تسعى الحكومة "الإسرائيليّة" إلى فرض واقعٍ جديدٍ داخل السجون، وتواصل التصعيد والتحريض على الأسرى الفلسطينيين من لاسيما بعد تولي المتطرّف "ايتمار بن غفير" ما يسمى وزارة الأمن القومي، وما يمارسه من سياسات تستهدف الحياة الاعتقالية للأسرى، كتحريضه إلى حرمانهم من القنوات التلفزيونيّة، والمس بالبنى التنظيميّة لهم التي تشكّل أساس إدارة الحياة الاعتقالية.
كل هذه الإجراءات التي دعا إليها بن غفير مؤخراً، جاءت بعد نحو أسبوعٍ على زيارته لسجني (عوفر، والنقب)، والتي تلتها اعتداءات وعمليات قمع لعدّة أقسامٍ في سجن (النقب) ونقل عشرات الأسرى والتنكيل بهم.
في المقابل تمكّن الأسرى من فرض حالةٍ من المواجهة والنضال المستمر ضد توجّهات "بن غفير" وتهديداته المتصاعدة التي تنذر بقرب الانفجار، بحسب ما تحذر الهيئات والمؤسسات المختصة بشؤون الأسرى.
وحول تصاعد هذا العدوان بحق الأسرى، يقول عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، الأسير المحرّر أحمد أبو السعود: في ضوء تصاعد المقاومة الفلسطينيّة في مخيمات وقرى ومدن الضفة الفلسطينيّة، وفي ظل فشل حكومة الاحتلال في كبح تزايد عمليات المقاومة واتساعها، تعتبر حكومة الاحتلال أنّ التضييق على الأسرى - وهم من قاوموا فيما مضى-، قد يدفع إلى تراجع أبناء الشعب الفلسطيني عن المقاومة.
يتعاملون مع أسرى نذروا حيواتهم من أجل فلسطين، وكل الاعتداءات لم ولن تردعهم
يضيف أبو السعود لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن الاحتلال ينسى أنّ السجون هي من خرّجت هؤلاء المقاومين، وخرّجت الكوادر والقيادات، وبالتالي هم يتعاملون مع أسرى نذروا حيواتهم من أجل فلسطين، وكل الاعتداءات لم ولن تردعهم حتى لو استشهدوا داخل هذه السجون في سبيل الدفاع عن حقوقهم وكرامتهم، لذلك وبعد إعلان "بن غفير" عن إجراءات متوقّع تنفيذها، هذا يعني فتح جبهة جديدة على الاحتلال قد تدفع جبهات أخرى للمشاركة في هذه الحرب، مثل جبهة غزة، وربما جبهة الشمال، إضافة إلى تفاقم الوضع في الضفة، أي بكل وضوح إذا رضخ رئيس حكومة "بنيامين نتنياهو" لتوجّهات بن غفير يعني أنّ الحرب ستكون شرسة على الاحتلال الذي تنخره الأزمات.
وحول المطلوب لإسناد الحركة الأسيرة في ظل هذه الهجمة، يقول أبو السعود: أولاً وحدة الحركة الأسيرة، وصياغة تحرّكات وموقف وبرنامج يمثّل جميع الأسرى، لا سيما وأنّ هناك بعض رجالات السلطة يعملون على تفتيت موقف الأسرى، وهذا إلى جانب الفعل الشعبي في الضفة من خلال رشق المستوطنين بالحجارة، وإغلاق الطرق الالتفافيّة، فلا جدوى من السلطة التي تهدّد دائماً برفع قضية لمحكمة الجنايات الدوليّة، رغم أن ذلك في بعض الأحيان له أثر.
