يمر شهر رمضان هذا العام على أهالي المخيمات الفلسطينية في سوريا بظروف استثنائية، حيث تعاني البلاد من مرحلة إعادة ترتيب الأوضاع الاقتصادية بعد سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. هذه المرحلة غير المستقرة أثرت بشكل مباشر على قدرة الأهالي على ممارسة طقوسهم الرمضانية المعتادة، نتيجة التقلبات الشديدة في أسعار الدولار، تأخر صرف الرواتب للموظفين، وتوقف وكالة "أونروا" عن تقديم معوناتها المالية للعائلات الفلسطينية اللاجئة.
مخيم اليرموك: محاولات لإعادة الأجواء الرمضانية
في مخيم اليرموك، الذي بدأ يستعيد بعض الحياة بعد سنوات من الدمار، تنشط حركة السكان نسبياً خلال الأيام الأولى من الشهر الكريم. ويحاول المخيم استعادة أجواء رمضان عبر نصب بسطات صغيرة تبيع العصائر والتمر الهندي، لكنه لا يزال بعيدا عن أن يكون سوقاً حقيقيًا. باستثناء بعض المحال التجارية التي فتحت أبوابها لخدمة العائلات العائدة إلى المخيم المدمر، فإن معظم الخدمات ما زالت غائبة.

أحد اللاجئين، "أبو إبراهيم"، أفاد لموقعنا، أن الحوالات المالية التي يعتمد عليها الكثير من العائلات أصبحت أقل قيمة بسبب تقلب سعر صرف الدولار، بينما الأسعار لم تنخفض بالنسبة نفسها.
وقال: "الحوالة التي كانت تصلني بقيمة 150 دولاراً أصبحت اليوم أقل جداً من أن تغطي احتياجاتي الأساسية. الأسعار لم تنخفض مع انخفاض قيمة الدولار، مما أفقدهم القدرة الشرائية".
ويشير مراسل بوابة اللاجئين الفلسطينيين، إلى أن معظم العائلات في المخيم تعتمد على رواتب موظفين لم تُصرف بعد أو عمل يومي غير مستقر. فيما تأخر وكالة "أونروا" في صرف المعونات المالية أضاف عبئاً جديداً على السكان، الذين أصبحوا غير قادرين على ممارسة الطقوس الرمضانية بشكل طبيعي.
مخيم خان الشيح: دعوة إلى تقييم الحاجات وتعزيز الدعم
في مخيم خان الشيح، يصف أحد اللاجئين الوضع بأنه سيئ للغاية، مشدداً على أهمية وجود دراسة تحدد حاجات الأسر داخل المخيم. يقول: "نتمنى أن تكون هناك دراسة دقيقة لتقييم الاحتياجات الكبيرة في المخيم، خاصة وأننا نعاني من نقص السيولة المالية وضعف الاقتصاد. نأمل ألا يقصّر أهل الخير مع الناس، وأن يتم تحديد الحاجات لتتمكن الجمعيات الإغاثية من القيام بواجباتها".

من جهة أخرى، يشير أصحاب المحال التجارية إلى أن تقلب أسعار الدولار أثر بشكل كبير على حركة السوق خلال رمضان. يقول أحد التجار:"حركة الشراء في المخيم تقتصر فقط على من يتلقون حوالات من الخارج. الأسعار تتأثر بالتقلبات النقدية، والناس أصبحوا غير قادرين على الإنفاق كما كانوا سابقا".
أما صاحب محل الحلويات، فيوضح أن الناس اعتادوا شراء الحلويات بعد الإفطار، لكن هذا العام تغير المشهد تماماً. وأضاف: "لأن الناس لا تملك المال الكافي، اضطررنا إلى استخدام مواد أولية رخيصة لصنع الحلويات، بهدف تخفيض الأسعار وإتاحة الفرصة لهم لشراء شيء بسيط. لكن حتى ذلك لم يكن كافيًا لتحريك السوق بشكل ملحوظ".

مخيم درعا: غياب الدعم الخارجي يزيد الوضع سوءاً
في مخيم درعا، يبرز الغياب الكبير للدعم الخارجي كأحد التحديات الرئيسية التي يواجهها السكان خلال شهر رمضان. وقال أحد أصحاب محال السوبرماركت لمراسلنا: "ما كان يحرك الأوضاع في رمضان الماضي هو التواصل مع موزعي الحصص الإغاثية من الخيرين. كانوا يتواصلون معي لتوزيع حصص غذائية على السكان. لكن هذا العام، تواصل معي شخص واحد فقط، بينما كان هناك العديد من الأشخاص يقومون بذلك في السنوات السابقة".

يشير لاجئ آخر إلى أن المواد الغذائية الأساسية متوفرة وبأسعار رخيصة نسبيًا، لكن المشكلة تكمن في عدم توفر السيولة المالية لدى الناس. قال: "كل شيء موجود وكل شيء رخيص، ولكن كما يقول المثل "الجمل بليرة ولا توجد ليرة". الناس لا تمتلك حتى قوت يومها، وبالتالي لا يمكنها إنعاش السوق أو شراء الحاجيات الرمضانية".
ويرجع السبب الأساسي لهذا الشحّ المالي إلى توقف الأعمال التي يعتمد عليها السكان، مثل البناء والحرف المختلفة، بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية. وأكد أن هذا التوقف أدى إلى فقدان مصدر الدخل الوحيد للكثير من العائلات، مما يجعل رمضان هذا العام أكثر ثقلاً على كاهلهم.

التحدي المشترك: غياب السيولة وضعف الدعم
وتشترك مخيمات اللاجئين الفلسطينيين عموما، بما فيها المخيمات الثلاثة التي رصدها مراسلونا (اليرموك وخان الشيح ودرعا) في نفس التحدي الأساسي، وهو غياب السيولة المالية وضعف الدعم الخارجي. ويعتمد معظم السكان على الحوالات المالية من الخارج ومعونات "أونروا"، لكن التقلبات الاقتصادية، وتراجع دور الوكالة تركا أثراً كبيراً على قدرتهم الشرائية.
ففي مخيم اليرموك، يعاني السكان من تقلبات سعر صرف الدولار وعدم استقرار الرواتب، وفي مخيم خان الشيح يطالب السكان بتقييم دقيق لاحتياجاتهم، مع ضعف حركة السوق؛ بسبب عدم توفر السيولة، وفي في مخيم درعا جنوب سوريا، غابت المساعدات الخارجية بشكل كبير، مما أثّر في حركة البيع والشراء داخل السوق المحلي.
وعلى الرغم من هذه التحديات، إلا أن روح التحدي والإصرار ما زالت حاضرة بين صفوف اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات السورية، ويسعون لاستعادة أجواء رمضان بأبسط الإمكانيات، وسط دعوات لا تتوقف للجهات الإغاثية ووكالة "أونروا" لتلبية احتياجاتهم الأساسية، خاصة وأن رمضان يأتي هذا العام في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة للغاية.