تصاعدت الإدانات الفلسطينية والدعوات الأممية للتحقيق فيما أسمته السلطة الفلسطينية بـ"العملية الأمنية" التي تقوم بها في مخيم مدينة جنين شماليّ الضفة الغربية، والذي صار ساحة مواجهة بين عناصرها وأفراد من كتيبة جنين الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي عقب اندلاع اشتباكات مسلحة بين الطرفين أشعل فتيلها مقتل الشاب الفلسطيني ربحي محمد الشلبي على يد الأجهزة الأمنية.

استمرار التوترات في مخيم جنين إثر قتل أمن السلطة شاباً فلسطينياً.

ولليوم السابع على التوالي، تواصل أجهزة أمن السلطة حصار مخيم جنين في ظل توتر شديد يعم المنطقة. وبدأت الأزمة إثر حملة اعتقالات نفذتها الأجهزة الأمنية بحق نشطاء من المخيم ينتمون لحركة الجهاد الإسلامي، تلتها عملية استيلاء من قبل أفراد الكتيبة على مركبتين، إحداهما تعود للارتباط العسكري الفلسطيني والأخرى لوزارة الزراعة. بعد ذلك، عادت الأجهزة الأمنية لاعتقال نشطاء وذوي شهداء من المخيم، ليتم بعد ذلك فرض حصار شامل على المخيم وإغلاق مداخله، وصولًا إلى مقتل الشاب الشلبي على يد عناصر السلطة.

وخلال الأيام الأولى من اندلاع المواجهات اعتقل أمن السلطة الأسيرين المحررين عماد أبو الهيجاء وإبراهيم الطوباسي، رغم انتمائهما إلى عائلات مناضلة تضم شهداء وأسرى محكومين بالمؤبدات، ورافق ذلك اعتقال عدد من كوادر حركة الجهاد الإسلامي ومصادرة أموال بحوزتهم كانت موجهة لدعم أسر الشهداء والأسرى، حيث جرى التعامل معهم واتهامهم بأنهم لصوص وقطاع طرق، بحسب ما أكدته مصادر محلية لصحيفة العربي الجديد.

وزعمت أجهزة السلطة أن ما أسمتهم ب"مجموعة خارجة عن القانون" تقف وراء قتل الشاب الشلبي، قبل أن تتراجع عن روايتها بعد ما أظهرته كاميرات مراقبة أن الشاب شلبي قتل بعدما أطلق الرصاص عليه مباشرةً على بعد مترين من مركبة مصفحة للأمن الفلسطيني، وادعت خلال بيان لها أنها "ستتابع بشكل حثيث ما يُتداوَل للوقوف على التفاصيل كافة وكشف حيثيات الحادث المؤسف وملابسات".

 ومن جهتها، حمّلت عائلة الشاب الشلبي خلال بيان لها قيادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية مسؤولية ما وصفته بـ"الإعدام الميداني" لابنها، واحتفظت بحقها في المتابعة القانونية والقضائية.

وجاء في بيان العائلة: "أطلقت دورية لقوات الأمن النار على شابين من العائلة كانا يستقلان دراجة نارية قانونية متجهين إلى عملهما، وعندما اقتربا من الدورية في حي الجابريات خارج المخيم، ترجلا من الدراجة النارية بناء على طلب عناصر الدورية، ومن داخل مركبة الأمن أطلقوا النار عليهم من مسافة قريبة، ما أدى إلى استشهاد الشاب ربحي الشلبي برصاصتين اخترقتا صدره، وإصابة الشاب حسن الشلبي بعينه".

محاولات لوأد المقاومة الفلسطينية في مخيم جنين

بدوره اعتبر قائد كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، نور البيطار، أن السلطة الفلسطينية تبذل جهوداً مستمرة لإنهاء حالة المقاومة في مدينة ومخيم جنين في محاولة لإنهاء التوترات بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والمقاومة.

وأشار البيطار في تصريحات صحفية قبل عدة أيام أن كتيبة جنين تلقت العديد من المبادرات بهدف احتواء التوترات، إلا أن الجهود قوبلت بالرفض بسبب إصرار السلطة على نزع سلاح المقاومة، وإنهاء حالة المقاومة.

وكشف البيطار عن وصول رسالة من السلطة الفلسطينية، قبل مقتل الشاب ربحي الشلبي خلال توجهه إلى عمله، حيث ردت السلطة على المبادرات كلها لاحتواء الأزمة بأن الهدف ليس استعادة مركبات حكومية كان استولى عليها مقاومون الخميس الماضي، من أجل المطالبة بالإفراج عن معتقلين سياسيين، بل الهدف من قبل السلطة هو إنهاء حالة المقاومة في مدينة ومخيم جنين.

وقال البيطار: إن الأجهزة الأمنية تحاصر مخيم جنين وكأنها في نزهة، لكنها لا تدرك أن المخيم متمرس في مواجهة الاحتلال، نحن شعب يناضل من أجل التحرر، مستعدين للتضحية بأرواحنا من أجل كرامتنا وحرية شعبنا وإعلاء كلمة الله".

وأكد البيطار أن مخيم جنين، الذي يعد معقلاً تاريخياً للمقاومة منذ الانتفاضة الثانية، سيظل عصياً على أي محاولات لتفكيك بنية المقاومة.

إدانات فلسطينية ودعوات أممية للتحقيق في ممارسات أمن السلطة

وفي غضون ذلك، وصفت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأن عملية الأمن الفلسطيني في جنين تثير مخاوف من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، ومنها القتل غير المشروع.

ودعت في بيان مقتضب السلطة الفلسطينية للتحقيق بسلوك الأمن في جنين، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة هناك.

 حركة الجهاد الإسلامي، اعتبرت أن ما تقوم به أجهزة أمن السلطة الفلسطينية من قتل واعتقال وملاحقة المقاومين تجاوزاً للمحرمات الدينية والوطنية والعائلية، واتهمتها بـ"أنها تريد جر الضفة إلى الفتنة والاقتتال".

وقالت الحركة، في بيان صحفي: "إن استمرار هذا المخطط المشبوه والمدان، سيشكل وصمة عار تلاحق المنخرطين فيه، وكل من يقف داعماً ومتفرجاً وصامتاً".

وتابعت:" إن مدينة جنين ومخيمها يشهدان لليوم السادس على التوالي، اشتباكات عنيفة بين أجهزة أمن سلطة رام الله وقوى المقاومة الفلسطينية، بعدما تفجّرت الأوضاع في أعقاب اعتقال الأجهزة الأمنية مجموعة من أبنائنا المقاومين في كتيبة جنين، ومصادرة أموال خاصة بعوائل الشهداء".

وأوضحت أنه لليوم السادس تواصل قوات السلطة حصار مخيم جنين، حيث عززت أجهزة أمن سلطة رام الله من قواتها داخل المخيم، ونشرت المدرّعات المصفّحة في الطرقات، والقناصة على أسطح المنازل، فيما يعيد إلى الأذهان ممارسات جيش العدو في اقتحاماته.

وشددت الحركة على أن كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس "قد توجّهت برسالة إلى أهالي جنين، أكدت فيها أننا خرجنا ونهضنا من تحت أنقاض ما دمّره الاحتلال، ومن بين دماء وتضحيات إخواننا الشهداء، ولأجل ذلك نناشدكم من باب حرصنا على أمنكم وسلامتكم، ونخاطب وعيكم وخوفكم ألا نقع وإياكم في شباك المحظور الذي يرسمه لنا القريب والبعيد، محذّرة من وجود مخطط يحاك ضدها على أيدي بعض قادة الأجهزة".

وناشدت المعنيين في السلطة، كبح جماح "ذوي الرؤوس الحامية" في الأجهزة الأمنية.

بدورها، أدانت حركة المقاومة الإسلامية حماس إقدام السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية على قتل ربحي الشلبي برصاص أجهزة الأمن التابعة لها، واعتبرت الواقعة تجاوزا لكل الخطوط الحمر، وطالبت بحراك فصائلي لمواجهة ذلك.

وذكرت الحركة في بيان لها أن مشاهد إعدام الشهيد الشلبي في جنين تستدعي حراكا فصائليا وشعبيا واسعا وتكشف المستوى الخطير الذي وصلت إليه أجهزة السلطة.

ووصفت الحركة قتل الشلبي بأنه جريمة بشعة، وأن "المشاهد التي وثقتها الكاميرا لعملية الإعدام تكشف المستوى الهابط الذي وصلت إليه هذه الأجهزة من انعدام الضمير والأخلاق في التعامل مع أبناء شعبنا وأبطال المقاومة".

وأضافت أن هذه الجريمة التي تتجاوز كل الخطوط الحمر، وفق بيان الحركة، تستدعي حراكا فصائليا وشعبيا واسعا، لوقف ما وصفته بتجاوزات أجهزة السلطة الخطيرة تجاه المجتمع الفلسطيني، التي تتزامن مع حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة.

ودعا بيان الحركة جميع الفصائل والقوى الوطنية وكل مكونات الشعب ومؤسساته السياسية والقانونية والحقوقية لموقف حازم تجاه ما تتعرض له جنين وعموم الضفة الغربية على يد أجهزة السلطة.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد