المعركة في مخيم عين الحلوة هدأت.. واستمرت المأساة الإنسانية

الجمعة 15 سبتمبر 2023
نازحون من مخيم عين الحلوة إلى مدرسة تابعة لـ "أونروا"
نازحون من مخيم عين الحلوة إلى مدرسة تابعة لـ "أونروا"

منذ ليل أمس الخميس 14 أيلول/ سبتمبر 2023 يسود الهدوء مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، التزاماَ بوقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه خلال اجتماع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد.

اتفاق تهدئة لم يخرق حتى اللحظة منذ إعلانه إلا مرة واحدة حين سمع صوت رصاص في حي حطين أحد أبرز محاور الاشتباك خلال معارك الشهر الأخير، في ساعة متأخرة من مساء أمس الخميس.

يمكن القول حتى الآن: إن المعارك هدأت ويأمل من ذلك اللاجئون الفلسطينيون أن يستمر هذا الهدوء حتى يتمكنوا من العودة إلى منازلهم التي نزحوا منها فراراً من اشتباكات وصفت خلال الأسبوع الماضي بالأعنف على الإطلاق منذ اندلاع المعركة بين قوات الأمن الوطني الفلسطيني وتجمع "الشباب المسلم" في 30 تموز/ يوليو لتهدأ نحو 3 أسابيع قبل أن تندلع مجدداً.

المأساة الإنسانية لم تهدأ

وإذا ما التزم طرفا الاقتتال بهذه الهدنة، تبقى المعضلة الأكبر هي الآثار الإنسانية لهذه المعركة التي طالت نيرانها بيوت اللاجئين الفلسطينيين ومحالهم ومصادر رزقهم وهجّرت أكثر من نصفهم إلى خارج المخيم في ظروف معيشية وإنسانية هي الأصعب تمر على المخيمات الفلسطينية ولبنان بشكل عام، فلأول مرة منذ تاريخ مليء باشتباكات متجددة شهدها المخيم خلال السنوات السابقة تعلن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" عدم قدرة مدارسها ومنشآتها على استقبال المزيد من النازحين عن المخيم، نظراً لعددهم الأكبر هذه المرة و"عدم وجود التجهيز الكافي بسبب الظروف الصعبة" وفق ما قال مدير الوكالة في صيدا لبوابة اللاجئين الفلسطينيين إبراهيم الخطيب.

وقال الخطيب: إن مراكز "أونروا" استقبلت 400 شخص، توزعوا بواقع 260 فلسطينياً في مركز سبلين، و57 فلسطينياً و83 شخصاً من الجنسية السورية ومكتومي القيد وعائلات لبنانية في مدرستي بيت جالا وبير زيت.

وتشكل الأعداد التي كشف عنها الخطيب، قوام 54 عائلة بينهم 10 عائلات تعود لمكتومي القيد أو تحمل جنسيات لبنانية وسوريّة، فيما يبلغ عدد العائلات الفلسطينية نحو 44 عائلة.

اقرأ/ي أيضاً "أونروا": مراكز الإيواء في صيدا وسبلين لم تعد تستوعب المزيد من النازحين

وخارج مدارس ومراكز إيواء "أونروا"، نزحت عشرات العائلات الفلسطينية إلى منطقة سيروب المحاذية للمخيم، بواقع 1500 شخص مسجّل حتى يوم أمس الأربعاء، جرى إيواؤهم في مسجد العثمان ومركز ابن كثير لتحفيظ القرآن وبعض القاعات التابعة لجمعيات خيرية.

ويضاف إلى هذه الأعداد من النازحين، عشرات العائلات الفلسطينية التي التجأت إلى بيوت أقارب لها في سيروب وصيدا ومناطق لبنانية أخرى.

جل هؤلاء النازحين فقدوا بيوتهم أو أجزاء منها وكذلك مصادر رزقهم، وكانوا خلال فترة الهدوء التي شهدها المخيم من منتصف إلى أواخر آب/ أغسطس الماضي يطالبون بالتعويض وترميم البيوت وإعادة إعمارها، لكنهم لم ينالوا سوى مزيد من الدمار والخراب جراء تجدد المعارك، إضافة إلى ساعات طويلة من الخوف على حيواتهم وأمان أبنائهم والجلوس مشردين في الشوارع والجوامع والمدارس وقاعات الإيواء.

هربوا من تحت الرصاص والقذائف إلى المجهول

تستغرب اللاجئة الفلسطينية أم عبد الله شحيبر مما جرى، كانت تقف أمام جامع الموصللي المكتظ بنازحي مخيم عين الحلوة وتصرخ لكاميراتنا: "أين فلسطين؟ نسيتوها؟ تتقاتلون من أجل حجارة مخيم عين الحلوة؟"

تعبر هذه اللاجئة الفلسطينية عن استيائها من توجيه المسلحين في المخيم لبنادقهم ورشاشاتهم على بعضهم البعض، في وقت يمعن الاحتلال "الإسرائيلي" فيه من استهدافه للفلسطينيين داخل فلسطين ولقضية اللاجئين الفلسطينيين، وتقول: إن الأطفال والنساء وكبار السن هربوا من تحت الرصاص الكثيف القذائف التي طالت منازلهم.

ووصفت لاجئة فلسطينية أخرى ما شهدته في المخيم بالظلم، قائلة: "خرجت أنا وزوجي المريض الذي يغسل كلى من المخيم بعدما وقعت قذيفة بجانب منزلنا"، معبرة عن قلقها من عدم وجود مكان تلتجأ إليه.

محمود جربوع وهو بالأصل مهجر من مخيم اليرموك في سوريا وجد نفسه أمام تهجير جديد من مخيم عين الحلوة، يقول لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنه للمرة الثانية خلال شهر واحد يجد نفسه عالقاً تحت نيران الرصاص والقذائف وأنه احتاج إلى أكثر من 3 ساعات حتى استطاع الخروج بأطفاله من المخيم.

يضيف جربوع: "كنا نائمين في المنزل وعند الساعة التاسعة والنصف مساءً سقطت قذيفة بجانب المنزل كان صوتها مدوياً استفاق على إثرها الاولاد مذعورين وبعدها قررت الخروج إلى جامع الموصلي"، مشيراً الى أن سقف منزله من الزينكو ولا بد أن يكون قد سقط جراء الاشتباكات.

يتمنى محمود أن يجد مكاناً آخر يسكن فيه مع زوجته وأطفاله، لأنهم غير قادرين على تحمل مزيد من الرعب ومرارات التهجير المتكرر.

ووصف جربوع بالوضع على انه مأساوي واسوء من المعركة الاولى، مشدداً على انه للمرة الثانية يتهجر من منزله وهو لن يعود ابداً الى المخيم.

جميع النازحين الذين لجؤوا إلى جامع الموصلي القريب من المخيم تم نقلهم إلى مركز سبلين المهني التابع لوكالة "أونروا" في إقليم الخروب وكذلك مدرستي بيت جالا وبيرزيت، وحتى الآن لا أفق واضحاً حول عدم تجدد المعارك نهائياً والعودة إلى منازلهم وتعويضهم، هم وغيرهم من المدنيين في المخيم، كما في كل مرة يتجرعون الآثار الكارثية لمعارك سياسية وميدانية لا تحقق أهدافاً سوى الإبقاء عليهم مستنفرين وقلقين وعاجزين عن الصمود.

 

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد