اعتداءات الاحتلال على مخيمات الضفة خلال حزيران تستتبع بعدوانٍ على جنين

الجمعة 07 يوليو 2023
(إصابات جراء مجازر الاحتلال المستمرة في الضفة)
(إصابات جراء مجازر الاحتلال المستمرة في الضفة)

للشهر السادس على التوالي، تصاعدت جرائم الاحتلال "الإسرائيلي" ضد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالضفة الغربية، في سياق عدوانٍ دموي متواصلٍ أدّى لاستشهاد العشرات وإصابة واعتقال المئات منذ بداية العام الجاري.

وخلال شهر حزيران/ يونيو 2023، رصد موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين مئات الاعتداءات التي تركّزت في مخيمات عدّة بالضفة، واختلفت هذه الاعتداءات بحق الفلسطينيين ما بين إطلاق الرصاص الحي والمطاطي والقنابل والقذائف والغاز المسيل للدموع، والاعتقالات والمداهمات لمنازل اللاجئين الفلسطينيين.

وشكّلت مخيمات عديدة في الضفة، مثل جنين وبلاطة وعقبة جبر وعسكر، أبرز نقاط المواجهة مع جيش الاحتلال خلال الشهر الماضي، حيث رصد بوابة اللاجئين الفلسطينيين خلال شهر حزيران/ يونيو، ارتقاء 14 فلسطينياً من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الضفة، فيما تم رصد 65 حالة اعتقال، و490 إصابة من بينها بالرصاص الحي، و252 عملية اقتحام ومداهمة تخلّلها اندلاع مواجهات في 16 مخيماً بالضفة من أصل 19 مخيماً فلسطينيّاً.

ويكشف الرّصد تصاعداً كبيراً في اعتداءات الاحتلال على المخيمات الفلسطينيّة بالضفة خلال شهر حزيران/ يونيو من ناحية العدد مقارنةً بشهر أيار/ مايو الذي سبقه وخاصّة في أعداد الشهداء، حيث ارتقى خلال أيار/ مايو 11 فلسطينياً.

وطاولت انتهاكات الاحتلال خلال الشهر السادس من عام 2023 المخيمات التالية: مخيم العروب، ومخيم نور شمس، ومخيم جنين، ومخيم الجلزون، ومخيم شعفاط، ومخيم الدهيشة، ومخيم عين السلطان، ومخيم الأمعري، ومخيم طولكرم، ومخيم عسكر، ومخيم الفوار، ومخيم بلاطة، ومخيم عقبة جبر، ومخيم العين، ومخيم الفارعة، ومخيم قلنديا.

الشهداء

ارتقى 14 فلسطينياً في مخيمات اللاجئين خلال شهر حزيران/ يونيو، 9 منهم في مخيم جنين، و3 في مخيم بلاطة، وشهيد في مخيم العين، والشهيد الآخر في مخيم عسكر، فيما شهد مخيم عقبة جبر وجنين أكبر عدد اعتقالات بمجموع 28 معتقلاً خلال الشهر المذكور، يليهما مخيم عسكر بعدد 10 معتقلين.

إصابات بالرصاص الحي

وخلال اقتحامات الاحتلال للمخيمات المذكورة، أصيب 490 لاجئاً من ضمنهم برصاص الاحتلال الحي، حيث كان مخيم جنين أبرز المخيمات التي سُجل فيها إصابات بعدد 220 إصابة، يليه مخيم بلاطة بعدد 135 إصابة، فيما يأتي مخيما عقبة جبر وعسكر في مقدّمة المخيمات التي سُجلت فيها الإصابات بمجموع 62 إصابة منها بالرصاص الحي، إلى جانب إصابة المئات اختناقاً بالغاز وجرى علاجهم ميدانياً من قِبل الطواقم الطبيّة المختلفة.

