رفعت منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، وفلسطينيون في قطاع غزة ومواطنون أميركيون لديهم أقرباء في غزة، دعوى قضائية أمام المحكمة الفيدرالية الأمريكية ضدّ الرئيس الأمريكي "جو بايدن" ووزير خارجيته "أنتوني بلينكن" ووزير الدفاع "لويد أوستن"، صباح الاثنين 13 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، لـ"فشلهم في منع حدوث الإبادة الجماعية والجرائم التي تقترفها إسرائيل ضدّ الشعب الفلسطيني و2.2 مليون مواطن فلسطيني في غزة، بموجب القوانين والأعراف الدولية"، وذلك حسب ما ورد في كتاب الدعوى.
تزامن ذلك مع توقيع أكثر من أربعمائة من السياسيين والموظفين المعينين من قبل الإدارة الأميركية، ويمثلون حوالي 40 وكالة حكومية، على رسالة إلى الرئيس الأميركي "جو بايدن"، احتجاجاً على دعمه لـ "إسرائيل" في حربها على غزة، وفق ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز".
قدّم الدعوى القضائية مركز الحقوق الدستورية في الولايات المتحدة ضدّ كل من الرئيس الأمريكي ووزيري الخارجية والدفاع، وذلك بسبب انتهاكات القانون الدولي بشكل رئيسي، بما في ذلك تلك المنصوص عليها في اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 وقانون تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية المقابل (18 U.S.C. § 1091) الذي أقره الكونجرس الأمريكي في عام 1988.
ووفقاً للدعوى القضائية التي رفعت أمام محكمة فدرالية في مدينة "سان فرانسيسكو" بولاية "كاليفورنيا"، فـ "إنّ المتهمين رفضوا مراراً وتكراراً استخدام نفوذهم الواضح والكبير لوضع شروط أو حدود للقصف الإسرائيلي الكبير، رغم تزايد الأدلة على السياسات الإسرائيلية الموجهة نحو إلحاق ضرر جماعي بالسكان الفلسطينيين في غزة، ولم تطالب أميركا بوقف إطلاق النار لإنقاذ الأرواح ورفع الحصار، بل استخدمت حق النقض (الفيتو) ضدّ إجراءات الأمم المتّحدة التي تدعو إلى وقف إطلاق النار، بخلاف الدعم الدولي الساحق للقرار".
وقال مركز الحقوق الدستورية: إنه أرسل إلى المتهمين، (بايدن وبلينكن وأوستن)، في الـ 18 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ورقة إحاطة طارئة للفت انتباههم إلى وجود أدلة واقعية وقوية على محاولة "إسرائيل" ارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة.
وأضاف: إنّ الولايات المتّحدة فشلت في الوفاء بالتزامها بمنع الإبادة الجماعية، فضلاً عن كون أنشطتها الرامية لتعزيز العملية العسكرية "الإسرائيلية" والحصار والحملة ضدّ السكان الفلسطينيين في غزّة ترقى إلى مستوى التواطؤ في الجريمة بموجب القانون الدولي.
المدعون طلبوا من المحكمة منع المسؤولين الأميركيين من تقديم المزيد من الدعم العسكري أو المالي أو الدبلوماسي لإسرائيل، لاسيما أنّ بعض المحاكم اعتبرت "توفير الأسلحة والمواد الأخرى لمرتكبي الإبادة الجماعية شكلاً من أشكال التواطؤ".
رسائل احتجاج من موظفين أمريكيين إلى إدارة "بايدن"
وبالعودة إلى رسالة السياسيين والموظفين بالإدارة الأميركية، وهي جزء من المعارضة الداخلية المتزايدة بشأن دعم الإدارة الأميركية للحرب، فقد دعت الرئيس بايدن إلى السعي إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة ودفع "إسرائيل" للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
وتعدّ هذه الرسالة هي الأحدث من بين عدة رسائل احتجاج من المسؤولين في جميع أنحاء إدارة بايدن، بما في ذلك ثلاث مذكرات داخلية لوزير الخارجية "أنتوني بلينكن" وقعها العشرات من موظفي وزارة الخارجية، بالإضافة إلى رسالة مفتوحة موقعة من أكثر من 1000 موظف في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وتوضح رسالة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أنّ الموقعين على الرسالة مجهولون، وذلك بسبب "القلق على سلامتنا الشخصية وخطر احتمال فقدان وظائفنا". ويجب على الموقعين على برقيات وزارة الخارجية أن يكشفوا عن أسمائهم، لكن هذه البرقيات لم يتم نشرها علناً.
وعلى الرغم من أنّ إدارة بايدن بدأت مؤخرًا في التعبير عن "قلقها" بشأن الأعداد الكبيرة من المدنيين الفلسطينيين الذين قُتلوا بالغارات والقصف "الإسرائيلي"، ومطالبة "إسرائيل" بضبط النفس، إلّا أنّ هذه الانتقادات لا يبدو أنها تسترضي الكثيرين في الحكومة الأميركية.
وزير الخارجية الأميركي "أنتوني بلينكن" بادر للتعامل مع الانتقادات المتزايدة داخل صفوف الوزارة بشأن سياسة إدارة الرئيس بايدن، مع الحرب التي تشنّها "إسرائيل" على قطاع غزة، بعدما دعا مئات من موظفي الحكومة بشكل علني وفي أحاديث خاصة إلى وقف إطلاق النار في غزة.
وقالت مصادر مطلعة على الأمر: إنّ ما لا يقل عن ثلاث برقيات تنتقد سياسة الإدارة أرسِلت عبر "قناة المعارضة" الداخلية بالوزارة، والتي تأسست خلال حرب فيتنام وتسمح للدبلوماسيين بإثارة المخاوف بشأن السياسة مع وزير الخارجية دون الكشف عن هوياتهم.
التعامل مع "الانتقادات" .. ولكن دعم "إسرائيل" مستمر!
وتركز الانتقادات على دعم "بايدن" الراسخ لـ"إسرائيل"، في أعقاب عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والحرب التي تشنّها "إسرائيل" على قطاع غزة وأسفرت حتى الآن عن استشهاد ما يزيد عن 11,500 فلسطيني غالبيتهم العظمى من الأطفال والنساء.
وأرسلت إدارة "بايدن" حاملة طائرات إلى المنطقة، وأعلنت نيتها إرسال واحدة أخرى، كما شرعت في تجهيز طائرات محملة بالذخيرة لإرسالها لجيش الاحتلال "الإسرائيلي"، وأوفدت وزيري الدفاع والخارجية الأميركيين إلى "تل أبيب" أكثر من مرة، لإظهار المزيد من الدعم لحرب المعلنة على القطاع المحاصر.
كما رفضت دعوات من زعماء عرب وفلسطينيين وآخرين لمطالبة كيان الاحتلال "الإسرائيلي" بوقف حربه على قطاع غزة، لكنها دعت إلى فترات توقف مؤقتة للسماح بدخول المساعدات وإجلاء الأميركيين والأجانب.
بلينكن، وفي محاولة لرأب الصدع في وزارة الخارجية، وجه رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى موظفي الوزارة أقرّ بـ "الأثر العاطفي الذي أحدثه الصراع على العاملين وكذلك بالانقسامات المحتملة داخل القيادات حول السياسة".
وقال في رسالته: "أعلم أنّ المعاناة التي سببتها هذه الأزمة بالنسبة للكثيرين منكم لها أثر كبير على المستوى الشخصي". مضيفاً أنّ "المعاناة المصاحبة لرؤية صور يومياً للرضع والأطفال والمسنين والنساء وغيرهم من المدنيين الذين يعانون في هذه الأزمة أمر مؤلم. وأنا شخصياً أشعر بذلك".
والأسبوع الماضي، نشر أكثر من 500 شخص عملوا في حملة بايدن الانتخابية، عام 2020، رسالة تدعو الرئيس إلى دعم الوقف الفوري لإطلاق النار. ونظمت مجموعة من موظفي الكونغرس وقفة احتجاجية، يوم الأربعاء الماضي، في مبنى الكابيتول للمطالبة بوقف إطلاق النار.
وبينما تشير بعض المصادر إلى وجود "إحباط عميق" بين العاملين في وزارة الخارجية، يقول عدد من المسؤولين: إن ترحيب قيادة الوزارة بمجموعة متنوعة من الأصوات من غير المرجح أن يغير سياسة بايدن بشكل جذري.
من جهته، قال المتحدث باسم الوزارة "ماثيو ميلر" في مؤتمر صحافي، الاثنين الماضي: إنّ بلينكن التقى بعدد من الأشخاص من مكاتب مختلفة داخل الوزارة، للاستماع إلى آرائهم حول السياسة المتعلقة بـ "الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين". مضيفاً أنّ بلينكن "يشجع الناس على تقديم تعليقات. ويشجع الناس على التحدث إذا اختلفوا. وهذا لا يعني أننا سنغير سياستنا بناء على ما يختلفون عليه".
وتأتي ردود فعل الإدارة الأمريكية وسط احتجاجات واسعة وحاشدة في الولايات المتّحدة تطالب بمنع الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزّة، وفي حين كانت أصوات كثيرة تدين ما فعلته حركة "حماس"، ارتفعت أكثر فأكثر أصوات تدين الردّ "الإسرائيلي" غير المتكافئ، وتدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار. وقد شهد محيط البيت الأبيض تظاهرات حاشدة شارك فيها يهود أميركيون رافعين شعارات "ليس بإسمنا".
اقرأ/ي أيضاً: أضخم حشد في واشنطن لوقف حرب الإبادة "الإسرائيلية على غزة
من آخر مظاهر رفض سياسات إدارة الرئيس ودعم غزّة في الولايات المتّحدة، مشاركة أكثر من ألف عائلة أميركية مع أطفالها في مسيرة كرسالة تضامن للأهالي والأطفال في غزّة، مطالبين بوقف الحرب فوراً الاثنين، بمناسبة "اليوم الوطني للعائلة" في أميركا، والذي يصادف يوم الاثنين 13 من الشهر الجاري، وقد قررت العائلات أن يكون هذا العيد مخصصاً للأهالي والأطفال في غزة. وتقدمّ الأطفال في مسيرة انطلقت من متحف بروكلين، منددة بالجرائم التي تحدث في غزّة، ونصرة للقضية الفلسطينية، ليختتم الأطفال مسيرتهم برسائل وجهوها لأقرانهم في غزة، تاركين أحذيتهم وألعابهم، كرسالة سلام من أطفال أميركا.