يعتبر القرار الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية، أمس الخميس 21 تشرين الثاني/ نوفمبر، بإصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتياهو" ووزير حربه "يوآف غالانت"، قراراً تاريخياً وغير مسبوق بحق كيان الاحتلال، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، لا سيما في قطاع غزة، وهو ما آثار ردود فعل متباينة حيث رحبت العديد من الدول به، وأبدت استعدادها لاعتقال المطلوبين، فيما تحفظت دول معسكر الحلف التاريخي مع كيان الاحتلال، علماً ان القرار يُلزم الدول الأعضاء في المحكمة بتنفيذ هذه المذكرات، ما يضع قادة الاحتلال تحت تهديد الملاحقة القانونية الدولية.
ردود فعل أوروبية متباينة
أثار القرار تبايناً في المواقف الأوروبية، فالدول الأوروبية، مثل هولندا وإيرلندا والسويد، وسويسرا وبلجيكا، وإيطاليا، الذين رحبوا بالقرار، أكدوا التزامهم بتنفيذ أحكام المحكمة، واعتقال المطلوبين في حال وصلا أراضيها، بينما عبرت فرنسا عن موقف غير واضح تجاه إجراءاتها في حال وصل نتنياهو وغالانت إلى أراضيها.
فوزير الخارجية الهولندي، "كاسبار فيلدكامب"، أعلن استعداد بلاده للتحرك إذا لزم الأمر، بينما اعتبر رئيس الوزراء الإيرلندي "سيمون هاريس" القرار "خطوة بالغة الأهمية".
في المقابل، اتخذت إيطاليا موقفاً مزدوجاً؛ حيث أيد وزير خارجيتها دور المحكمة القانوني، بينما أكد وزير الدفاع على الالتزام باعتقال نتنياهو إذا زار البلاد.
وأشارت كل من السويد وكندا إلى دعم استقلال المحكمة، بينما دعت النرويج إلى تحقيق العدالة وفق أعلى معايير المحاكمة.
بينما عبرت فرنسا عن دعمها العام للقانون الدولي، وبدت تصريحاتها أكثر تحفظاً، فالمتحدث باسم الخارجية الفرنسية أشار إلى أن "الأمر معقد قانونياً" وأن باريس ستدرس تبعات القرار بعناية.
الموقف الأمريكي والبريطاني: دعم ضمني لـ"إسرائيل" وانتقادات للمحكمة
في أول رد فعل أمريكي، انتقد مجلس الأمن القومي القرار بشدة، معتبراً أن العملية التي قادت لإصداره "تشوبها أخطاء مزعجة"، بينما وصف السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام المحكمة بأنها "مزحة خطيرة"، وهو ما رآه مراقبون، موقفاً يعكس استمرار الولايات المتحدة في رفض اختصاص المحكمة بشأن "إسرائيل".
أما بريطانيا، فقد تبنت موقفاً مزدوجاً، فبالرغم من تأكيدها احترامها لاستقلال المحكمة، رأت أن "لا تكافؤ أخلاقي بين إسرائيل والمنظمات الإرهابية مثل حماس وحزب الله"، ما يعكس دعمًا ضمنيًا لكيان الاحتلال وقادته وسط تنديدها بقرار المحكمة.
تداعيات القرار على قادة الاحتلال
ويرى مراقبون، أنّ القرار يمثل تحدياً قانونياً كبيراً لـ "إسرائيل"، إذ يضع قيادتها تحت طائلة المحاسبة الدولية، وفق مخاوف عبر عنها أكاديميون " إسرائيليون".
أستاذ القانون الدولي بجامعة "تل أبيب"، "إلياف ليبليتش"، رأى أن الدول الموقعة على نظام روما الأساسي ستكون ملزمة قانونياً باعتقال المطلوبين حال دخولهم أراضيها.
وأشار إلى أن القرار قد يعقد العلاقات العسكرية والدبلوماسية لـ "إسرائيل" مع دول الاتحاد الأوروبي، وقد يؤدي إلى تقليص التعاون الأمني خوفاً من التعرض للمساءلة القانونية.
ترحيب فلسطيني وعربي بقرار المحكمة
بدورها، رحبت السلطة الفلسطينية بقرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو ووزير الحرب السابق "يوآف غالانت"، متهمة إياهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وأكدت في بيان رسمي أن هذا القرار يعيد الأمل والثقة بالقانون الدولي ومؤسساته، ويبرز أهمية العدالة والمساءلة في مواجهة مجرمي الحرب. كما أشارت إلى الجرائم المروعة التي يعانيها الشعب الفلسطيني، والتي تشمل الإبادة الجماعية، التجويع كأداة حرب، والقتل والاضطهاد والتهجير القسري.
وشدد البيان على ضرورة أن تقوم جميع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة بتنفيذ القرار وتسليم المطلوبين للعدالة.
كما طالبت بتطبيق سياسة قطيعة كاملة مع المطلوبين دولياً، وفي مقدمتهم نتنياهو وغالانت. وأكدت فلسطين استمرار عملها مع المؤسسات والمحاكم الدولية حتى تحقيق العدالة وإنصاف الشعب الفلسطيني.
من جهتها رحبت الحكومة العراقية بالقرار، ووصفته بالشجاع والعادل، وأكد الناطق الرسمي باسم الحكومة، باسم العوادي، أن إصدار المحكمة مذكرات اعتقال ضد نتنياهو وغالانت يمثل خطوة أساسية لمحاسبتهما على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني.
ووصفت الجزائر القرار بأنه تطور ملموس نحو إنهاء عقود من الإفلات من العقاب. وفي بيان أصدرته وزارة الخارجية، أكدت الجزائر أن هذا القرار يعكس الجهود الدولية لإنصاف وحماية الشعب الفلسطيني، ويعبر عن التزام المجتمع الدولي بمواجهة جرائم الاحتلال "الإسرائيلي".
ودعت الجزائر الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية إلى اتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ مذكرتي الاعتقال، لضمان أن تأخذ العدالة الدولية مجراها دون أي عوائق.
أما منظمة التعاون الإسلامي، فقد رحبت كذلك بالقرار، معتبرة إياه انتصاراً للشرعية الدولية وللعدالة. وأشارت المنظمة إلى أن إصدار مذكرتي الاعتقال يشكل نقطة تحول نحو إنهاء حالة الإفلات من العقاب التي استمرت لعقود.
كما طالبت المنظمة المجتمع الدولي، وخاصة الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، باحترام القرار وتنفيذه. وأكدت على ضرورة أن تسرّع محكمة العدل الدولية بإصدار حكمها بشأن ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي جريمة الإبادة الجماعية.
ودعت مجلس الأمن الدولي إلى تحمل مسؤولياته واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الجرائم التي يرتكبها الاحتلال "الإسرائيلي"، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل مستدام إلى قطاع غزة.