لم يكن حدثاً عادياً هذا الذي شهده مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين يوم الاثنين 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في ساعة متأخرة من مساء ذلك اليوم، وبينما تسود المخيم مشاعر مختلطة من الأمل الذي ولدته عملية طوفان الأقصى والغضب جراء بدء العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة، وإذ بنبأ ارتقاء أحد أبناء المخيم الشاب رياض قبلاوي داخل فلسطين المحتلة وباشتباك مسلح مع جيش الاحتلال "الإسرائيلي".

أثار هذا الخبر مشاعر كامنة في نفوس اللاجئين الفلسطينيين الذين شعروا لعقود طويلة بعد اتفاق "أوسلو" بأنهم غيّبوا عن المشاركة في المواجهة مع الاحتلال، وهي فكرة لطالما راودت جيلاً جديداً نشأ في زواريب المخيمات المعتمة التي ينهشها الفقر والحرمان بأنهم يريدون امتلاك الأدوات للوصول إلى فلسطين واجتياز الحدود إن كانت الجغرافية أو المعنوية التي خلقتها النكبة الفلسطينية بين أبناء الشعب الفلسطيني المشتت، وبالفعل استطاع رياض ورفيقه حمزة موسى من اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من سوريا إلى مخيم برج الشمالي فعلها.

حققا ما عملت كثير من الظروف على جعله مستحيلاً على أبناء المخيمات الفلسطينية في الشتات، وصلا إلى الجليل الفلسطيني واشتبكا مع قوة "إسرائيلية" واستطاعا قتل ثلاثة ضباط في جيش الاحتلال أحدهم قائد اللواء (300) في فرقة الجليل، وهو خبر ليس بالعادي على مخيمات لم تشهد منذ عقود سوى الانهيارات الاقتصادية والمعيشية ومساعي التهميش والاقتتالات الداخلية التي تجعلهم في سباق مع الزمن للبقاء أحياء بكرامة، لذا وإن كان فقدان شابين من المخيمات صعباً ومؤلماً لكنه في ذات الوقت فتح أمامهم باباً من الأمل بأن لوجودهم في المخيم ضرورة سياسية ونضالية.

تلقت عائلة قبلاوي نبأ استشهاد ابنها بالدموع وبالمباركة أيضاً، اجتمعت حشود من المخيم في منزل العائلة، وفي العُرف الفلسطيني يبارك الفلسطينيون بهكذا فعل، لذا تلقت العائلة التبريكات وسط الدموع على الفراق.

زغردت نساء المخيم للشهيد وأمه التي لم تجف دموعها، وهي تردد: أنا فخورة باستشهاد ابني

قالت والدة رياض لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: " أنا فخورة جداً بابني، ابني استشهد داخل فلسطين، ليس على الحدود، بل داخل فلسطين، وهو يدافع عن أرض فلسطين، واستطاع قتل 3 جنود".

تضيف أن ابنها كثيراً ما كان يردد أمامها أن فلسطين بحاجة أبنائها، وأجابها ذات مرة بأنه إذا ما اندلعت حرب مع الاحتلال في جنوبي لبنان فإنه بالتأكيد سيشارك فيها، وحينها حاولت تنهاه عن ذلك خوفاً عليه، ليجيبها بأن "فلسطين بحاجة كل أبنائها".

والد رياض أبدى تماسكاً يليق بوالد شهيد كما اعتاد آباء الشهداء الفلسطينيين على فعله، وقال لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "أنا والد الشهيد رياض قبلاوي الذي استشهد في عمق مستوطنات الاحتلال فرحت حين سمعت نبأ استشهاده ولم أحزن".

رغم أن من حقة الحزن على فقدان ابن يتصف بأخلاق عالية وفق ما أكد إلا أنه يرى أن استشهاد ابنه بهذا الموقف المشرّف يجعله يشعر بالفخر، "اعرف أن ابني وجه بندقيته إلى الاحتلال الإسرائيلي في المستوطنات، ولم يرفعها في زواريب المخيم"، في إشارة إلى الاقتتال السابق الذي شهده المخيم الشهر الماضي، مؤكداً أن ابنه رياض كان يرفض هذا الاقتتال ولا يرى فيه سوى خدمة لمصالح الاحتلال.

يضيف والد الشهيد: "آخر مرة شاهدت فيها ابني كان منذ أربعة ايام، كان نائماً وعندما استيقظ تحدث إلي عن حلم فحواه أنه في أرض معركة وقتل 3 جنود إسرائيليين في فلسطين ومن ثم استشهد بقذيفة"، يقسم أبو رياض أن ابنه قال له ذلك وأنه سأله عن رضاه عنه إن حصل معه ذلك، ليجيبه بأنه راض عنه.

ينحدر رياض من عائلة بسيطة، عرفت طعم أن يولد الإنسان لاجئاً في مخيم بسبب احتلال سرق أرضه وحرمه منها، فوالدته ككل نساء فلسطين لم تذق من ملذات الحياة كثيراً، ووالده رجل بسيط شريف يبيع القهوة وكان رياض يساعده في ذلك، بالتأكيد قد أدرك هذا الشاب مبكراً أن ما يعيشه وأجيال معه في المخيمات ليس سوى صنيعة الاحتلال، وأن له حق في أرض فلسطين لن يُنال بسهوله بل يحتاج إلى تضحية.

تودِع أخت الشهيد رياض الشابة جثمان أخيها الذي بقي داخل فلسطين في حماية الله، بحسب ما قالت لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، معبرة عن فخرها بأنها صارت أخت الشهيد.

ويجمع أهالي المخيم الذين احتشدوا في منزل العائلة، بأن الطريق الذي سلكه رياض يرضيهم وبأنه حقق ما فكر فيه كثير منهم ومنعهم الواقع السياسي من تحقيقه، وهو أن "القتال الذي يعوَّل عليه يكون داخل فلسطين وعلى حدودها، وليس في زواريب المخيمات".

 

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد