نددت الأمم المتحدة، إلى جانب حقوقيين دوليين ومنظمات إنسانية غير حكومية، بالقرار الصادر عن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بفرض عقوبات على فرانشيسكا ألبانيز، المقرّرة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة لدى الأمم المتحدة. وكانت ألبانيز قد نشرت هذا الشهر تقريرًا اتهم 60 شركة، من بينها شركات أمريكية، بدعم المستوطنات "الإسرائيلية" في الضفة الغربية.
وطالب مدافعون حقوقيون الولايات المتحدة بإسقاط العقوبات، معتبرين أنها جاءت ردًا على موقف ألبانيز المنتقد للجرائم المرتكبة في غزة والضفة الغربية، واتهاماتها لـ"إسرائيل" بانتهاك القانون الدولي.
ودعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، واشنطن إلى التراجع عن قرارها، وقال: "حتى في مواجهة الخلافات الشديدة، يتعين على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة المشاركة بشكل موضوعي وبنّاء، بدلًا من اللجوء إلى الإجراءات العقابية".
أما يورغ لاوبر، الممثل الدائم لسويسرا لدى الأمم المتحدة، والتي تتولى حاليًا الرئاسة الدورية لمجلس حقوق الإنسان، فأعرب عن أسفه للعقوبات، داعيًا الدول إلى "الامتناع عن أي أعمال ترهيب أو انتقام ضد خبراء المنظمة".
وفي السياق ذاته، أعربت ماريانا كاتزاروفا، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في روسيا، عن قلقها من أن تحذو دول أخرى حذو الولايات المتحدة. وقالت لوكالة "رويترز":" هذا أمر غير مقبول على الإطلاق ويفتح الباب أمام أي حكومة أخرى لفعل الشيء نفسه... إنه هجوم على منظومة الأمم المتحدة ككل. يجب على الدول الأعضاء أن تنهض للتنديد بذلك".
ورغم أن روسيا رفضت تفويض كاتزاروفا ومنعتها من دخول أراضيها، إلا أنها لم تدرجها حتى الآن رسميًا على قوائم العقوبات.
عقوبات أمريكية رسمية على خلفية تقارير عن إبادة جماعية في غزة
وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية فرض عقوبات على فرانشيسكا ألبانيز، متهمةً إياها بـ"التحريض غير المشروع" على المحكمة الجنائية الدولية لاتخاذ إجراءات قانونية ضد مسؤولين أمريكيين و"إسرائيليين" على خلفية الجرائم المرتكبة في قطاع غزة.
وجاء في بيان صادر عن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أمس، أن ألبانيز "انخرطت بشكل مباشر مع المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع مواطنين أمريكيين وإسرائيليين دون موافقة حكوماتهم"، في إشارة إلى دعواتها لمحاسبة مرتكبي الجرائم بحق المدنيين الفلسطينيين.
وفي منشور على منصة "إكس"، اتهم روبيو ألبانيز بأنها "منخرطة في أنشطة متحيزة وخبيثة، وغير مؤهلة للعمل كمقررة خاصة"، مدعيًا أنها تمارس "معاداة للسامية، ودعمًا للإرهاب، وازدراءً للولايات المتحدة وإسرائيل والغرب"، حسب تعبيره.
وأشار إلى أن ألبانيز قدمت توصيات للمحكمة الجنائية الدولية شملت التحقيق مع رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، "دون أساس قانوني مشروع"، وفق وصفه.
وأكد الوزير الأمريكي أن واشنطن "لن تتسامح بعد الآن مع الحملة السياسية والاقتصادية التي تقودها ألبانيز ضد الولايات المتحدة وإسرائيل"، مضيفًا: "سنواصل اتخاذ كل ما نراه ضروريًا، وسنقف دائمًا مع حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
وفي خطوة تصعيدية، طلبت الإدارة الأمريكية من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إقالة ألبانيز، بذريعة "التحيز ومعاداة السامية"، في محاولة اعتبرها مراقبون تهدف إلى تقويض عمل المقررين الأمميين المعنيين برصد الانتهاكات الدولية.
ألبانيز ترد: "أساليب ترهيب مافياوية"
في أول رد فعل لها على القرار الأمريكي، وصفت فرانشيسكا ألبانيز العقوبات بـ"الترهيب المافياوي"، معتبرة أن الولايات المتحدة تحاول إسكاتها بسبب التزامها بالقانون الدولي والدفاع عن ضحايا الإبادة الجماعية.
وكتبت على حسابيها في "إنستغرام" و"إكس": "لا تعليق على أساليب الترهيب المافياوية. أنا منشغلة بتذكير الدول الأعضاء بالتزاماتها القانونية بوقف ومعاقبة الإبادة الجماعية ومن يستفيد منها".
وفي منشور آخر، أضافت: "يستحق المواطنون الإيطاليون والفرنسيون واليونانيون أن يعلموا أن كل عمل سياسي ينتهك النظام القانوني الدولي يضعفهم جميعًا ويعرضنا جميعًا للخطر".
وكانت ألبانيز قد دعت، في وقت سابق من هذا الأسبوع، حكومات إيطاليا وفرنسا واليونان إلى توضيح أسباب سماحها بمرور طائرة رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو في مجالاتها الجوية، رغم كونه "مطلوبًا للعدالة الدولية في قضايا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، وفق تقاريرها الرسمية.
ومنذ بدء العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، أصدرت فرانشيسكا ألبانيز سلسلة تقارير موثقة اتهمت فيها "إسرائيل" بارتكاب جرائم إبادة جماعية ممنهجة ضد المدنيين الفلسطينيين، شملت القتل الجماعي، التهجير القسري، تدمير البنية التحتية، واستهداف المنشآت الصحية وتجويع السكان عمدًا.
وفي أحدث تقاريرها، الصادر في تموز/يوليو الجاري، اتهمت ألبانيز أكثر من 60 شركة عالمية، بينها شركات تكنولوجيا وتسليح، بتقديم دعم مباشر أو غير مباشر للعمليات العسكرية "الإسرائيلية" في غزة والمستوطنات في الضفة الغربية، داعية إلى محاسبتها وفق القانون الدولي على دورها في تسهيل أو تمويل جرائم الحرب.