ويُشير أبو السعود، إلى أنّ الأمر لن يقتصر على المقاومة فقط، بل سيمتد إلى تجييش كل الشرفاء للخروج بمسيراتٍ واعتصاماتٍ وتنظيم ندوات عن قضية الأسرى، متوقعاً أن "نرى صور الأسرى في ساحات أوروبا وبلدان كثيرة من العالم"، ومن الخطوات الممكن تنفيذها إثارة حملة إعلاميّة وطنيّاً عربياً وعالمياً، وبشكلٍ خاص في الساحتين الأمريكيّة والأوروبيّة، وتنظيم وقفات احتجاجيّة حتى لو كانت محدودة العدد، لأن هذه الوقفات أكثر ما يؤثّر على الاحتلال "الإسرائيلي" ويكشف زيف روايته أمام الأوروبيين والأمريكيين.
يجب تثبيت المكانة القانونيّة للأسرى والأسيرات كطلاب حرية
يرى أبو السعود أن "لا خوف على الحركة الأسيرة التي صنعت الانتصارات في زمنٍ لا يسمع فيه أحد عن الأسرى أو عن معاركهم ومعاناتهم سوى ذويهم"، مُؤكداً أنّ قضية الأسرى توحّد كل أبناء الشعب الفلسطيني من أقصى "المهادنين" إلى أقصى المقاومين.
وفي سياق البحث عن المطلوب لصد حالة الاستفراد بالأسرى الفلسطينيين، يقول المدير العام المكلّف لإدارة هيئة شؤون الأسرى في قطاع غزة، ومدير دائرة القانون الدولي الدكتور رأفت حمدونة: إنّ المطلوب وقبل كل شيء التأكيد سياسياً ودبلوماسياً على حالة التطرّف في ظل الحكومة اليمينيّة "الإسرائيليّة" العنصريّة، والعمل على عزلها والتحذير من سياستها على صعيد إغلاقها للأفق السياسي وتجاوزاتها للاتفاقيات الدولية فيما يتعلّق بحقوق الأسرى الفلسطينيين، كما يجب تثبيت المكانة القانونيّة للأسرى والأسيرات كطلاب حرية استناداً إلى حق الدفاع الشرعي عن النفس، وحق تقرير المصير وفق توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة التي نادت باحترام وتأمين ممارسة هذا الحق، والتأكيد على الإجماع القانوني والقيمي والأخلاقي والإنساني المتفق عليه، وفقاً للمادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربعة والتي تطالب بمعاملةٍ إنسانيّة لجميع الأشخاص (الأسرى والمعتقلين) سواء، وعدم تعريضهم للأذى، أو القتل، والتشويه، والتعذيب، والمعاملة القاسيّة، واللاإنسانيّة، والمهينة.
المطلوب تدويل قضية الأسرى والمعتقلين وإظهار الجرائم التي يتعرضون لها للرأي العام الدولي
ويرى حمدونة أنّ المطلوب أيضاً تشكيل لجنة من محامين وخبراء قانونيين فلسطينيين وعرب ودوليين لبحث آليات استخدام الالتزامات القانونية الخاصة باحترام الاتفاقيات الدولية، وأساليب تطبيقها، وتوثيق جرائم الاحتلال وفق شهادات الأسرى والأسيرات المشفوعة بالقسم، وإعداد ملفات خاصة حول الانتهاكات "الإسرائيليّة" بحقهم، وتدويل قضية الأسرى والمعتقلين وإظهار الجرائم التي يتعرضون لها للرأي العام الدولي، بهدف تشكيل رأي ضاغط ومساند لهم، وذلك من خلال السفارات والجاليات الفلسطينية والعربية، وبعثاتها لدى المنظمات الدوليّة، ومن خلال توجيه الدعوات لمنظمات المجتمع المدني، والمؤسّسات الحقوقيّة والإنسانيّة، وعبر وسائل الإعلام المشاهد والمقروء والمسموع.
ويُشير حمدونة أيضاً إلى ضرورة تكثيف الزخم والالتفاف الشعبي والوطني حول قضية الأسرى والمعتقلين، وجعلها من أهم القضايا الفلسطينيّة والعربيّة، إلى جانب تعزيز دور القضاء الفلسطيني في ملاحقة ومعاقبة مرتكبي الجرائم ضد الأسرى والمعتقلين باستخدام "مبدأ الولاية القضائية" الوارد في اتفاقيات جنيف، مضيفاً أن الاحتلال لا يتورع عن محاكمة القياديين والمدنيين الفلسطينيين، وبالتالي "صار لازماً التفكير واتخاذ خطوات عملية لترقية دور القضاء الفلسطيني عبر منحه الصلاحيات لمحاكمة المتهمين بجرائم جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني".
يجب استثمار عضوية فلسطين "المراقب" في الأمم المتحدة في الدفاع عن قضية الأسرى
يرى حمدونة بأن هناك أهمية كبيرة لما وصفه بـ "أنسنة" الخطاب الفلسطيني الموجّه للعالم، وإنشاء وسائل إعلام ناطقة باللغات الأخرى وخاصّة الانجليزية لمخاطبة الجمهور الخارجي، وشراء مساحات إعلانيّة في الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية والإعلان المموّل على صفحات التواصل الاجتماعي بلغاتٍ متعددة، وتحميل المجتمع الدولي فيها مسؤوليّته الأخلاقيّة عن استمرار الانتهاكات "الإسرائيليّة" خلافاً للاتفاقيات والمواثيق الدوليّة، والتأكيد على ضرورة العمل على تدويل قضية الأسرى، وخاصة في ضوء عضوية فلسطين "المراقب" في الأمم المتحدة، بما يضمن تعزيز الاستفادة من الآليات التعاقدية وغير التعاقدية كون دولة فلسطين قد انضمت وبمقدورها الانضمام إلى الأجسام والاتفاقيات الدوليّة الأخرى، وبما يكفل إطلاق حركة تضامن دولي سياسي وديبلوماسي وإعلامي وقانوني وجماهيري لمتابعة النضال من أجل تحرير الأسيرات والأسرى، ومحاسبة وعزل ومقاطعة كيان الاحتلال.
يضيف حمدونة: أن تطبيق كل ما سبق يجب أن يستند إلى استراتيجية واضحة تعتمد على العمل الجماعي في إطار تكامل الأدوار، تعيد لقضية الأسرى والمعتقلين اعتبارها الواجب، وتكون أكثر تأثيراً .
العامل الحاسم هو ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني واستعادة الوحدة
ويدعو حمدونة، كافة الأطراف إلى منح قضايا الأسرى المساحة الكافية، وإبراز حجم المعاناة التي يعانيها الأسرى وذووهم، وحجم الانتهاكات الخطيرة التي يتعرّضون لها، والتي ترتقي في كثيرٍ من الأحيان إلى مصاف الجرائم التي تستوجب الملاحقة والمحاكمات الدولية، بما في ذلك الاستفادة من دور المؤسّسات الدوليّة، مع التأكيد على أنّ العامل الحاسم في نهاية المطاف، هو ترتيب البيت الداخلي واستعادة الوحدة والعمل على كافة المسارات بشكلٍ متوازي.
أرقام وإحصاءات
وفي ظل هذه التطورات الحاصلة في السجون، ومع زيادة القمع والاستمرار في بعض السياسات العنصريّة كالاعتقال الإداري والإهمال الطبّي المتعمّد، كان لابد من تسليط الضوء بالأرقام على بعض الشرائح داخل سجون الاحتلال، رغم أنّ العدوان يطال الجميع دون تفريقٍ بين أسيرٍ وآخر.
تُفيد الناشطة في شؤون الأسرى ريهام القيق لموقعنا، بأنّ عدد الأسرى المحكومين بالمؤبّد يبلغ 604 أسرى، بينما يبلغ عدد الأسرى المرضى 700 أسير، من بينهم 24 أسيراً مريضاً بالسرطان، ومن أخطر الحالات على سبيل المثال لا الحصر حالة الأسير وليد دقة، والأسير موفق العروق، وابراهيم أبو مخ، فيما ارتفع عدد الأسرى الإداريين إلى أكثر من 1300 أسير، ويقدّر عدد الأسرى الأطفال قرابة 160 طفلاً.
