مساء التاسع عشر من أكتوبر/ تشرين ثاني 2022، اُعلن عن استشهاد الشاب الفلسطيني عُدي التميمي (22 عاماً) اللاجئ الفلسطيني في مُخيّم شعفاط للاجئين الفلسطينيين بمدينة القدس المحتلة، حيث طورد 12 يوماً بعد تنفيذه عملية إطلاق نار قتل فيها مجندةً صهيونيّة على حاجز شعفاط العسكري، واستشهد بعد تنفيذه عملية أخرى عند مدخل مستوطنة "معاليه أدوميم" المقامة على أراضي فلسطينية شرقي المدينة المحتلة.

الشهيد عُدي التميمي اشتبك حتى النفس الأخير، وفاجأ الاحتلال بكافة أجهزته الأمنية بكل ما للكلمة من معنى، وسطّر نموذجاً خاصّاً، لا سيما وأنّه من مُخيّم شعفاط للاجئين، أي من التجمعات الفلسطينيّة التي نفاها الاحتلال إلى ما وراء الجدار (جدار الفصل العنصري) على مدار سنواتٍ طويلة لتأكل وتطحن بعضها طحناً وتغرق بالأزمات المعيشيّة بشتى الطرق والأساليب والتضييقات لتنسى قضاياها الوطنيّة الأساسيّة وخاصّة قضية اللجوء وحق العودة، لتأتي عملية عُدي وفعله مثبتاً فشل كل هذه التوجهات والمخططات، وانصهار مشاريع التهويد والأسرلة.

رسائل قويّة للاحتلال

بكل تأكيد، عملية مُخيّم شعفاط وجّهت رسائل قويّة لجيش الاحتلال لن ينساها، بهذه الكلمات بدأ الخبير في الشأن "الإسرائيلي" الكاتب الفلسطيني محمود مرداوي تعليقه لبوابة اللاجئين الفلسطينيين إذ أكَّد على أنّ العدو الصهيوني تفاجأ من قوّة وصلابة الشهيد عُدي التميمي الذي عبَّر عن رفضه للاحتلال بالرغم من أنّه شاب في مقتبل العمل وعاش في فترة "التدجين" أو ما أطلق عليه فترة "صناعة الفلسطيني الجديد" وهو من مُخيّم شعفاط الذي يعيش شظف الحياة والعزل ومحاولات الانفصال عن الهويّة، إلّا أنّ هذا الواقع لم يُغيّر من قناعة عُدي الذي يُمثّل الشباب الفلسطيني الصاعد من ناحية ضرورة مقاومة الاحتلال والإصرار على هذه المقاومة من أجل الخلاص من الاحتلال.

ويرى مرداوي، أنّ المفاجأة أيضاً كانت في طبيعة إصرار الشهيد عُدي وجراءته وشجاعته وإقدامه، هذا النموذج الذي يواجه الرصاص من أجل أن يصل إلى جنود الاحتلال، فهذا يزرع الخوف ويدب الرعب والهلع في قلوب جيش الاحتلال، وفي المقابل يزرع الأمل والشجاعة في قلوب الشباب الفلسطيني، فكان نموذجاً ملهماً للفلسطينيين ومرعباً للاحتلال، وأكَّد عُدي أنّ الشعب الفلسطيني مهما كانت ظروفه فهو قادر على تحقيق أهدافه، ونيل حقوقه، وتحقيق جوهر قضيته ولا سيما حق العودة، لأنّ هذا الحق هو جوهر القضيّة الفلسطينيّة من خلال عودة كل الفلسطينيين المهجّرين إلى أراضيهم وقراهم وبيوتهم المهجّرة والمحتلة من قِبل الاحتلال، وذلك بعدما جرى تنفيذ مشروع "سخوت هشيفاه" أي بالعبريّة جمع شتات اليهود الصهاينة وإحضارهم إلى فلسطين لترسيخ الاحتلال عنوةً وحل مشكلة أوروبا والعالم الغربي، في مقابل إخلاء وطرد الفلسطينيين من أرضهم.

الفلسطيني مُصرْ على التشبّث بأرضه

عملية التميمي تسبّبت بحالةٍ من السخرية الكبيرة في صفوف المستوطنين تجاه أجهزة الاحتلال الأمنيّة، فهل نحن فعلاً أمام دليلٍ ملموس على فشل مشاريع التهويد والأسرلة خاصة لأبناء القدس التي يتعامل الاحتلال معها على أساس أنها "عاصمته الأبدية"!

يُشير مرداوي إلى أنّ هذه العملية أكَّدت للاحتلال أنّ كل إجراءاته الأمنيّة المُعقّدة لن تحول دون إصرار الفلسطيني وتشبّثه في أرضه والإصرار في الدفاع عنها، وأراد الشهيد من خلال مكان العملية في مدينة القدس القول: إنّ محاولات التهويد والتشريد والتغرير للفلسطيني لن تمر بل سيُواجهها الفلسطيني بقوّة وصلابة، فهذه الأجهزة الأمنية وكتائب الجيش الـ13 من "مشمار كفول"/ حرس الحدود، إلى جانب جهاز الشرطة و26 كتيبة من الجيش النظامي للاحتلال في الضفة الغربيّة لن تحد من حجم ومستوى المقاومة التي تؤكّد بالملموس أنّ الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق في فلسطين والقدس هي عاصمة هذه الدولة وليس أي أوهامٍ أخرى.

هي انتفاضة بشكل وطابع جديد

أمّا عن رسائل الشعب الفلسطيني من وراء هذه العمليّات المُستمرة، يُؤكّد مرداوي أنّ الرسائل واضحة وهي أنّ العدو مهما تغطّرس وتجبّر وارتكب أفظع الجرائم فإنّ الشعب الفلسطيني متمسك في حقّه بالعودة إلى أرضه مهما تكالبت النُظم الإقليميّة والدوليّة على هذا الشعب، وهذه أيضاً رسالة إلى المجتمع الدولي بأنّ شعبنا لا يُمكن أن يتخلّى أو يتنازل عن حقوقه، وما نُشاهده من اتساع وتعمّق العمليات الفدائيّة في الضفة الغربيّة واتساع بقعة الزيت وزج كل قطعان المستوطنين والجيش بكافة قطاعاته ومستوياته وألويته وفرقه إلى الضفة وشوارعها لن يحد من زخم هذه العمليات التي تؤكّد كل المعطيات أنّها انتفاضة بشكلٍ وطابعٍ جديد تتلاءم مع طبيعة الفلسطيني وعقليّته، فهذا الجيل وُلد وتفتحت عيونه على طبيعة الاحتلال الاستيطانيّة وصلف الاحتلال المُستمر وحجم التطبيع و"التكالب" الإقليمي والتغاضي الدولي، فكل هذا سمح بإنشاء توليفة سينتُج عنها انتفاضة نضاليّة محدّدة تهدف إلى تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الضفة وقطاع غزّة ومناطق الداخل الفلسطيني المُحتل عام 1948.

الاحتلال يُركّز على المخيّمات؟

نعم، الاحتلال يركّز على استهداف المُخيّمات، كيف لا وهي قواعد المقاومة، سواء في مُخيّم جنين، أو في مُخيّم بلاطة، أو في مُخيّم عسكر، ومُخيّم الأمعري، ومُخيّم الجلزون، ومُخيّم قلنديا، ومُخيّم الدهيشة، وكذلك المُخيّمات الفلسطينيّة في قطاع غزّة والشتات، فهذه المُخيّمات أصبحت رمزاً للصلابة والعنفوان الثوري وتميّزت كقواعد للمقاومة والمجموعات المسلّحة التي تخرج من هذه المُخيّمات لمواجهة جيش الاحتلال بإسنادٍ من شعبنا، وستكون كل المُخيّمات والقرى والبلدات الفلسطينيّة في آتون المعركة حتى دحر الاحتلال عن الأرض الفلسطينيّة، يؤكد مرداوي.

وعقب تنفيذ الشهيد عُدي لعمليته الأولى، ضرب الاحتلال حصاراً شاملاً على مُخيّم شعفاط والمناطق المجاورة له ليفرض عقاباً جماعياً على السكّان الفلسطينيين في سياق ما ادّعاه أنّه ضمن إجراءات البحث عن منفّذ العمليّة عُدي التميمي، إلّا أنّ أهالي المُخيّم أعلنوا العصيان المدني الشامل رداً على الحصار الذي ما زالت آثاره مستمرة إلى هذه الأيّام.

تحرّكات لإزالة حاجز شعفاط

وفي سياق مواصلة التصدّي لحصار الاحتلال، يقول رئيس اللجنة الشعبيّة في مُخيّم شعفاط محمود الشيخ لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّه جرى تشكيل لجنة قانونيّة من مجموعة محامين بعد الحصار الذي شهده المُخيّم من أجل بحث إمكانية إزالة الحاجز والجدار غير القانوني.

ويُشير الشيخ إلى أنّ هذا الإجراء يأتي بعد حصار المُخيّم مؤخراً، إذ أصبح المُخيّم سجناً كبيراً بداخله 120 ألف نسمة، والحصار يتسبّب بكارثةٍ وأزمةٍ إنسانيّة لا سيما في ظل الكثافة السكانية في المُخيّم، ومن هنا جاءت الدراسة بشكلٍ جدّي لاتخاذ خطوات تسعى لأن يُزال الجدار والحاجز عن مدخل المُخيّم الغربي.

سايبر ومسيّرات وكاميرات ذكيّة وأجهزة استشعار وتتبع في حيّز "محاصر" والمحصلة اشتباك ثانٍ

ويُذكر أنّ قوات الاحتلال أقامت الحاجز العسكري على مدخل مُخيّم شعفاط من الناحية الغربية، في بداية تسعينيات القرن الماضي، وزادت قسوته عام 2004، كما أن جدار الفصل العنصري أحاط بالمُخيّم عام 2004، وهو ما ضيق على الأهالي، كما يوجد مدخل شرقي للمُخيّم من جهة بلدة عناتا.

يقول الباحث الفلسطيني خالد عودة الله مُعقِباً على العمليّة مساء التاسع عشر من أكتوبر: "12 يوماً من المطاردة انتهت بعمليةٍ ثانية"، بهذا تعنون صحيفة يديعوت أحرينوت خبر عملية "العُديّ" الثانية، العنوان بحد ذاته صفعة وجوديّة لأجهزة الأمن الصهيونية بل وللمجتمع الصهيوني الذي يعيش حالة شيخوخة قتالية يسعى لمعالجتها بجراحاتٍ تجميليةٍ تكنولوجيةٍ.

ويُتابع عودة الله قوله: سايبر وزنانات وكاميرات ذكيّة وأجهزة استشعار وتتبع في حيّز "محاصر" والمحصلة، اشتباك مبادر ثانٍ بروحٍ قتاليةٍ وثّابة وهدوء أعصاب أسطوري صوّرته كاميرات المراقبة بدقةٍ عاليّة!.

11-1.jpg

 

خاص/ بوابة اللاجئين: أحمد حسين – صحفي فلسطيني

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد