بالتوازي مع مجازر الإبادة "الإسرائيلية" المتواصلة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة منذ أكثر من عشرة أشهر، تتضاعف معاناة الناجين من المجازر مع صدور المزيد من أوامر الإخلاء "الإسرائيلية"، حيث تحول 90 % من سكان القطاع المحاصر إلى نازحين، في حركة نزوح كبرى متجددة ومتغيرة منذ الأيام الأولى لحرب الإبادة، والتي تصاعدت بحسب المزاج "الإسرائيلي" الذي أنشأ ما يسمى "مناطق إنسانية" دفع إليها الفلسطينيين ومن ثم ارتكب فيهم المجازر فيها أو في الطريق إليها، ومع دخول حرب الإبادة شهرها العاشر كانت هذه المناطق "الإنسانية" لا تتجاوز عشرة بالمائة من مساحة القطاع.
مليون وتسعمائة ألف نازح في قطاع غزة
منظمات أممية أوضحت أن عدد النازحين الفلسطينيين قد تضاعف ليصل إلى 1.9 مليون نازح مع مرور الوقت وتكرار أوامر التهجير القسري "الإسرائيلية"، حيث كشفت تقارير لوكالة "أونروا" أن 9 من بين كل 10 أشخاص في قطاع غزة نزحوا مرة واحدة على الأقل، منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر، فيما وُصفت بأنها "دائرة لا تنتهي من الموت والتشريد".
في الشهر الثاني من حرب الإبادة تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، كان جيش الاحتلال "الإسرائيلي" قد زعم أن منطقة شمال وادي غزة هي "منطقة إنسانية آمنة" عقب بدئه الهجوم البري على قطاع غزة، وكانت تبلغ مساحتها 230 كم مربع أي ما نسبته 63% من مساحة القطاع.
و"المساحة الإنسانية الآمنة" تقع ضمن منطقة ما يعرف بـ "المواصي" على الشريط الساحلي الفلسطيني للبحر الأبيض المتوسط، جنوبي غرب قطاع غزة، وتمتد بطول 12 كيلومتراً وعرض نحو كيلومتر واحد، جنوبي شرق وادي غزة، من دير البلح شمالاً، مروراً بمحافظة خان يونس، حتى محافظة رفح جنوباً.
وتوصف منطقة "المواصي" بكونها مليئة بالكثبان الرملية وتخلو من الخدمات الحيوية التي يحتاجها السكان من البنى التحتية والشوارع المرصوفة وشبكات الصرف الصحي وخطوط الكهرباء وشبكات الاتصالات والإنترنت.
تقليص المنطقة "الإنسانية الآمنة"
وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، شن الاحتلال "الإسرائيلي" عملية برية على مدينة خان يونس وأجبر السكان على إخلاء أجزاء من "المنطقة الإنسانية"، مما قلص مساحتها المزعومة إلى 140 كم مربعاً أي ما نسبته 38.3% من مساحة قطاع غزة، ومن ثم أصبحت المنطقة تبلغ 79 كم مربعاً ما نسبته 20% من مساحة قطاع غزة مع استمرار أوامر الإخلاء القسري.
وكشف مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، اليوم الجمعة 23 آب/ أغسطس، أن 90% من سكان قطاع غزة صاروا نازحين منذ بدء حرب الإبادة "الإسرائيلية" في 7 أكتوبر / تشرين الأول الماضي، وتم دفعهم إلى منطقة لا تتجاوز عُشر مساحة قطاع غزة.
In the 13th evacuation order since 1 August, Palestinians living in parts of Khan Younis now told by #Israel to move to so-called “humanitarian zone”.
— UN Human Rights (@UNHumanRights) August 22, 2024
Some 90% of #Gaza population have been displaced since Oct 2023, now pushed into area just a tenth of the Gaza Strip.
Nowhere… https://t.co/q82QU1RbeU
وأوضح أن هذا هو الأمر الإخلاء الثالث عشر منذ 1 آب/أغسطس، حيث طلب سلطات الاحتلال من الفلسطينيين الذين يعيشون في أجزاء من خان يونس الانتقال إلى ما يسمى "المنطقة الإنسانية".
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة قد أكد قبل ثلاثة أيام، أن نحو 213,000 فلسطيني تضرروا بفعل تسعة أوامر بالإخلاء فقط منذ مطلع شهر آب/أغسطس، ما يعني أنه خلال ثلاثة أيام قد ارتفع عدد الفلسطينيين الذين أجبروا على النزوح مجدداً بفعل الأوامر الجديدة إلى أكبر من هذا العدد.
250 ألف فلسطيني تأثروا من أوامر الإخلاء في آب/ أغسطس الجاري
أيضاً أشارت بيانات وكالة "أونروا" إلى أن أوامر الإخلاء هذه أثرت على 250 ألف فلسطيني منبهة إلى أن العائلات تضطر إلى النزوح مراراً وتكراراً، وهي تحمل ما تستطيع حمله وسط العمليات العسكرية وحر الصيف، ووصفت الوكالة الأمر بأنه "دوامة مرهقة لا مفر منها في قطاع غزة".
So far in August, the Israeli authorities issued 12 evacuation orders affecting around 250,000 people in #Gaza.
— UNRWA (@UNRWA) August 22, 2024
Families are repeatedly displaced, carrying what they can amid military operations and summer heat. There is no escape from this exhausting cycle in the #GazaStrip. pic.twitter.com/0OmPe7pTfT
ومن جهته وصف منسق مكتب الشؤون الإنسانية في فلسطين مهند هادي خلال بيان أن عمليات الإجلاء الجماعي في غزة تخنق البقاء وتقيد عمليات الإغاثة بشدة داخل قطاع غزة.
"Mass evacuations in #Gaza choke survival and severely constrain aid operations" - statement by Muhannad Hadi, Humanitarian Coordinator for the Occupied Palestinian Territory.
— OCHA oPt (Palestine) (@ochaopt) August 22, 2024
🔊 Watch the video.
Click to read the full statement. 👇
وفي آب / أغسطس الجاري وصلت "المنطقة الإنسانية" إلى مساحة بلغت 36 كم مربعاً، ما نسبته 9.5% من مساحة قطاع غزة وهو ما دفع بالآلاف من الفلسطينيين للتكدس في بقعة صغيرة وفقاً للأمم المتحدة.
ومنذ عدة أيام أعلنت بلدية دير البلح أن المدينة صارت تحتضن مليون نازح متكدسين بداخلها ما يزيد من حجم الضغط على الخدمات الحيوية التي لم تعد كالسابق في ظل شح المياه كما يخلف هذا الازدحام الهائل انتشاراً للأوبئة والأمراض.
وحذرت البلدية من تكدس النفايات في الشوارع والطرقات وفي مراكز الإيواء لعدم مقدرة آليات البلدية من الوصول إلى مكب النفايات الذي تم تخصيصه في الحرب، وذلك بسبب وجوده في المنطقة التي طلب الاحتلال إخلائها، والأمر الذي يزيد من خطورة الوضع اكتشاف أول حالة مصابة بفيروس شلل الأطفال بفعل مياه الصرف الصحي الملوثة المنتشرة في أماكن النزوح.
رحلة موت يومي يفرضها الاحتلال على الفلسطينيين
هاني أبو رزق أحد الصحفيين الذين يعملون في دير البلح وسط قطاع أكد لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن لم يعد هناك أماكن ينصب فيها النازحون المهجرون حديثاً في دير البلح التي تُخلى لأول مرة خيامهم، فصاروا يحملون خيامهم وأمتعتهم هائمين ولا يعلمون أي الأماكن يستطيعون اللجوء إليها وتكون آمنة.
وقال أبو رزق: إن النازحين صاروا يتخوفون من الذهاب إلى المدارس، لأنها صارت هدفاً لصواريخ الاحتلال، مذكّراً بأن غالبيتها قد استهدفت بالفعل وما تبقى منها يكتظ بالمزيد من النازحين.
ويوضح أبو رزق أن الصحفيين أثناء تغطيتهم يرون النازحين يبحثون عن أي بقعة تتسع لهم وتؤويهم سواء الأراضي الزراعية أو مفترقات الطرق التي صارت ملجأً للكثيرين منهم، واصفاً النزوح بأنه رحلة موت تحت القصف.
محاولات صغيرة لإعانة النازحين
وأطلق العديد من الناشطين مبادرات صغيرة منها ما كان بشكل فردي ومنها ما هو بشكل مجموعات تطوعية نشطت من أجل إعانة النازحين بما يتوفر من الإمكانات البسيطة التي يمكنها إنقاذ بعض العائلات التي افترشت الطرق و البعض الآخر الذي قرر للعودة إلى مناطق مهددة بالإخلاء.
ريهام القيق ناشطة متطوعة قالت لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن ناشطين عملوا على تقديم المياه للنازحين أثناء رحلة نزوحهم والبعض الآخر منهم حاول توفير الوقود لوسائل النقل من أجل نقل النازحين لأماكن لم يهددها الاحتلال بعد ومساحاتها ضيقة جداً.
ولفتت إلى أن الوقود أهم ما يقدم في الوقت الحالي لنجدة النازحين، وهو غير متوفر في القطاع بسبب الحصار، ما يجعل من تكاليف النقل باهظة، خاصة تحت القصف لا سيما أن بعض العائلات نزحت عشرات المرات ولم تعد قادرة على تحمل نفقات نقل أمتعتها أو خيامها، وفي معظم الأوقات يتنقل النازحون على عربات تجرها الدواب رغم أن أجورها أيضاً صارت غالية.
وأضافت: أن العديد من الفلسطينيين قدموا أراضٍ زراعية بالمجان من أجل أن ينصب النازحون خيامهم فوقها من جديد، لافتة إلى أن المتطوعين ساعدوا النازحين بإعداد خيامهم وتوزيع بعض المواد المساعدة لذلك للمساهمة في إيواء العائلات الفلسطينية.
وكان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة قد صرّح في وقت سابق أنّ الاحتلال أجبر أكثر من 1.7 مليون فلسطيني على النزوح من منازلهم تحت تهديد القصف واستخدام أسلحة محظورة دولياً، مشدداً على أنّ ذلك يصنّف كجريمة ضد الإنسانية تهدف إلى تهجير الفلسطينيين قسرياً وحشرهم في مساحة ضيقة جداً جنوب وادي غزة.