تتواصل حالة الهدوء في مخيم عين الحلوة منذ 4 أيام متواصلة، لم يتخللها سوى بعض رشقات رصاص طفيفة لم تُحسب كخروقات، وذلك إثر قرار وقف النار الذي اتخذ يوم 14 أيلول/ سبتمبر الجاري، برعاية رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي اجتمع مع عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عزام الأحمد وعضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، خلال زيارتهما لبنان للوقوف عند أحداث المخيم.
إلا أنّ الهدوء المتواصل، لم يطمئن الأهالي بعد لاستئناف حياتهم الطبيعية أو لعودة النازحين خصوصاً من أحياء شكلت ميداناً للمعارك، كحطين والرأس الأحمر والطوارئ، وسط انعدام للثقة لدى الأهالي من عدم تكرار الاشتباكات.
تحركات سياسية متواصلة تخوضها الأطراف الفلسطينية واللبنانية، للخروج بصيغة نهائية من أجل تجاوز الواقع الحالي في المخيم، وتحقيق ما يمكن أن يبنى عليه للاطمئنان بأن صفحة المعارك ستطوى، كسحب المسلحين من مدارس وكالة "أونروا" وإزالة الدشم العسكرية وإنهاء حالة الاستنفار على خطوط التماس.
البحث في إعادة تشكيل القوة الأمنية المشتركة
وأشارت مصادر لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، أنّ اجتماعاً عقد اليوم الاثنين 18 أيلول/ سبتمبر، لبحث إجراءات تعزيز القوة الأمنية المشتركة في مخيم عين الحلوة، عبر رفدها بعناصر من كافة الفصائل الفلسطينية بما فيها حركة حماس، وتنظيم "عصبة الأنصار" الإسلامي و "أنصار الله" ووضع خطّة لنشر القوة المشتركة في الاحياء المتوترة.
المصادر أفادت، أنّ الاجتماع غلبت عليه السمة الأمنية، حيث ضمّ المسؤولين العسكريين سواء لقوات الأمن الوطني الفلسطيني، أم للفصائل المنضوية في إطار منظمة التحرير وفصائل " التحالف" ومن ضمنهم القوى الإسلامية المنضوية ضمن إطار هيئة العمل الفلسطيني المشترك، بقيادة اللواء في الامن الوطني الفلسطيني محمد العجوري، وناقش حصص كل تنظيم من قوام القوة الأمنية.
الّا أنّه وبحسب المصادر، فإنّ مسألة تسليم المطلوبين في اغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني في صيدا أبو أشرف العرموشي، نوقشت بشكل حذر، نظراً لحساسية الأمر وعدم امتلاك مفاتيحه من قبل أي تنظيم، حسبما عبّرت بعض الأطراف الإسلامية، كـ "عصبة الأنصار"، وجرى اعتباره كأمر معقّد، يجب التعاطي معه خارج مسألة تحديد المهل الزمنية واتباع أي خيار عسكري.
وأشارت المصادر، إلى أنّ "تعنّت تنظيم الشباب المسلم ورفضه تسليم المطلوبين، طرحت على طاولة المجتمعين، وسط تفهم كامل للمطلب وتأييده من قبل الجميع" فيما جرى التوافق على معالجة هادئة وأن تلعب كافة الأطراف دوراً إيجابياً لتحقيق ذلك.
وكان لقاء قد جرى في سفارة السلطة الفلسطينية في بيروت أمس الأحد، جمع عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومركزية فتح عزام الأحمد، ووفداً من "عصبة الأنصار" برئاسة إبراهيم السعدي نجل قائد التنظيم " أبو محجن"، بغية إشراك العصبة بالقوة الأمنية بقوام 40 عنصراً.
وكانت مصادر مقربة من حركة فتح، قد وصفت اللقاء بالإيجابي، نظراً للتجاوب الذي أبداه وفد العصبة، بلعب دور عبر القوة الأمنية المشتركة، إلّا أنّ الحركة شددت على ضرورة تسليم المتهمين باغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني في صيدا أبو أشرف العرموشي، كبادرة أساسية لطي ملف التوتر في المخيم.
وبحسب المصادر، فإنّ الجهود ترمي إلى تحقيق أكبر توافق بين مكونات هيئة العمل الفلسطيني المشترك ولا سيما القوى الإسلامية التي انضمت للهيئة كتنظيم "عصبة الأنصار" باعتباره أحد أكبر التنظيمات الإسلامية، "وتمكينه من لعب دور في إطار الهيئة في الأحياء التي يسيطر عليها الإرهاب التكفيري، ولا سيما حي الطوارئ/ البركسات، عبر نشر أفراد القوّة في الحي، مع مراعاة أن يكون الدور والعدد الأكبر لعناصر العصبة".
لا عودة للنازحين دون عودة الثقة
وتتجه أنظار اللاجئين الفلسطينيين من أبناء المخيم، ولا سيما النازحين منهم الذين قدرّ حجمهم بنحو ثلث السكان، إلى ما ستفضي إليه الجهود السياسية في تحقيق الاستقرار الدائم، فيما يلغي الأهالي فكرة العودة إلى المخيم دون خطوات ملموسة على أرض الواقع.
عضو لجنة أهالي حي حطين أبو محمد معين، وهو من أكثر الأحياء كثافة سكانية وتضرراً جراء الاشتباكات الماضية، وكان ميداناً للصراع على مدار أسابيع، أكّد لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، أنّ مسألة عودة النازحين حالياً غير مطروحة على الإطلاق.
وقال معين: إن الحديث عن عودة النازحين أو البدء بتحركات لها علاقة بملف التعويضات، جراء الدمار الكبير الذي حلّ بأحياء المخيم، سابق لأوانه، ولا يمكن التحرك بأي ملف دون سحب المسلحين من المدارس والأحياء ونشر القوة الأمنية المشتركة، مضيفاً بأنّ الأنظار تراقب التحركات السياسية وما ستفضي اليه الأمور.
حالة فقدان الثقة، دفعت بعض الأهالي لإلغاء فكرة العودة إلى المخيم على المدى المنظور، عدد منهم استثمر فرصة وقف النار وعاد فقط لإخراج بعض الحاجيات والأثاث بهدف الاستقرار خارج المخيم، فيما تتخوف الغالبية العظمى من مغبّة استئناف المعارك، نظراً إلى حالة انعدام الثقة التي كرسّتها الأسابيع الفائتة، حسبما أفادت أم محمد وهي لاجئة فلسطينية في المخيم.
وأوضحت أم محمد لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، أنّ حالة انعدام الثقة تدفع الأهالي إلى عدم المخاطرة والعودة إلى منازلهم، نظراً لما خبروه من خرق لقرارات سابقة لوقف النار، ونكث وعود تم تثبيتها، فضلاً عن الدمار الذي جعل حي حطين وأحياء أخرى غير صالح للسكن.
وأوضحت أم محمد وهي تقطن في حي حطين، أنّ منزلها على سبيل المثال لم يدمّر، إلّا أنّ الحي يفتقد لكافة البنى الخدمية، كالكهرباء والمياه والانترنت، حيث تسببت المعارك في تخريب الطرق وتمديدات الكهرباء، وخزانات المياه على أسطح المنازل، والمحال التجارية، ووصفت الحي ليلاً بالمكان الخالي والموحش غير الصالح للسكن.
وأشارت إلى أنّ حجم الدمار واسع للغاية في حي حطين والأحياء التي شهدت معارك، فضلاً عن مخلفات الحرب والقنابل التي لم تنفجر، وتثير مخاوف الكثيرين من العودة وتفقد حاراتهم ومنازلهم.
ثقة شعبية ضعيفة بالقيادة الفلسطينية في لبنان
واعتبرت اللاجئة الفلسطينية أنّ ثقة أهالي المخيم باتت معدومة بتصريحات وقرارات القيادة السياسية، "ولا أحد مستعد للعودة وإصلاح منزله، ليعود ويتدمر من جديد في تجدد للمعارك، وهو ما اختبرناه خلال الأسابيع الفائتة." ولفتت إلى أنّ المطلوب طمأنة الناس عبر حل جذري ونهائي وإخبارهم بشكل مباشر عبر البيانات والمساجد بالعودة، مع توفير ضمانات مقنعة لعدم تكرار المعارك.
يأتي ذلك، في وقت تزداد الترجيحات من تفاقم الأزمة الإنسانية لآلاف النازحين عن المخيم، حيث تؤوي مراكز وكالة "أونروا" 1060 منهم في مراكزها بمنطقة صيدا وسبلين، بينما آلاف آخرون توزعوا على مراكز إيواء في منطقة سيروب، وجامع الموصلي المحاذي، فضلاً عمّن توجهوا إلى منازل أقاربهم وذويهم في مدينة صيدا.
اقرأ/ي أيضاً المعركة في مخيم عين الحلوة هدأت.. واستمرت المأساة الإنسانية
وكانت وكالة "أونروا" قد أعلنت توقفها عن استقبال النازحين، لضعف الإمكانيات، فيما قدمت العديد من الجمعيات والمؤسسات بعض الدعم اللوجستي الذي تمثل بالفرش والأغطية والطعام والملابس.
وتتخوف الوكالة، من عدم قدرتها على البدء بالعام الدراسي للعام الجاري، نظراً لاستمرار احتلال مدارسها الثمانية من قبل مسلحين في مخيم عين الحلوة، فضلاً عن 400 شخص، توزعوا بواقع 260 فلسطينياً في مركز سبلين للتدريب المهني التابع لها، و57 فلسطينياً و83 شخصاً من الجنسية السورية ومكتومي القيد وعائلات لبنانية في مدرستي بيت جالا وبير زيت. حسبما أفاد مدير "أونروا" في صيدا إبراهيم الخطيب في وقت سابق.
اقرأ/ي ايضاً: "أونروا": مراكز الإيواء في صيدا وسبلين لم تعد تستوعب المزيد من النازحين