تتفاقم المجاعة المفتعلة "إسرائيليًا" في قطاع غزة يومًا بعد يوم، ويمعن الاحتلال في إبادة الغزيين جوعًا وقصفًا، في إطار حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال "الإسرائيلي" منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مستخدمًا المجاعة كوسيلة ممنهجة لإخضاع وتجويع أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين، في ظل شحّ حاد بالمساعدات الإنسانية، ومنع وصول الغذاء والماء والدواء، وتواطؤ رسمي عربي ودولي.
فجر اليوم الأربعاء 23 تموز/ يوليو، ارتكب الاحتلال مجزرة جديدة راح ضحيتها 7 فلسطينيين، بينهم طفل وجنين استشهد في رحم والدته، وذلك بعد استهداف شقة سكنية تعود لعائلة الشاعر قرب مسجد الفلاح في حي تل الهوا جنوب غرب مدينة غزة، كما أُصيب عدد آخر من الفلسطينيين بجروح.
وفي جريمة أخرى تضاف إلى سلسلة الانتهاكات المتكررة بحق الكوادر الطبية، أصيبت طواقم إسعاف بجروح بعد قصف مباشر لمركبة إسعاف في محيط مستشفى حمد للتأهيل شمال غرب غزة، في الوقت الذي كانت الطواقم تؤدي مهامها الإنسانية بإخلاء الجرحى من المناطق المستهدفة.
وفي مدينة دير البلح، أفاد مصدر طبي في مستشفى الأقصى بانتشال جثامين 6 شهداء من مناطق متفرقة، ما يرفع من حصيلة الشهداء في الساعات الأخيرة إلى 91 شهيدًا منذ فجر أمس الثلاثاء.
مجاعة ممنهجة وتدمير مقصود للنظام الإنساني
وفي موازاة الجرائم اليومية، يتواصل استخدام التجويع والعطش كأدوات قتل جماعي، حيث صرحت مديرة المكتب الإعلامي لوكالة "أونروا" بأن ما يجري هو "إمعان في استخدام الجوع سلاحًا". وأضافت أنّ نحو مليون طفل في غزة معرضون لخطر سوء التغذية الحاد، إضافة إلى أنّ 90% من العائلات لا تستطيع الحصول على المياه.
وشددت على أنّ آثار الجوع الكارثية تشمل كافة السكان، وليس الأطفال فقط، حيث يواجه السكان الجوع والعطش، إضافة إلى انتشار الأوبئة والأمراض، ودعت إلى ضرورة فتح المعابر فورًا وإدخال الإمدادات الحيوية.
وفي تطوّر لافت يعكس حجم الكارثة، أصدرت أكثر من 100 منظمة إنسانية دولية، اليوم الأربعاء، بيانًا مشتركًا طالبت فيه حكومات العالم بالتحرك الفوري والعاجل لوقف المجاعة والحصار، وإنهاء الهجمات على المدنيين في قطاع غزة.
وجاء في البيان: "بعد مرور شهرين على بدء عمل مخطط (مؤسسة غزة الإنسانية) الخاضعة لسيطرة الحكومة الإسرائيلية، ما زال سكان غزة يتضورون جوعًا".
وأشار البيان إلى أنّ عمال الإغاثة أنفسهم يقفون في طوابير الطعام، معرضين لخطر إطلاق النار فقط لإطعام أسرهم. "فيما تدهورت صحة زملائنا وشركائنا أمام أعيننا مع نفاد الإمدادات تمامًا"، حسبما شدد البيان.
وجاء في البيان أن السؤال المتكرر كل صباح في غزة هو: "هل سأتمكن من تناول الطعام اليوم؟"، وأن المجازر في مواقع توزيع الطعام باتت شبه يومية، وأشار إلى توثيق الأمم المتحدة، حتى 13 تموز/ يوليو، استشهاد ما لا يقل عن 875 فلسطينيًا أثناء بحثهم عن الطعام، بينهم 201 على طرق المساعدات، والبقية في نقاط التوزيع، وأُصيب الآلاف.
وأشار البيان إلى أن القوات "الإسرائيلية" هجّرت قسرًا نحو مليوني فلسطيني، معظمهم أنهكوا من النزوح المتكرر، وحصروا في أقل من 12% من مساحة غزة، بعد أوامر إخلاء جماعية، كان آخرها في 20 تموز/ يوليو.
وأكدت المنظمات أن برنامج الأغذية العالمي حذّر من أن الظروف الحالية تجعل العمليات الإنسانية غير قابلة للاستمرار، لافتة إلى أن استخدام التجويع كسلاح حرب ضد المدنيين يعد جريمة حرب بموجب القانون الدولي.
وأضاف البيان: "الأطنان من الغذاء والمياه النظيفة والإمدادات الطبية ومواد الإيواء والوقود تتكدس في المخازن خارج غزة وداخلها، دون توزيعها بسبب المنع من الوصول. القيود والتأخيرات والتجزئة المفروضة من قبل الحكومة الإسرائيلية خلقت حالة من الفوضى والجوع والموت".
ونقل عامل إغاثة يعمل في الدعم النفسي قوله: "الأطفال يقولون لآبائهم إنهم يريدون الذهاب إلى الجنة، لأن الجنة فيها طعام على الأقل".
وأضاف البيان أن الأطباء يبلغون عن معدلات غير مسبوقة من سوء التغذية الحاد، خصوصًا بين الأطفال وكبار السن، وأن أمراضًا مثل الإسهال الحاد تنتشر، والأسواق فارغة، والقمامة تتراكم، والكبار يتساقطون في الشوارع من الجوع والجفاف.
كما أشار إلى أن متوسط عدد شاحنات المساعدات التي تدخل القطاع لا يتجاوز 28 شاحنة يوميًا، وهو رقم لا يكفي لسدّ حاجة أكثر من مليوني إنسان، كثير منهم لم يتلق أي مساعدة منذ أسابيع.
وأكدت المنظمات أن النظام الإنساني لم يفشل، بل منع من العمل، موضحة أنّ الوكالات الإنسانية تمتلك القدرة والإمدادات للاستجابة على نطاق واسع، لكنها لا تستطيع الوصول إلى المحتاجين، بما في ذلك فرقها المتعبة والجائعة، نتيجة المنع والقيود المتعمدة من قبل الاحتلال.
وفيما اعتبرت أن إعلان "إسرائيل" والاتحاد الأوروبي في 10 تموز عن "خطوات لتوسيع المساعدات" مجرد وعود جوفاء، شددت على أن كل يوم يمر دون تدفق مستمر للمساعدات يعني المزيد من الوفيات، نتيجة أمراض يمكن الوقاية منها، وأطفال يموتون جوعًا بانتظار وعود لا تتحقق.
وحذّرت من أن الفلسطينيين يعيشون في حلقة متكررة من الأمل والانكسار، ينتظرون وقف إطلاق النار والمساعدات ليستفيقوا على ظروف أسوأ، مشيرة إلى أن العذاب ليس جسديًا فقط، بل نفسي أيضًا، حيث أصبح البقاء على قيد الحياة مجرد سراب بعيد.
في ختام بيانها، دعت المنظمات الإنسانية الحكومات حول العالم إلى وقف التذرع بالانتظار أو الإذن للتحرك، مطالبة باتخاذ خطوات حاسمة، أبرزها: المطالبة بوقف إطلاق نار فوري ودائم، رفع جميع القيود البيروقراطية والإدارية، فتح جميع المعابر البرية، ضمان الوصول الكامل إلى جميع أنحاء قطاع غزة، رفض نماذج توزيع المساعدات الخاضعة للسيطرة العسكرية، استعادة آلية إنسانية مبدئية تقودها الأمم المتحدة، الاستمرار في تمويل المنظمات الإنسانية المحايدة والمبدئية، واتخاذ تدابير ملموسة لإنهاء الحصار، مثل وقف نقل الأسلحة والذخيرة إلى "إسرائيل".
وأشارت المنظمات إلى أن الترتيبات المجزأة واللفتات الرمزية مثل الإنزال الجوي أو صفقات المساعدات الجزئية ليست سوى غطاء للتقاعس عن العمل، ولا يمكن أن تحل محل الالتزامات القانونية والأخلاقية للدول في حماية المدنيين الفلسطينيين وضمان إيصال المساعدات بفعالية.