أمّا بشأن الأسيرات، هناك 32 أسيرة داخل السجون، ومن بينهم أسيرات مريضات بحاجةٍ إلى رعاية وعلاج نفسي يرفض الاحتلال تقديمه لهنّ، وأيضاً هناك أسيرات جريحات متل فاطمة شاهين وإسراء الجعابيص ومرح باكير.
تحذيرات من سياسة القتل البطيء التي يمارسها الاحتلال "الإسرائيلي" ضد #الأسرى_الفلسطينيين المرضى
— بوابة اللاجئين الفلسطينيين (@refugeesps) August 25, 2023
يمكنكم متابعة التفاصيل في الرابط https://t.co/9uxV4ntC71#الأسرى_في_خطر pic.twitter.com/Zq8OkKH6Lt
تؤكد القيق أنّ حالة من الترقّب تسود السجون حالياً بسبب التنقلات في صفوف الأسرى، وسياسة التفتيش التي أصبحت إدارة السجون تفاجئ الأسرى بها من خلال تنفيذ عمليات التفتيش أثناء وقت "الفورة"، وهذا ما زاد حدّة التوتر بين الأسرى وإدارة سجون الاحتلال، بل واندلعت مواجهات عديدة في ظل القوانين الكثيرة التي سنّها "بن غفير" للتنغيص على الأسرى، إلى جانب حالة الاكتظاظ التي استجدت داخل غرف وأقسام السجون بسبب كثرة حالات الاعتقال، ما أدّى إلى حالةٍ من النقص في احتياجات الأسرى الأساسيّة مع ازدياد عدد الأسرى خاصّة في "النقب، وعوفر، وهداريم".
قوانين "بن غفير"
وتطرّقت القيق إلى أهم المشاريع والقوانين التي خرجت بها حكومة الاحتلال بأوامر من "بن غفير" للتنغيص على الأسرى، ومن أبرز هذه المشاريع (قانون إعدام الأسرى) الذين نفّذوا عمليات مقاومة ضد الاحتلال، وهذا تم تطبيقه ميدانياً، أي بدلاً من الاعتقال يتم التصفية الجسديّة، إضافة إلى (قانون سحب الجنسية والإقامة من أسرى ومحررين مقدسيين) ومن الأراضي المحتلة عام 1948، وتم تنفيذه ونفي أسير من حيفا إلى الخليل، كما تم ربط ذلك بالمخصصات التي تقدمها السلطة الفلسطينيّة لعائلاتهم، حيث تم تنفيذه من خلال اقتحام المنازل ومصادرة الأموال والممتلكات مثل السيارات وأجهزة الكمبيوتر والمصاغات الذهبية، إضافة إلى مشروع قانون يقضي بترحيل عائلات الأسرى والشهداء، كما تمت المصادقة بالقراءة التمهيديّة على مشروع قانون يقضي بحرمان الأسرى من العلاج الذي يندرج تحت توصيف (تحسين جودة الحياة)، إذ كان مطبقاً سابقاً دون صياغته كقانون، وهذا فعلاً مطبّق على الأسيرة إسراء الجعابيص والأسير عزمي نفاع.
وتابعت القيق: كما أصدر "بن غفير" تعليمات داخلية بخصم أموال من مخصصات "الكانتينا" للأسرى، في حال استخدم الأسير عيادة علاج الأسنان في السجن، وعن كل ساعة تم خصم (175) شيكلاً، إلى جانب هذا تم طرح تعديل قانون (مكافحة الإرهاب) الذي يقضي بعدم تسليم جثامين الشهداء، ومشروع قانون (منع الإفراج المبكّر عن الأسير الذي صدر بحقّه حكم) على خلفية عمل مقاوم والذي يصنّفه الاحتلال (كعمل إرهابي)، ومشروع قانون يناقش سجن الأطفال الفلسطينيين من عمر 12 عاماً، بدلًا من إرسالهم إلى مؤسّسات (إعادة التأهيل).