الاردن - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
تقرير : تامر خرمه
انتزاع القوت اليوميّ من براثن العوز، وانتظار فرج ما على ناصية البقاء على قيد الأمل، ليست بالمهمّات اليسيرة، التي ألقيت على أكتاف أهالي مخيّم الحصن، الواقع في بقعة معزولة، على مسافة 80 كيلومتراً شمال العاصمة الأردنيّة عمّان.
أكثر من 22 ألف لاجئ مسجّل لدى وكالة الأونروا، معظمهم من مدينتيّ بيسان وطوباس الفلسطينيّتين، يعيشون في هذا المخيّم، الذي يعاني عزلة جعلت من إمكانيّة نجاح أيّ من المشاريع التجاريّة الصغيرة فيه، ضرباً من ضروب المستحيل، فعلى عكس غالبيّة مخيّمات اللاّجئين التي أقيمت على الأراضي الأردنيّة، يفتقر مخيّم الحصن إلى الأسواق التي من شأنها تنشيط الحركة الاقتصاديّة، في ظلّ تفشّي البطالة على نحو مرعب.
وإلى جانب الفقر والبطالة، يعاني أهالي المخيّم معضلة الفساد الذي ينخر في مختلف المؤسّسات الرسميّة وشبه الرسميّة، وانتشار المخدّرات، والعنف، والأفكار المتشدّدة، ناهيك عن مشاكل التلوّث الناجم عن سوء البينة التحتيّة.
لاجئون في مهبّ العنف والإضطهاد والإدمان
حالة البؤس، والاحتقان الاجتماعيّ، الذي يعانيه أهالي مخيّم الحصن، جعلا من اندلاع المشاجرات الجماعيّة العنيفة -التي وصلت إلى حدّ القتل في أكثر من محطّة- أمراً متوقّعاً في أيّة لحظة. أمّا تجارة المخدّرات، فقد انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل علنيّ، مقابل غضّ طرف غريب، من قبل الأجهزة الأمنيّة الأردنيّة.
هذا الواقع، دفع أهالي المخيّم مؤخّراً إلى المبادرة بتشكيل لجنة شعبيّة لمكافحة المخدّرات، وفقاً لما يؤكّده علي عليّان، حيث أعلنت مجموعة من الشباب عن المبادرة في المساجد، وعبر زيارات منزليّة، توّعدوا خلالها كلّ من يروّج لهذه الآفة. بيد أن جذور الأزمة، المتمثّلة بالفقر والبطالة، أفرزت مشاكل اجتماعيّة أخرى، قد يصعب حلّها.
بعض شباب المخيّم اضطرّ إلى العمل لدى جهاز الدرك، الذي تقرّر تأسيسه في العام 2008، بهدف مواجهة الاحتجاجات الشعبيّة في حال نشوبها. البعض الآخر ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، والعمل فيما يسمّى بالمدن الصناعيّة المؤهّلة، التي قرّر الكونغرس الأميركيّ إنشاؤها في الأردن عام 1996، لتطبيع علاقات المملكة الاقتصاديّة مع الاحتلال الصهيوني.
وتعمل غالبيّة النساء اللواتي التحقن بهذه المدن الصناعيّة في قطاع الغزل والنسيج، وهو أكثر القطاعات التي يعاني العاملون فيها مآسي الظلم والاضطهاد وشتّى أنواع الاستغلال، وذلك مقابل أجر لا يكاد يكفي لإسكات الأمعاء الخاوية.
المفارقة اللاّفتة، أنّ الفقر المدقع، الذي يعانيه كثير من أهالي المخيّم، أدّى إلى انحسار بعض الآفات الاجتماعيّة، والتي تفشّت بين النساء بشكل خاص خلال العقد الماضي، كظاهرة الدجل والشعوذة، وذلك نتيجة عدم امتلاك ما يكفي من المال لإنفاقه في جيوب "العرّافين".
يقول المعلّم خالد جمعة، إن المشاكل الاجتماعيّة التي يعانيها مخيّم الحصن، لا تقتصر أسبابها على الفقر والعوز، بل تتجاوزها إلى تدهور أوضاع المدارس التابعة لوكالة الغوث "الأنروا"، وتدنّي مخرجات التعليم إلى درجات مخيفة.
تراجع المساعدات التي كانت تقدّمها "الأنروا" للاجئين، والتي طالت القطاع التعليميّ، أفضت إلى "استقالة معظم المعلّمين الذين يمتلكون الخبرة، والتحاقهم بالمدارس الحكوميّة الأردنيّة، أو بالقطاع الخاصّ"، يردف جمعة. أضف إلى هذا الاكتظاظ الكبير في صفوف مدارس "الأنروا" داخل هذا المخيّم بشكل خاصّ.
مياه ملوّثة ومثلّث موت
وكأنّ تراجع المساعدات التي تقدّمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين لا يكفي، تغوّل الفساد على المؤسّسات الأخرى المعنيّة بتقديم الخدمات للناس، كلجنة تحسين المخيّم التابعة لدائرة الشؤون الفلسطينيّة، والتي يهيمن عليها منطق "الواسطة" و"المحسوبيّة"، ولغة الانتفاع والمكاسب الشخصيّة، ما انعكس سلباً على أداء هذه اللجنة، وحرم أهالي المخيّم ممّا يفترض أن تقدّمه لهم.
حتّى النادي الرياضي الاجتماعي للمخيّم، وهو نادي الكرمل، مازال رئيسه يستحوذ على منصبه منذ أكثر من سبعة عشر عاما.
"الانتخابات" لا تعرف الطريق إلى مخيّم الحصن إلاّ في المحطّات السياسيّة المتعلّقة بالشأن الأردنيّ، كالانتخابات البرلمانيّة، التي تثير شهيّة الطامحين من المرشّحين، لاستغلال فقر الناس، وشراء أصواتهم الانتخابيّة.
وهكذا بقيت الأوضاع في مخيّم الحصن تتراجع إلى أسوأ المستويات، فمن ضيق مساحات السكن، إلى رداءة التنظيم، والافتقار إلى البنية التحتيّة، وصل الأمر إلى اختلاط مياه الشرب بالمياه العادمة، التي كثيراً ما تفيض في زقاق المخيّم، لتشكّل مستنقعات جاذبة لشتّى أنواع القوارض.
شركة المياه التابعة للحكومة الأردنيّة، لجأت في محطّات مختلفة إلى حلول جزئيّة مؤقّتة، عوضاً عن حلّ أزمة التلوّث، كفصل عدّادات المياه المربوطة على وصلة قرب احد مناهل الصرف الصحّي، وتفريغ خزّانات بعض السكّان من المياه، وتزويدهم بمياه بديله بواسطة صهاريج.
وهكذا يستمرّ كلّ من وزارة المياه ولجنة تحسين المخيّم بإلقاء مهمّاته على عاتق الآخر، دون حلّ الأزمة، وذلك رغم تخصيص الحكومة الأردنيّة مبلغ 250 ألف دينار، لإعادة صيانة خطوط الصرف الصحي المتهالكة.
وليت المشاكل تقف عند حدود رداءة البنية التحتيّة، ولا تتجاوزها إلى حرمان أهالي مخيّم الحصن من سبل العيش اللائق.
حتّى المنظّمات غير الحكوميّة الدوليّة، التي تزعم العمل في مجالات المساعدات الإنسانيّة، ألقت أحمالها وفرّت من المخيّم أكثر من مرّة، نتيجة الفساد المعشعش في المؤسّسات التي ينبغي التنسيق معها لتقديم الرعاية والمساعدات، فمؤخّراً أوقفت إحدى المنظّمات الألمانيّة العمل على مشروع يمكن وصفه بالخحول مقابل الاحتياجات الحقيقيّة التي يأمل الأهالي تلبيتها، حيث اقتصر المشروع -قبل فشله- على طلاء المنازل، وفقا لما يؤكّده "أبو محمّد".
ومن أحد أبرز المشاكل التي يعانيها مخيّم الحصن، هو ما يطلق الأهالي عليه اسم "مثلّث الموت"، وهو تقاطع مروريّ يشهد سرعات عالية للغاية، ويعدّ ممرّاً للآلياّت الثقيلة القادمة من المحاجر والكسّارات، للالتفاف والعبور الى مدينة اربد، كما ينبغي على المركبات القادمة من مدينتيّ اربد والحصن الالتفاف عبره لدخول المخيّم.
ولا يكاد يمضي أسبوع دون وقوع حادث على هذا التقاطع، الذي كان سبباً لكثير من حالات الوفاة، ومازالت مطالب الناس بإيجاد حلّ لهذه المشكلة، مهملة في أدراج المعنيّين، شأنها شأن مطالبهم الأخرى، سواء المتعلّقة بتدهور أوضاع المدارس، أو فياضانات المياه العادمة.