبت نتيجة التحقيق تورطه بإدارة شبكة تنشط في تهريب مهاجرين غير شرعيين عبر البحر وذلك انطلاقاً من الشاطئ اللبناني الممتد من العريضة شمالاً حتى المنية جنوباً.."
وأكد الجيش اللبناني، أنّ المقبوض عليه اعترف بالإعداد لعملية التهريب الأخيرة التي انطلقت من لبنان باتجاه إيطاليا عبر البحر بتاريخ 21/ 9/ 2022، وهي الرحلة التي غرقت قبالة سواحل طرطوس وأودت بحياة العشرات.