لم يخفض جيش الاحتلال "الإسرائيلي" من وتيرة اعتداءاته على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة طيلة الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023، وأسفر التصعيد في العدوان عن استشهاد أكثر من تسعة فلسطينيين وإصابة واعتقال المئات في المخيمات خلال شهر آذار/ مارس 2023.
ورصد موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين مئات الاعتداءات التي تركّزت في مُخيّماتٍ عدّة، وتوزّعت آثار الاعتداءات الصهيونيّة ما بين الإصابات بالرصاص بهدف القتل والتسبّب بالإعاقة، وما بين الاعتقالات والمداهمات لمنازل اللاجئين الفلسطينيين.
وشكّلت مُخيّمات عدّة على طول أراضي الضفة المحتلة، مثل العروب وعقبة جبر وعسكر الجديد وجنين والفوار، كأحد أبرز نقاط المواجهة مع جيش الاحتلال خلال الشهر المذكور.
ومن خلال المتابعة اليوميّة للاعتداءات التي يرتكبها الاحتلال، رصد بوابة اللاجئين الفلسطينيين خلال شهر مارس/ آذار، ارتقاء 9 فلسطينيين من أبناء مُخيّمات اللاجئين الفلسطينيين، منهم 7 شهداء في مُخيّم جنين فقط، فيما تم رصد 96 حالة اعتقال، و162 إصابة من بينها بالرصاص الحي، و230 عملية اقتحام ومداهمة تخلّلها اندلاع مواجهات في 16 مُخيّماً بالضفة من أصل 19 مُخيّماً فلسطينيّاً.
وأوضح الرّصد تقارباً في اعتداءات الاحتلال على المُخيّمات الفلسطينيّة بالضفة خلال شهر مارس/ آذار من ناحية العدد مقارنةً بشهر شباط/ فبراير الذي سبقه، حيث ارتقى خلال فبراير 12 فلسطينياً، وتم رصد 103 حالات اعتقال، و186 إصابة من بينها بالرصاص الحي، و285 عملية اقتحام ومداهمة.
وطالت انتهاكات الاحتلال خلال الشهر الثالث من عام 2023 المُخيّمات التالية: مخيم العروب، ومخيم نور شمس، ومخيم جنين، ومخيم الجلزون، ومخيم عايدة، ومخيم شعفاط، ومخيم الدهيشة، ومخيم الفارعة، ومخيم قلنديا، ومخيم عسكر الجديد، ومخيم عين السلطان، ومخيم عقبة جبر، ومخيم الفوار، ومخيم عسكر القديم، ومخيم العين، ومخيم الأمعري.
الشهداء
ارتقى 9 فلسطينيين في مُخيّمات اللاجئين خلال شهر آذار/ مارس، 7 شهداء في مُخيّم جنين، وشهيد في مُخيّم عقبة جبر، وشهيد في مُخيّم عسكر الجديد، وذلك من أصل 95 فلسطينياً ارتقوا في قرى ومدن ومُخيّمات الضفة المحتلة منذ بداية العام الجاري 2023، بحسب بيانات وزارة الصحّة في حكومة السلطة الفلسطينيّة.
الاعتقالات
وشهد مُخيّم عقبة جبر أكبر عدد في الاعتقالات بمجموع 23 معتقلاً خلال الشهر المذكور، يليه مُخيّم جنين بعدد 10 معتقلين، ومُخيّم شعفاط بعدد 10 معتقلين، ومُخيّم عسكر الجديد بعدد 10 معتقلين، ثم يليه مُخيّمات العروب ونور شمس وعسكر القديم.
إصابات بالرصاص الحي
وخلال اقتحامات الاحتلال للمُخيّمات المذكورة، أصيب 162 لاجئاً من ضمنهم برصاص الاحتلال الحي، حيث كان مُخيّم عقبة جبر للشهر الثاني على التوالي أبرز المُخيّمات التي سُجل فيها إصابات بعدد 40 إصابة، إلى جانب مُخيّمي العروب وجنين في مقدّمة المُخيّمات التي سُجلت فيها الإصابات بمجموع 44 إصابة منها بالرصاص الحي، بالإضافة إلى إصابة المئات اختناقاً بالغاز وجرى علاجهم ميدانياً من قِبل الطواقم الطبيّة المختلفة.
مداهمات واندلاع مواجهات
ويكشف الرصد، أنّ قوات الاحتلال اقتحمت المُخيّمات المذكورة 230 مرّة ما بين ساعات الفجر والصباح، وساعات المساء والليل المتأخّر، وكان مُخيّم عقبة جبر للاجئين الفلسطينيين للشهر الثاني على التوالي أكثر المُخيّمات عرضة للاقتحام من قِبل قوات الاحتلال خلال الشهر الثالث للعام 2023 بعدد 48 اقتحاماً، يليه من ناحية العدد مُخيّمات العروب وجنين بمجموع 61 اقتحاماً.
المقاومون يخرجون من بين جدران المُخيّمات
وفي وجه الاعتداءات المتصاعدة، تتصدى المُخيّمات الفلسطينيّة جرائم الاحتلال، إمّا من خلال المواجهات ورشق الحجارة وإغلاق الطرقات أمام حركة مركبات قوات الاحتلال والمستوطنين، أو من خلال الاشتباكات المسلّحة التي توقع الإصابات في صفوف جيش الاحتلال بين الحين والآخر، ممّا يجعل تكلفة المواجهة أعلى من حيث عدد الشهداء والجرحى، ومئات حالات الاعتداء والاعتقال كما يتبيّن من الرصد الذي نقدّمه بشكلٍ دوري.
يقول مدير مركز فلسطين لدراسات الأسرى، الباحث رياض الأشقر لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ الهجمة الشرسة على المُخيّمات الفلسطينيّة بالضفة المحتلّة هي جزء من الهجمة المستمرة التي يُمارسها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني بأكمله بهدف إخضاعه، وإرغامه على التسليم بالأمر الواقع، وتركيز الاحتلال على المُخيّمات فذلك لأنه يعتبرها بؤرة للمقاومة والتصدي وهي من تُخرِّج من بين جدرانها المقاومين ومنفذي العمليات البطولية.
10 معتقلين يومياً من مُخيّمات اللاجئين
ويضيف الأشقر: لذلك نجد أن الاحتلال يواصل بشكلٍ متصاعد عدوانه على مُخيّمات اللاجئين من خلال تكثيف عمليات الاقتحام والاعتقال، إذ لا يكاد يمر يوم إلّا وتجرى فيه عمليات اعتقال لما يقارب 10 شبّان من المُخيّمات الفلسطينيّة، ويتم إطلاق سراح بعضهم بعد التحقيق لساعاتٍ أو أيّام؛ بينما يُنقل البقية إلى مركز التحقيق والسجون، فيما يتم تحويل عدد منهم للاعتقال الإداري في حال لم يتمكن الاحتلال من إثبات أي تهم بحقهم.
وحول انتهاكات الاحتلال بحق المُخيّمات التي يرصدها مركز فلسطين بشكلٍ دائم، يوضّح الباحث الأشقر، أنّ الاحتلال يستخدم سياسة الاعتقالات كسلاحٍ وأداة من أدوات القمع التي يُحارب فيها الوجود الفلسطيني بهدف إخضاعه وتخويفه، وهي وسيلة من وسائل الانتقام والعقاب الجماعي ومحاولة للقضاء على المقاومة في هذه المُخيّمات، بحيث لا يوجد بيت فلسطيني داخل المُخيّمات إلا واُعتقل أحد أبنائه أو أكثر، وهناك عائلات كاملة تعرّضت للاعتقال بما فيها الأب والأم.
60% من اعتقالات الاحتلال بالضفة من المُخيّمات
ويُشير الأشقر إلى أن ما يُقارب من 60% من عمليات الاعتقال التي تجري في أنحاء الأراضي الفلسطينيّة يتم تنفيذها في المُخيّمات الفلسطينيّة المحتلة مع التركيز على مُخيّماتٍ بعينها مثل مُخيّم جنين في مدينة جنين، ومُخيّم بلاطة في نابلس، ومُخيّم الدهيشة في بيت لحم، ومُخيّم نور شمس في طولكرم، ومُخيّمي الفوار والعروب في الخليل.
