الآلاف من طالبي اللجوء يصلون سنوياً إلى جزيرة قبرص في البحر المتوسط، كثر منهم قادهم حظّهم العاثر إلى أيدي خفر السواحل القبرصي، سواء من خلال طلب النجدة في حال تعطّل مركبهم بالقرب من الجزيرة، أم اختيارهم الجانب اليوناني من قبرص والعضو بالاتحاد الأوروبي، على أمل تحصيل لجوء آمن ومريح، ولكن في كلا الحالتين ينتهي بهم الأمر في مخيمات يتعرضون فيها لانتهاكات تبدأ من ظروف الإقامة حتّى حرمانهم من الاستشفاء.
وزارة الداخلية القبرصيّة، كانت قد صرّحت في نيسان/ إبريل الفائت، أنّ أكثر من 5 آلاف طالب لجوء، توافدوا الى الجزيرة منذ مطلع العام 2022 الجاري، في وقت بات يشكّل فيه المهاجرون قرابة 5 % من مجموع السكّان، فيما بلغ عدد الوافدين في عام 2021 الفائت أكثر من 13 ألف مهاجر.
عدّة مخيّمات لاستقبال طالبي اللجوء في قبرص، أكبرها في العاصمة نيقوسيا، يصفها من خاضوا تجربتها بـ " سجون العقاب"، وينفون عنها صفة مراكز الاستقبال، فيما تزداد الحالة سوءاً داخل تلك المراكز، لازدياد الطلب على الهجرة ولا سيما من تركيا التي تشكل ممراً لفلسطينيين من غزّة وسوريا، إضافة إلى الهجرة من لبنان، حيث سجّلت مؤخراً عدّة حالات وصول إلى قبرص لمراكب انطلقت من لبنان وتحمل على متنها لاجئين فلسطينيين، وأخرى عمدت سلطات السواحل القبرصية إلى اعادتها من حيث أتت.
بوابة اللاجئين الفلسطينيين نقل تجربة أحد طالبي اللجوء من قطاع غزّة (صقر محمد صقر)، الذي علق في مخيّم "بورنارا" لمدّة 6 أشهر تفاقمت فيها حالته الصحيّة، ووصفه بـ "مزرعة الدواب" حيث يحشر أكثر من ألفي طالب لجوء في خيام لا تسع لـ 400 شخص.
تعرضت لمواقف سيئة من قبل الموظفين في المخيم وإهانات عدا عن التنمر من قبل ممرضة
والشاب صقر، لاجئ في قطاع غزّة من قرية حمامة الفلسطينية المهجّرة عام 1948، وخرج من غزّة مؤخراً، هرباً من ظروف الحصار الإسرائيلي وانعدام أفق العيش في القطاع، وبحثاً عن علاج من إصابة مزمنة في ساقه تعرض لها خلال القصف الصهيوني على القطاع عام 2008.
يقول صقر لبوابة اللاجئين الفلسطينيين،:إنّ ما بحث عنه في قبرص التي قصدها لكونها دولة في الاتحاد الأوروبي، لم يجده، وخصوصاً العلاج، مشيراً إلى أنّه يعاني من كسر في ساقه ومضاعفات خطأ طبّي، فيما لم يتاح له الذهاب الى الضفّة الغربية للعلاج، بسبب الاحتلال الإسرائيلي.
ووصل صقر إلى "كامب بورنارا" بعد مضاعفات ألمّت بساقه بسبب رحلة اللجوء الصعبة، التي بدأت يوم 6 أيار/ مايو من العام الجاري، مشى خلالها 60 كيلو متراً بعد أن تركه المهرّب، وسار حتّى بلغ نقطة تفتيش قاده عناصرها إلى المخيّم المذكور.
وقال صقر: "تعرضت لمواقف سيئة من قبل الموظفين في المخيم واهانات منذ لحظة وصولي، وكنت متعباً وساقي لم تعد تحملني عدا عن التعب النفسي والجسدي، وتركوني انتظر ساعات طويلة وقوفاً واتنقل بين الموظفين والمترجمين والأطباء."
وأضاف أنّ "الظروف داخل المخيم سيئة للغاية للإنسان السليم، فما هو الحال بشخص مريض ويحتاج إلى عناية صحيّة خاصة" وتحدث عن حالة تنمّر واجهته بها إحدى الممرضات حين طلب العلاج لساقه.
وقال صقر: إنّه طلب من إحدى الممرضات في مخيّم "بورنارا" أن تدلّه على سبيل لأخذ العلاج لأعصاب ساقه، الّا أنّها قالت له "مريض نفسي" عدّة مرّات وبصوت مرتفع، حتّى أشعرته بالإحراج، وتعرّض لسخرية الكثير من الموجودين.
وأكّد صقر، تعرضه لسلوك عنصري من إحدى الموظفات ورفضت التحدث معه وإجابته عن الكثير من الاستفسارات، وخصوصاً حين علمت أنه فلسطيني، وفق قوله. وأشار إلى أنّها رفضت التحدث معه بالعربية علماً انها تجيد التحدث بها لكونها من أصول لبنانية، وطلبت منه بنبرة متعالية بأن لا يتحدث معها بحجّة أنها "ليست مترجمة".
إدارة المخيم تقدم وجبات للنزلاء غير صالحة للاستهلاك البشري
وأشار صقر، إلى أنّ فترة المكوث في المخيّم المذكور تمتد إلى 6 أشهر، يتخللها العديد من الانتهاكات وأكّد أنّ العديد من الحالات الصحيّة ترفض إدارة المخيم ارسالها الى المستشفى، فيما تقدّم وجبات للنزلاء غير صالحة للاستهلاك البشري.
وأوضح اللاجئ، أنّ إدارة المخيّم تقدم يومياً 3 وجبات لا تكفي لسدّ الجوع، وهي عبارة عن قطعة "كرواسان" صباحاً وواحدة مثلها ليلاُ، أمّا في فترة الغداء تقدّم وجبة صغيرة وصفها بأنّها "لا تصلح للأكل" وعبارة عن بطاطا مسلوقة مع قطعة دجاج صغيرة غير مطبوخة بشكل جيد.
وعند انتهاء فترة المكوث في المخيّم، يجري تسريح اللاجئ وإعطاؤه ورقة تعريف، لا تمكّنه من التنقّل بحريّة ولا استئجار منزل، ولا تلقي العلاج بالمستشفيات، بحسب صقر، الذي أضاف أنّه يحاول الحصول على طرق ووسائل تمكّنه من علاج ساقه عبر طرق أبواب المنظمات الإنسانية، والحصول على مساعدات ليدفع تكاليف التحاليل والفحوصات والصور الشعاعية.
وأكّد اللاجئ القادم من قطاع غزّة، إلى أنّه حاليًا بلا مأوى بعد تسريحه من المخيّم، ولا يستطيع توفير تكاليف طعامه وشرابه وتكاليف علاجه. وحاول مراسلة منظمات إنسانية وحقوقية لشرح أوضاعه الإنسانية والمآل الذي وصل إليه في قبرص، علّ ذلك يثمر عن التفاتة لأوضاعه من قبل احدى الجهات الإنسانية.
وشكلّت قبرص وجهة للكثير من اللاجئين الفلسطينيين سواء من قطاع غزّة أم الفارين من سوريا إثر الحرب هناك، ولا سيما خلال الأعوام 2012 حتّى 2016، فيما تواصل مجموعات طالبي اللجوء الانطلاق من تركيا، وبينها أعداد من الفلسطينيين، بعضهم تحطّ بهم المراكب لسبب أو لآخر عند السواحل القبرصيّة، فيما لم تعد الجزيرة وجهة مقصودة ومناسبة لطالبي اللجوء بحسب اللاجئ الفلسطيني السوري على الجزيرة "أسامة عبّاس."
ومن خلال قراءته لأعداد اللاجئين من فلسطينيي سوريا، قال عباس لـبوابة اللاجئين الفلسطينيين أنّ عدد الفلسطينيين السوريين بلغ هناك نحو 400 لاجئ، إلّا أنّ الاعداد تراجعت بسبب سياسات الحدّ من الهجرة، وإنهاء التقديمات، وتوسيع دائرة رفض طلبات اللجوء، والسمعة السيئة للمخيمات.
200 لاجئ فلسطيني من سوريا موجودون في قبرص اليونانية
وأضاف عبّاس: أن فلسطينيي سوريا في قبرص الآن لا يتجاوز عددهم 200 لاجئ، معظمهم ممن تمكّنوا من تثبيت أنفسهم في الجزيرة والحصول على عمل، بعد أن تقطعت بهم سبل المغادرة.
وأشار عباس، إلى أنّ معظم من يأتون الى قبرص من لاجئين جدد، يصلون بعد أن يلقى القبض عليهم من قبل خفر السواحل. مؤكداً أنّ الجزيرة لم تعد وجهة لطلب اللجوء عمّا كانت عليه خلال السنوات السابقة، بسبب السياسات المتشددة، وانعدام الدعم للاجئين عند قبول لجوئهم، سواء من ناحية الإعانات الاجتماعية أو الحصول على فرص عمل.
وتثير الأوضاع الإنسانية داخل مخيّم "بورنارا" قلق منظمات حقوقية قبرصيّة، وقال "المجلس القبرصي للاجئين" في نيسان/ ابريل من العام 2022 الجاري: إنّ 300 شخص قاصر في المخيم "يتشاركون مرحاضين وغرفة استحمام واحدة" ما يعرضهم لخطر انتهاك خصوصيتهم، ولفتت الى سوء الخدمات المقدمة لطالبي اللجوء، وانتقدت الاكتظاظ والظروف غير الإنسانية، وطالبت الجهات البرلمانية في قبرص باتخاذ إجراءات لوقف تدهور أوضاع طالبي اللجوء في البلاد.