لم يكن تحذير المفوّض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" "فيليب لازاريني" الذي أطلقه في مؤتمر صحفي على هامش اجتماعات اللجنة الاستشاريّة في بيروت في شهر حزيران/يونيو الماضي تحذيراً عادياً، بل دقّ من خلاله ناقوس الخطر الذي يُهدّد الوكالة الأمميّة بشكلٍ جدّي، مُعلناً أنّ الوكالة مهدّدة بتوقّف خدماتها في شهر أيلول/ سبتمبر المقبل في حال لم يتم تأمين 300 مليون دولار لحل الأزمة المالية قبل نهاية العام.
"لازاريني" أضاف أنّ وكالة "أونروا" "محتجزة في وضعٍ راهنٍ لا يُحتمل"، وفي حال الإخفاق بجمع الأموال اللازمة للوكالة، فإنّ الآثار الإنسانيّة والسياسيّة ستكون هائلة على المنطقة وخارجها.
ورغم تأكيد "لازاريني" أنّ الأزمة هذه المرّة حقيقيّة ولا يمكن تجاوزها، إلّا أنّ ردود الفعل وخاصّة من الجهات الرسميّة الفلسطينية ظلت بالرتابة المعتادة، واكتفت منظمّة التحرير الفلسطينيّة من خلال دائرة شؤون اللاجئين من هذه الأزمة بالتحذير داعية العالم إلى التدخّل وسد العجز المالي، ومُشيرةً إلى أنّ تحقيق الاستقرار المالي لميزانية "أونروا" يتطلّب تأمين تمويلٍ كافٍ ومستدام قابل للتنبّؤ، وطالبت الدول المانحة بتوقيع اتفاقيات تمويل متعدّدة السنوات، والخروج من التمويل الطوعي غير المستقر، الذي يضع "أونروا" في أزماتٍ متكرّرة ومتجدّدة في كل عام، وهي تصريحات مهمة لو أنها اقترنت بممارسة ملموسة لتنفيذها عبر الضغط الدبلوماسي على الأمم المتحدة والدول المانحة.
هذه التصريحات وغيرها خرجت من جهاتٍ رسميّة وشعبيّة ومؤسّساتيّة حتى بعد مؤتمر المانحين الذي عُقد في الثاني من حزيران/ يونيو الماضي بنيويورك، وجاءت نتائجه مُخيّبة لآمال جميع الأطراف، لكن وأمام الخطر الجدّي الذي أشار إليه مفوّض عام "أونروا"، هل فعلاً المطلوب فقط تصريحات وبيانات تؤكّد المُؤكّد وتوصّف وتشخّص وضع الوكالة جرّاء هذه الأزمة المعروف تبعاتها للجميع، أم أنّ المطلوب فعل حقيقي وخطوات من كافة الأطراف المعنيّة على المستوى العربي والدولي لوضع حدٍ لهذه الأزمة، فما هي الخطوات المطلوبة فلسطينياً، خاصّة من منظمة التحرير والسلطة الفلسطينيّة؟
ندعو إلى تشكيل جسم فلسطيني موحّد للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين
يصف رئيس دائرة شؤون اللاجئين واللجان الشعبيّة في حركة حماس محمد المدهون لبوابة اللاجئين الفلسطينيين تصريحات المفوّض العام لوكالة "أونروا" بالخطيرة هي والتي سبقتها للأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيرتش" بشأن "أونروا" وخدماتها التي تُقدّم للاجئين الفلسطينيين، ويرى أن المطلوب فلسطينياً على الصعيد الرسمي تدشين حراك دولي ودبلوماسي للخروج بموقفٍ واضح يعطي الأزمة حجمها الحقيقي، خاصّة أنّ منظمة التحرير الفلسطينيّة والسلطة ممثلتان على مستوى جميع المؤسّسات الدوليّة، سواء الأمم المتحدة وجامعة الدول العربيّة ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها.