3-1.jpg

 

مداهمات واندلاع مواجهات

كما كشف الرصد، أنّ قوات الاحتلال اقتحمت المخيمات المذكورة 252 مرّة ما بين ساعات الفجر والصباح، وساعات المساء والليل المتأخّر، وكان مخيم عقبة جبر للاجئين الفلسطينيين وللشهر الخامس على التوالي أكثر المخيمات تعرضاً للاقتحام من قِبل قوات الاحتلال خلال الشهر السادس من عام 2023 بعدد 45 اقتحاماً، يليه مخيم بلاطة بعدد 38 اقتحاماً، ثم مخيم جنين بعدد 37 اقتحاماً.

في المقابل، يواصل أبناء المخيمات الفلسطينية بالضفة مواجهة جرائم الاحتلال بشتى الإمكانات المتوفّرة لديهم، ويراكمون قوتهم رغم مجازر الاحتلال المستمرة، ولعل ما جرى في 3 و4 تموز/يوليو بمخيم جنين من عدوانٍ واسعٍ ومكثّف دليل على ذلك، إذ يعجز الاحتلال عن تحقيق أهدافه المعلنة أي القضاء على المقاومة، وما يستطيع فعله فقط هو قتل المدنيين وتدمير البنية التحتية للمخيم، بحسب ما أكدته كتائب المقاومة والشريحة الكبرى من الأهالي.

المخيمات نتاج النكبة الفلسطينية لذا ستظل المقاومة فيها حاضرة

يقول مدير مركز مسار للدراسات، والخبير المختص بالشأن "الإسرائيلي" نهاد أبو غوش لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ ما يرتكبه الاحتلال في المخيمات الفلسطينية من مداهماتٍ واعتقالاتٍ يوميّة هو جزء من الهجوم الشامل الذي تشنّه حكومة الاحتلال على الشعب الفلسطيني، وحلقة ضمن سلسلة متكاملة من الحلقات تشمل الهجوم على كل المكوّنات والأرض الفلسطينيّة من قِبل جيش الاحتلال والمستوطنين.

ويُؤكّد أبو غوش، أنّ هناك سمة تاريخية للمُخيّمات التي تعتبر نتاج للنكبة الفلسطينية ونتاج الاحتلال، وليست مجرّد معاناة مستمرة على الدوام، بل حالة عاطفيّة ومعنويّة وسياسيّة متقدة ومتوهّجة دائماً في وجه الاحتلال، فعندما يرى أهالي مخيم جنين قراهم وبلداتهم التي هُجّروا منها عنوةً وهي على مرمى النظر بعد عدّة كيلو مترات وحرموا منها وأصبحوا مكدّسين اليوم في مخيم يفتقد أبسط مقومات الحياة الإنسانية، كل ذلك يؤجّج فكر المقاومة ونزعة التمرّد على واقع النكبة ونتائجها والحالة التي وصل إليها الوضع الفلسطيني.

العمل المقاوم الموحَّد نمط حديث ولد في المخيمات

ويُضيف أبو غوش: المخيمات دائماً كانت حاضنة للعمل الفدائي والعمل الموحّد، واليوم هناك مخيمات مثل مخيم جنين الذي صار يمثّل نموذجاً في العمل المقاوِم الموحّد وهذه هي السمة الأبرز في ظهور صيغة المقاومة بنمطها الحديث داخل المخيمات، بالإضافة إلى الدلالات التاريخيّة والرمزيّة التي يحملها المخيم باعتباره محطّة مؤقّتة على طريق العودة والتمسّك بالحقوق الوطنيّة.

مخيم جنين.. الحلقة الأصعب

وحول ما يجري في جنين من عدوانٍ شامل بدأه الاحتلال منذ فجر الاثنين 3 تموز/ يوليو، يُشير أبو غوش إلى أنّ مخيم جنين يُسميه الاحتلال "الحلقة الأصعب"، لذلك يريد كسر هذه الحلقة لما يمثّله المخيم من نموذج أسطوري للتصدي والمقاومة والصمود، وجنين كانت دائماً سبّاقة في العمل الفدائي ولم يكن آخر هذه العمليات الفدائيّة ما جرى في العام 2002، بل كانت المقاومة موجودة في جنين منذ ثلاثينيات القرن الماضي وخلال معارك احتلال فلسطين في العام 1948، مروراً بما جرى في العام 2002، وصولاً إلى تشكّل التشكيلات العسكريّة المقاومة في المخيم كما يجري اليوم.  

ويرى أبو غوش أنّ مخيم جنين يمثّل قلعة للمقاومة ونموذجاً أصبح يتخطّى الجغرافيا وينتقل إلى مناطق أخرى في الضفة، لذلك الاحتلال أراد كسر هذا النموذج وتحويل المقاومة من كونها رافعةٍ لاستنهاض الحالة الوطنيّة ومحل فخر واعتزاز للشعب الفلسطيني إلى إظهارها بأنّها "السبب في معاناة الناس"، فهو يريد إيصال رسالة للشعب بأنّ "المقاومة هي سبب تهجيركم ومعاناتكم"، إلّا أنّ الحقيقة غير ذلك والشعب الفلسطيني يعي جيداً ما يفعل، والهجوم اليوم على جنين لا ينفصل على الإطلاق عن مسلسل الهجوم الشامل على الشعب الفلسطيني بهدف "حسم الصراع" بالقوّة.

وإلى جانب ذلك، يرى أبو غوش: أنّ هناك ضعفاً واضحاً في تقديم ردٍ فلسطيني متكامل ومنهجي من قِبل القوى الفلسطينيّة الرسمية، والاكتفاء بردودٍ متفرّقة هنا وهناك، لذلك الاحتلال يريد كسر المخيمات والاستفراد بالمدنيين وتهجيرهم قسراً كما يجري في جنين الآن، حيث المسعى "الإسرائيلي" ليس فقط تهجير السكّان بل تغيير تضاريس المخيم وملامحه وتوسيع شوارعه لتسهل عمليات اقتحامه واجتياحه في أي وقتٍ لاحق، بحسب قوله.

ردود فعل لا تتجاوز التصريحات والبيانات

يقول أبو غوش: البعض في كيان الاحتلال يطالب بتطبيق عملية "السور الواقي 2" في شمال الضفة، لا سيما وأنّهم لا يرون سوى الحلول العسكريّة التي تثخن في جراح الفلسطينيين، لكنّ الحقيقة أنّهم فعلاً يستبيحون حياة الفلسطينيين ودماءهم بكل سهولة طالما أنّهم يحصلون على ضوء أخضر من الولايات المتحدة والغرب الاستعماري، إلى جانب أن ردود الفعل العربيّة والإسلاميّة وحتى الفلسطينيّة إلى حدٍ كبير لا تتجاوز التصريحات والبيانات.

ويضيف: أن الاحتلال ليس مضطراً للقيام بعملية على غرار ما جرى في العام 2002 حينما كانت الاقتحامات لكل المدن، بل يريد عملية تُلحق بالشعب الفلسطيني أكبر قدر من الخسائر مع أقل قدر من التكاليف في حياة جنوده والتبعات الإقليميّة والدوليّة، وبدأ الاحتلال العملية العسكرية في جنين حتى دون أهدافٍ معلنة، وفي ظل حالة الصمت والتواطؤ الدولي ربما تأخذ هذه العملية أبعاداً متدحرجة من حيث محاولة تغيير طبيعة وتضاريس مخيم جنين.

وأسفر العدوان الصهيوني الأخير على مخيم جنين شمال الضفة المحتلة، عن استشهاد 13 فلسطينياً وإصابة أكثر من 120 ودمار 80 % من منازل ومنشآت المخيم، حيث بلغ عدد المنازل المدمرة كلياً 300 منزل، بالإضافة إلى أكثر من 400 منزل مهدم بشكل جزئي، فيما تم تدمير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي والهاتف الأرضي بشكل كامل، ونزح خلال العدوان 3 آلاف لاجئ فلسطيني عن منازلهم، ما يزال أغلبهم مشرداً بسبب دمار البيوت.

أحمد حسين – صحفي فلسطيني

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد