مع بداية العدوان "الإسرائيلي" على لبنان، تحول تجمع وادي الزينة للاجئين الفلسطينيين في إقليم الخروب إلى موئل نزوح، بعد حركة نزوح كثيفة من العائلات الفلسطينية الباحثة عن ملاذٍ آمن جراء الحرب "الإسرائيلية" على لبنان والمتواصلة منذ أواخر أيلول/ سبتمبر الفائت.
واستقبل التجمع الذي يقع بين منطقتي الرميلة ومدينة صيدا، ويتبع جغرافياً لمنطقة سبلين، آلاف النازحين من مخيمات بيروت (برج البراجنة وشاتيلا) ومخيمات الجنوب (الرشيدية وبرج الشمالي والبص)، ليصبح الوجهة المفضلة للهاربين من مناطق أكثر عرضة للقصف.
ويبلغ عدد سكان التجمع نحو 20 ألف نسمة، غالبيتهم من الفلسطينيين، وتخدّم عليه بشكل محدود، اللجنة الشعبية الفلسطينية، والفصائل، ومؤسسات صغيرة، إضافة إلى عيادة وحيدة تابعة لوكالة "الأونروا".
معاناة متفاقمة مع الاكتظاظ ونقص الخدمات الأساسية وأزمة الإسكان
"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" التقى عدد من سكان التجمع للحديث عن الوضع الراهن، حيث أفاد الناشط الاجتماعي مصطفى البللي أن وادي الزينة كان خياراً مناسباً للنازحين؛ نظراً لبعده النسبي عن القصف، قائلاً: "لم نتعرض لأي قصف حتى الآن، وهذا ما جعل الكثيرين يفرون إلى هنا".
ومع ذلك، أعرب البللي عن قلقه قائلاً: "لا يمكننا القول إن المنطقة آمنة تماماً، فالقصف يطال المناطق المجاورة، مثل برجا والوردانية وجون والجية، والخوف من استهداف مفاجئ دائماً حاضر".
وأوضح البللي أيضاً أن المنطقة كانت مكتظة حتى قبل النزوح، ومع تدفق المزيد من النازحين، أصبحت الشوارع تفيض بالنفايات، بالإضافة إلى ازدحام حركة السير، خاصة في شارع التاكسي الذي يعاني من الاختناق المروري.
من جهة أخرى، يعاني النازحون من أزمة سكن حادة، حيث باتت البيوت المعدّة للإيجار نادرة، مما شكل عبئاً كبيراً على الوافدين الجدد، وأشار البللي في هذا الصدد إلى أن الأهالي الذين تربطهم صلات قرابة أو صداقة بالنازحين استقبلوا البعض منهم، ما زاد الضغط على الأسر المضيفة.
ومع ذلك، حمل النزوح بعض الفوائد الاقتصادية للتجمع، حيث انتعشت حركة البيع والشراء، وخاصة في محلات البقالة والخضار واللحوم، إلا أن الناشط البللي نبه إلى أن هذه الفائدة مؤقتة، إذ يعتمد النازحون في أغلبهم على مدخراتهم التي ستنفد قريباً.
جهاد ديب، أحد سكان التجمع، يستضيف عائلة من مخيم الرشيدية، تحدث عن التحديات التي يواجهها، حيث يعيش وأسرته الكبيرة في شقة صغيرة. وأوضح: "أعمل في محل لبيع الكعك، ومع استضافة عائلتي ارتفعت نفقاتي اليومية، إذ إنهم لا يملكون مدخرات".
كما عبّر ديب عن خوفه المستمر من القصف، قائلاً: "مع كل استهداف نخشَى أن تكون المرة القادمة هنا في وادي الزينة".
في المقابل، أشار محمد أبو عرب، نازح من مخيم برج البراجنة، إلى شعوره بالمرارة، إذ ترك المخيم مكرهاً بعد تعرض الضاحية الجنوبية للقصف، قائلاً: "أنتظر اللحظة المناسبة للعودة، فحياتي هنا مليئة بالضغوط". وأضاف:" أنه فقد مصدر رزقه، وأصبح يشعر بأنه عبء على أقربائه الذين استضافوه".
نواقص عديدة وانتقادات لـ "أونروا" ودورها في مواجهة الأزمة
ويضم تجمع وادي الزينة 3 مراكز إيواء أنشأتها وكالة "أونروا" ضمن خطة الطوارئ، منها معهد سبلين ومدرستي بيت حالا وبير زيت، وتستضيف هذه المراكز مئات النازحين من مخيمات الجنوب (البص، الرشيدية، وبرج الشمالي).
ماهر عبود، المسؤول عن جمعية الهيئة الخيرية في التجمع، يقول لموقعنا: إنّ التجمع نال حصة الأسد من النزوح الفلسطيني واللبناني، يعتبر الجهود الإغاثية بأنها أساسية للتخفيف من المعاناة، حيث قدمت الجمعية وجبات غذائية وأغطية ومستلزمات أساسية للنازحين في مراكز الإيواء، شملت توفير غسالات وثلاجات.
وأكد عبود أن النازحين وصلوا إلى المنطقة دون موارد، ما يجعل دعم المؤسسات الإغاثية ضرورياً في ظل ما يصفه "بفشل الأونروا" في تقديم المساعدات الكافية والاعتماد الكبير على الجمعيات لتغطية احتياجات النازحين.
وتابع عبود: "نحن نقدم خدمات متنوعة ولا نقتصر على خدمة واحدة حيث قدمنا مساعدات لمركز الإيواء في جامع فرحات ومدرسة داوود العلي ومعهد سبلين وبيت جالا وبيرزيت، وقدمنا مساعدات داخل البيوت، مشيرا إلى ان التقدمة كانت عبارة عن وجبات وفرش وأغطية وحصص غذائية ومنظفات، وفي خطوة مهمة قدمنا غسالات وبرادات لمراكز الإيواء".
وأضاف عبود لموقعنا، أغلب الناس نزحت وهي لا تملك أي شيء على الإطلاق دون أموال ولا مسكن ولا مأكل ولا مشرب، يفتقدون لمقومات الحياة الطبيعة، ولكن هذه التقديمات خففت بعض الشيء، وجعلتهم يتأقلمون مع الوضع الحالي.
لافتاً إلى أن الناس لا يعيشون الحياة الطبيعية ولكن ضمن الإمكان نستطيع ان نخفف جزءاً من المعاناة، وأن ينام ويأكل ويشرب ويعيش بأمان.
وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" تواجه بدورها انتقادات حادة، لعدم تلبيتها احتياجات النازحين، إذ تعتمد بشكل رئيسي على الجمعيات لتقديم المساعدات، بحسب أحمد النصر، مسؤول اللجنة الشعبية لتجمع وادي الزينة، الذي قال: "توجد ثلاثة مراكز إيواء في سبلين وبيت جالا وبير زيت، إلا أن الأونروا لم تقدم الخدمات الكافية، ما دفعنا للتعاون مع البلدية والجمعيات المحلية لتوفير احتياجات النازحين".
وأوضح النصر أن عدد العائلات الفلسطينية في معهد سبلين يبلغ 173 عائلة، بينما تضم بيت جالا وبير زيت 212 عائلة، معظمهم من مخيمات الجنوب، أما النازحون داخل البيوت، فيبلغ عددهم نحو 550 عائلة.
وقال النصر: إن وضع النازحين صعب جدا، فهم خرجوا حفاة عراة لا يملكون أي شيء، وبعضهم أمّن مكاناً للسكن عند قريب له، ومن يملك المال استأجر بيتاً، والفئة الكبيرة ذهبت الى مراكز الإيواء. مشيراً إلى تلقي اللجنة الشعبية وعوداً بتأمين مستلزمات كالأغطية والفرش وسواها، فيما وصف وكالة "أونروا" بأنها تعتمد على الجمعيات لإغاثة النازحين.
وأضاف: "لا نفرق بين النازح الفلسطيني واللبناني والسوري، ونحاول تأمين الرعاية الصحية في مراكز الإيواء رغم ضعف الإمكانيات". وتابع: "ونحن نتابع بكل قدراتنا علاج المرضى الموجودين في مراكز الإيواء وداخل البيوت، وهذه هي المرحلة الثانية من العلاج ويوم الجمعة القادم سنقوم بحملة على جميع مراكز الإيواء".
ومع اقتراب فصل الشتاء، ترتفع مخاوف النازحين، حيث يفتقدون لأدنى مقومات الحياة، ومستلزمات مواجهة موجات البرد القارس الذي يضرب منطقة إقليم الخروب، فيما يعيشون تحت وطأة الفقر والحاجة، وسط آمال في استمرار الدعم الإنساني الذي يقدمه المجتمع المدني، خاصة في ظل النقص الحاد في التمويل الدولي، واستمرار الحرب "الإسرائيلية" على لبنان.