وأطلق المدهون دعوة إلى كافة الأطراف المعنيّة لإنقاذ وكالة "أونروا" وعدم التغوّل على حقوق وخدمات اللاجئين أكثر مما وصلت إليه، قال فيها: ندعو جميع الأطراف إلى تشكيل جسمٍ فلسطيني موحّد يعمل بشكلٍ دائم وليس بالقطعة للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين وحماية وكالة "أونروا"، وهذا الجسم يشمل كل المكوّنات الفلسطينيّة، من منظمة التحرير ممثلة بدائرة شؤون اللاجئين، إلى حركة حماس بمؤسّساتها ولجانها الشعبيّة، وجميع القوى والفصائل والمكوّنات المعنية بعمل وكالة "أونروا"، وذلك من أجل العمل على حماية الوكالة، وهذا الأمر ليس صعباً لكنّه يحتاج إلى إرادة من الجميع لإعادة ترتيب الأولويات واستشعار خطورة هذه المرحلة.
الأونروا عرضة للابتزاز الدائم وعلى الاحتلال أن يدرك أن انهيار الوكالة مقابله العودة
وينبه المدهون إلى أهمية أنّ يكون هناك وعي على صعيد جمهور اللاجئين الفلسطينيين بخطورة الموقف، ما يستدعي من الجميع وقفّة جادّة إزاء هذه الأزمة، وتنظيم أكبر حملة للتوعيّة الجماهيريّة لمخاطر ابتزاز "أونروا" سياسياً أو انهيارها وفقدان خدماتها، وهذا يحتاج إلى الخروج بالجماهير ضد المواقف الدولية الصادرة من دول لا تلتزم بالمنح التي تُعلن عنها، وضد الأمم المتحدة التي ترفض تخصيص ميزانية ثابتة لوكالة "أونروا" حتى لا تظل عرضة للابتزاز الدائم.
ويرى المدهون "أن المطلوب أيضاً أن يشعر الاحتلال بخطورة الوصول إلى مرحلة انهيار وكالة "أونروا" التي أنشئت لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إلى حين عودتهم، وأنه إذا انهارت هذه الوكالة الأمميّة وأصبحت في طي النسيان، فالبديل الفوري هو ممارسة حق العودة إلى القرى والمدن التي هُجروا منها عام 1948، ويجب على جموع اللاجئين الخروج باتجاه الحدود في كل مكان على محاذاة حدود فلسطين المحتلة وممارسة حقها القانوي والشرعي وفق كل الأعراف والقوانين الدوليّة التي تكفل حق عودة اللاجئين، وليرد الاحتلال حينها كما يشاء على هذه التحركات، وليشهد العالم الظلم التاريخي الذي يتعرّض له اللاجئ الفلسطيني الذي أوقعته الإرادة الدوليّة الممثلة بالإدارة الأمريكيّة اليوم، والمملكة المتحدة البريطانيّة سابقاً، وتتحمّل الإرادة الدوليّة مسؤوليّاتها والكف عن الاستخفاف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين" بحسب قوله.
3 مطالب استراتيجيّة مطلوب من منظمة التحرير العمل لتحقيقها
ويقول المدهون: إنّ المطلوب من الدول العربيّة الالتزام بما تعهّدت بالتبرّع به لصالح وكالة "أونروا" من خلال دفع المبالغ المالية كمرحلةٍ أولى، ومن ثم تقوم جامعة الدول العربيّة ومنظمة المؤتمر الإسلامي بإصدار مواقف وتنظيم حراكات لمواجهة خطر انهيار وإفلاس وكالة "أونروا"، ويكون هذا الحراك وفق منهجيّة واضحة تخدم من خلالها حماية وكالة "أونروا" من هذا الخطر.
ويضيف: إن مؤتمر المانحين في نيويورك كان مليئاً بالخذلان للاجئين ولوكالة "أونروا" التي ظلّت رهينة لعطف الدول المانحة، وحتى المؤتمر الاستشاري في بيروت لم يُرفع سقف التوقعات تجاه خروجه بنتائج حقيقيّة، لأنّه يوفّر الدعم المعنوي للوكالة ويخرج بمواقف سياسيّة داعمة ومُساندة فقط.
ويتابع: بأن المطلوب من السلطة الفلسطينيّة وفي أسرع وقتٍ ممكن الدعوة إلى عقد اجتماعٍ عاجل في الأمم المتحدة للمطالبة بثلاثة مطالب استراتيجيّة أمام العالم، وهي: أولاً تخصيص ميزانيّة خاصّة لوكالة "أونروا" كجزءٍ من ميزانيّة الأمم المتحدة، فهذا مطلب قديم جديد حتى لا تبقى "أونروا" عرضة للابتزاز المالي وتكون مستقلة مالياً، وثانيًا يجب ألّا يكون هناك فترة مؤقّتة لتفويض وكالة "أونروا" المعروفة بفترة 3 سنوات، بل المطلوب أن يكون التفويض مفتوحاً، وثالثاً يجب أن يُضاف بند (حماية) إلى تعريف ومهام وكالة "أونروا" لتُصبح وكالة غوث وتشغيل وحماية اللاجئين الفلسطينيين حتى تطبيق حق العودة، ومطلوب من السلطة الفلسطينيّة أن تجوب العالم بهذه المطالب حتى الوصول إلى تحقيقها وحماية وكالة "أونروا".
