فلسطين المحتلة-بوابة اللاجئين الفلسطينيين
بمجرد أن أعلنت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "اسكوا" عن تقريرها حول "ممارسات إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الفصل العنصري"، بدأت ردود الفعل الغاضبة من جهة والتنصّل من المسؤولية من جهةٍ أخرى، من الجهات المعنيّة، مثل الكيان الصهيوني صاحب الشأن والولايات المتحدة المدافع الرئيسي عن الكيان، والأمم المتحدة مُمثّلة بأمينها العام.
التقرير الصادر عن لجنة مُكوّنة من (18) دولة عربية من بينها فلسطين، لا يُعتبر الأول من نوعه الذي يُلاقي رفضاً أمريكياً وأمميّاً ومجابهة صهيونية، فقرار مجلس الأمن الدولي (2334) المُناهض للاستيطان الصادر في كانون الأول الماضي، قوبل بتغوّل استيطاني في الأراضي المحتلة بآلاف الوحدات والمشاريع الاستيطانية، ولم يتم مواجهة الكيان بمحاولة تطبيق القرار الأممي، ما يُعطي إشارة مسبقة حول فاعلية التقرير الجديد الصادر عن "الاسكوا".
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، صرّح بأن التقرير قد وُضع دون مشورة مسبقة مع الأمانة العامة للمنظمة، وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك للصحفيين في نيويورك أن التقرير نُشر دون أي تشاور مسبق مع أمانة الأمم المتحدة، مُضيفاً "التقرير بشكله الحالي لا يعكس وجهات نظر الأمين العام، التقرير نفسه يُشير إلى أنه يعكس وجهات نظر مؤلفيه."
فيما اعتبر المتحدّث باسم وزارة الخارجية الصهيونية إيمانويل نحشون أن التقرير الصادر عن "الاسكوا" هو منشور دعائي نازي مُعادٍ بشدة للسامية، مؤكداً في تغريده له على موقع "تويتر" أن الأمين العام للأمم المتحدة لم يؤيد التقرير."
أم سفير الكيان في الأمم المتحدة داني دانون، هاجم التقرير قائلاً "إن على الأمين العام للمنظمة الدولية التنكّر تماماً لهذا التقرير الكاذب"، وأضاف "إن تقرير الاسكوا يسعى إلى تشويه سمعة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، "إنه لمن المخجل والغريب أن تُقارن إسرائيل بأكثر الأنظمة ترويعاً في التاريخ الإنساني."
السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، اعتبرت في بيان صدر عنها أن "أمانة الأمم المتحدة مُحقّة في النأي بنفسها عن هذا التقرير، لكن يجب عليها أن تذهب إلى مدى أبعد وتسحب التقرير برمّته."
من جهةٍ أخرى، اعتبرت الخارجية الفلسطينية أن التقرير يدق ناقوس الخطر، قائلةً "يجب أن يقود إلى صحوة في المجتمع الإسرائيلي للضغط على حكومته لوقف احتلالها واستيطانها وممارساتها العنصرية، قبل أن يغرق المجتمع الإسرائيلي نفسه في نظام الفصل العنصري."
وانتقدت الخارجية دعوة أطراف لم تقم بتسميتها، لسحب التقرير، في إشارة إلى الولايات المتحدة، وقالت ان سحبه أو إخفاءه لن يخفِ حقيقة ما جاء فيه، مشيرةً إلى أن الاحتلال يرتكب جرائم ترتقي إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفقاً للقانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني.
أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، اعتبر أن "المشكلة ليست في التقرير، ولكن المشكلة في الحكومة الإسرائيلية وممارساتها وفي المستوطنات التي تُدمّر كل شيء، هذه هي الحقيقة."
حركة المقاومة الإسلامية حماس، ثمّنت التقرير الصادر عن "الاسكوا"، ووصف الناطق باسم الحركة فوزي برهوم أن التقرير يُعتبر انتصاراً للحق الفلسطيني وانكشاف واضح لحقيقة الكيان الصهيوني ومشروعه الخطير في المنطقة، وهو دليل تأكيد على إرهاب الكيان الصهيوني وعنفه وبشاعة جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، ما يستدعي تبنياً رسمياً للتقرير من قِبل المجتمع الدولي والعمل على عزل هذا الكيان العنصري ومحاكمته على جرائمه والعمل على إنصاف الشعب الفلسطيني ودعم عدالة قضيته.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، اعتبر أن تقرير "الاسكوا" وثيقة مهمة يجب أن تدفع المجتمع الدولي إلى تفعيل آلية لمساءلة الكيان دولياً، داعياً المجتمع الدولي إلى العمل الجاد من أجل وقف الحالة التي يتصرف فيها الاحتلال كدولة فوق القانون من خلال تطبيقه شتّى أشكال التمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني.
أكّد تقرير لجنة "الاسكوا" الذي أعلنت عنه الأمينة التنفيذية للجنة ريما خلف، في مؤتمر صحفي عُقد في العاصمة اللبنانية بيروت، على أن الكيان الصهيوني أسّس نظام "أبارتهايد" يُهيمن على الشعب الفلسطيني بأجمعه، ورأى القائمون على التقرير أن الوقائع والأدلة تُثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن الكيان بسياساته وممارساته مذنباً بارتكاب جريمة الفصل العنصري "أبارتهايد" كما تُعرّفها صكوك القانون الدولي، وأظهر التقرير أنه لا يمكن تطبيق حل الدولتين أو أي مقاربة إقليمية أو دولية لإنهاء الصراع "الفلسطيني الإسرائيلي"، ما لم يتم تفكيك نظام "الأبارتهايد" الذي يفرضه الكيان على الفلسطينيين.
واستند التحليل في التقرير إلى مضامين ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان ذاتها التي ترفض مُعاداة السامية وغيرها من أيديولوجيات التمييز العنصري، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة 1945، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله 1965، ويعتمد التقرير في المقام الأول على تعريف "الأبرتهايد" في المادة (2) من الاتفاقية الدولية بشأن قمع جريمة الفصل العنصري ومعاقبة مرتكبيها 1973.
وكان قد أعدّ التقرير ريتشارد فولك الخبير القانوني الدولي وحقوق الإنسان والمقرر الخاص الأسبق المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بطلب من "الاسكوا"، وشارك في الإعداد كذلك فيرجينيا تيلي الباحثة والأستاذة في العلوم السياسية والخبيرة في دراسة السياسات "الإسرائيلية".
يُشار إلى أن لجنة "اسكوا" أنشئت في التاسع من آب عام 1973، بموجب قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، لتحفيز النشاط الاقتصادي في البلدان الأعضاء، وتعزيز التعاون في ما بينها، وتشجيع التنمية، وتتخذ من العاصمة بيروت مقراً لها.