ويُوضح الأشقر، أنّ قوات الاحتلال تداهم المُخيّمات تقريباً بشكلٍ يومي وتجري عمليات اقتحام للمنازل بشكلٍ تعسفي وهمجي، وفي بعض الأحيان تُفجّر أبواب وشبابيك المنازل وتقتحمها بشكلٍ مفاجئ لاعتقال من تسميهم بـ"المطلوبين"، وترعب الأطفال والنساء، إلى جانب إطلاق النار داخل المنازل بهدف التخويف، ثم تقوم القوات المقتحمة بتدمير محتويات المنازل بالكامل وتخرّب ممتلكات السكّان بحجّة أنّها تفتّش على أغراضٍ ممنوعة، وبعد ذلك تقوم باعتقال من تريد وتعتدى عليه بالضرب في الكثير من الحالات أمام عائلته قبل أن تنقله عبر الآليات العسكرية إلى مراكز التوقيف والتحقيق.
وبشأن صمود المُخيّمات وردّها على كل هذه الانتهاكات بالأشكال والوسائل المُختلفة، يرى الباحث الأشقر أنّ عمليات الاعتقال والتنكيل التي يتعرّض لها أبناء الشعب الفلسطيني في مُخيّمات الضفة لا تفت من عضدهم؛ إنما تزيدهم قوّةً وتمسكاً بحقهم وأرضهم ومقدساتهم، فهم يدافعون عن أعدل قضية عرفها التاريخ، وما يُمارسه الاحتلال بحقهم فَشِل بشكلٍ واضح في تحقيق أهدافه بإخضاع الشعب الفلسطيني وردعه، وتخويفه عن الاستمرار في طريق المقاومة حتى دحر الاحتلال.
تحريض متواصل على المُخيّمات لارتكاب المزيد من المجازر
ويرى الأشقر:أن عملية الاعتقال بحد ذاتها صارت مفخرة للشباب الفلسطيني وسط احتضان شعبي ورسمي وفصائلي للأسرى الذين ضحوا من أجل كرامة الشعب الفلسطيني وحريته، كما يخرج الأسرى من السجون أشد عوداً وأصلب إرادةً وعزيمة، ويواصلون بعد التحرّر طريق المقاومة، والعديد منهم خرجوا من السجون بعد أن أتمّوا تعلميهم الأساسي والجامعي وبعضهم حصل على شهادات في الدراسات العليا.
وتجدر الإشارة إلى أنّ مُخيّمات اللاجئين في الضفة والقدس المحتلتين دائماً تكون مادةً دسمة للتحريض "الإسرائيلي" وبشكلٍ متواصل، ما ينذر باستمرار العدوان على هذه المُخيّمات رغم كل المجازر التي ارتكبها الاحتلال وقوبلت برفضٍ دولي وعربي وفلسطيني واسع.
مُخيّمات اللاجئين "عِش دبابير"
في هذا الجانب، يقول الباحث الأشقر: جيش الاحتلال ومنذ الانتفاضة الأولى في العام 1987 يعتبر مُخيّمات اللاجئين "عش دبابير" يقود المقاومة ويغذّيها بالعتاد والرجال، لذلك فإنّ عمليات التحريض التي يُمارسها الاحتلال بحق المُخيّمات تأتي في طار الحرب المستمرة والتمهيد لارتكاب مزيدٍ من الجرائم في المُخيّمات سواء من خلال ممارسة القتل أو الاعتقال أو هدم منازل اللاجئين.
ويختم الأشقر بالقول: يحاول الاحتلال من خلال التحريض ضد الفلسطينيين بشكلٍ عام ومُخيّمات اللاجئين بشكلٍ خاص، ربط المقاومة بـ"الإرهاب"، وذلك لحشد الرأي العام الدولي والعربي إلى جانبه والتقليل من موجه التعاطف مع القضيّة الفلسطينيّة، ليعزل الفلسطينيين عن محيطهم العربي والدولي ويستفرد بهم، ويرفع أيضاً من فاتورة انتمائهم لقضيتهم وسلوكهم لطريق المقاومة.