تصريح لازاريني نذير خطر واضح
لازاريني في مؤتمره الصحفي الذي حضره مراسل "بوابة اللاجئين" في بيروت، قال إنّ أكبر تهديد وجودي للوكالة الآن هو الاستمرار في إنكار شدّة الأزمة التي تُحاصرها، والاعتقاد أنّ الوضع الراهن لا يزال فعالاً، وسيؤدّي ذلك حتماً إلى الانهيار الداخلي لوكالة "أونروا".
تعقيباً على ذلك، يرى عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطيّة لتحرير فلسطين طلال أبو ظريفة، أنّ مؤتمر المانحين في نيويورك واجتماع اللجنة الاستشاريّة لم يخرجا بالنتائج العمليّة المطلوبة ولا حتى تعهّدات ماليّة جديدة أو استعداد واسع من قِبل الدول المتعهّدة لتقديم أموال لوكالة "أونروا" لتنقذها من حالة الاستنزاف والضعف التي تعانيها جرّاء نقص التمويل، ومسألة إطلاق نداء من قِبل المفوّض العام للوكالة كان نذير خطر واضح، وهذا يعتبر جرس تحذير للمجتمع الدولي بأنّ الوضع في غاية الخطورة يستدعي تعهّدات جديدة لإنقاذ وكالة "أونروا" من خطر الانهيار.
السلطة الفلسطينيّة عليها دور كبير دلياً يجب أن تؤديه
ويرى أبو ظريفة أن المطلوب من منظمة التحرير ودائرة شؤون اللاجئين في المنظمة والسلطة الفلسطينيّة وضع خطّة وبرنامج خاص والبدء بحراك دبلوماسي واسع من خلال السفارات والممثليّات والجاليات الفلسطينيّة المنتشرة في مختلف دول العالم لتشكيل أداة ضغط حقيقيّة على الدول المختلفة وتحديداً الدول الأوروبيّة لتزيد من دعمها لوكالة "أونروا"، وأيضاً تشكيل حركة ضغط شعبيّة من خلال الجاليات الفلسطينيّة في أوروبا وتحشيد رأي عام في هذه الدول والتأكيد على أنّ الاستهداف لوكالة "أونروا" هو استهداف سياسي لقضية اللاجئين الفلسطينيين بثوبٍ مالي، فالمسألة لها مضمون سياسي يستهدف الحقّ السياسي للاجئين الفلسطينيين والقرار 194.
يقول أبو ظريفة: إن السلطة الفلسطينيّة عليها دور كبير على مستوى العالم، فهي قادرة من خلال السفارات والممثليات المنتشرة مخاطبة الأمين العام للأمم المتحدة وكافة الجهات المسؤولة من أجل وضعها أمام مسؤوليّتها وتحريك هذا الملف بشكلٍ مستمر ودائم من أجل إنقاذ وكالة "أونروا" قبل فوات الأوان.
يُذكر أنّ وكالة "أونروا" التي تتولّى تقديم الخدمات الصحيّة والاجتماعيّة والتربويّة لنحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني، أطلقت نداءً للحصول على 1.6 مليار دولار لعام 2023، معظمها لتمويل خدماتٍ أساسيّة، مثل المراكز الصحيّة والمدارس، وسيُخصّص المبلغ الباقي لعمليات الطوارئ في غزّة والضفة الغربيّة والأردن وسوريا ولبنان، إلّا أنّها حصلت على 812.3 مليوناً فقط.
ومنذ قرابة 10 سنوات تواجه وكالة "أونروا" نقصاً حاداً في التمويل، وفي كل عام ترحّل العجز المالي للعام الذي يليه، وعلى مدار هذه السنوات انعكس هذا النقص في التمويل بشدة على جودة خدمات وكالة الغوث، إذ يعيش معظم اللاجئين الفلسطينيين تحت خط الفقر.