أبشع مشهدٍ إنساني يعيشه العصر الحديث، يصنعه الاحتلال "الاسرائيلي" في قطاع غزة، على مرأى العالم أجمع، حيث تعصف المجاعة بأهالي القطاع وتطحن سكانه بلا رحمة، لتتحول حياة أكثر من مليوني إنسان إلى مأساة يومية عنوانها "الجوع والموت البطيء"، بينما يقف العالم متفرجاً بصمتٍ مريب.
الأجساد في غزة أنهكها الجوع، وبطون الأطفال خاوية منذ ثلاثة أيام، والوجوه شاحبة، والأعين ذابلة، والإغماءات في الشوارع وعلى أبواب مراكز التوزيع باتت مشهداً معتاداً. من كان يستطيع أن يوفر كيس طحين، اليوم لا يجد كسرة خبز، وسط حصار خانق تفرضه قوات الاحتلال "الإسرائيلي"، يمنع دخول المساعدات ويغلق المعابر بالكامل، ويحوّل مراكز التوزيع إلى "مصائد قتل"، استشهد فيها مئات المدنيين أثناء انتظارهم الحصول على "كرتونة تموين" أو كيس دقيق.
وبحسب بيانات مكتب الإعلام الحكومي في غزة، فقد ارتقى حتى الآن 147 شهيداً بسبب الجوع، بينهم 88 طفلًا، في ظل خطرٍ داهم يُهدد حياة أكثر من 40,000 طفل رضيع دون عمر السنة الواحدة.
أقسام الطوارئ تغص بالمجوعين.. ورغيف خبز حلم
وزارة الصحة في قطاع غزة أفادت أن أقسام الطوارئ تستقبل أعداداً غير مسبوقة من المدنيين المجوعين من مختلف الفئات العمرية، يعانون من إعياء حاد ونقص غذائي شديد. وحذرت الوزارة من أن مئات الحالات التي تدهورت أجسادها بفعل الجوع قد تفارق الحياة في أية لحظة.

توثيقات وشهادات رصدها موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين، تظهر حجم الكارثة، تقول إسلام أبو جياب: "ماذا سيصنع العالم للمجاعة؟ أطفال غزة لا يجدون الحليب ولا المأكل، والشيوخ لا طعام ولا علاج. نموت جوعاً أمام مرأى العالم. أصبحت أحلامنا رغيف خبز! إنتو متخيلين؟ حسبي الله ونعم الوكيل".
أما منتصر مطر وجّه نداءً إنسانياً إلى العالم: "أطالب العالم بالنظر إلينا نظرة إنسانية فقط.. إذا كان في قلوبكم ذرة شرف وكرامة، أدخلوا المساعدات بالقوة، لقد نفدت الحياة في قطاع غزة، وإذا لم تدخلوا الطعام سيكتب التاريخ أن أشخاصًا ماتوا جوعى أمام صمت العالم".
أما إسماعيل، فصرخ قائلاً: "المجاعة تضرب كل أرجاء غزة، لا يوجد طعام، الناس تائهة في الشوارع، جوعى ومنهكون، لا نعلم ما سيحدث خلال الساعات القادمة. أدركونا قبل فوات الأوان".
داليا كتبت: "في بلادنا... حتى الخبز أصبح حلماً، نستيقظ كل صباح على أمل أن نجد رغيفاً يسد جوع طفل، أو يسكّن ألم معدة خاوية، لكن الأفران مغلقة، والطحين مفقود، والوجع لا يُغلق أبوابه"، وأضافت: "ننتظر في طوابير الجوع، نعد الثواني أمام أبواب لا تفتح، ونتقاسم لقيمات لا تكفي حتى للسكوت،في زمن الحرب... لم يعد الخبز قوت الفقراء، بل صار رفاهية لا يقدر عليها إلا القلة".
وتسائلت داليا: "هل يعقل أن نعيش في القرن الحادي والعشرين ونموت من أجل رغيف؟ أين الإنسانية؟ أين العالم؟ حتى أبسط الحقوق... ضاعت!"
الجوع في غزة حكم إعدام بطيء
أما هبة محمد توضح ما يفعله الجوع: "الجوع ليس مجرد رقم في نشرات الأخبار، إنه عدوٌ صامت ينهش الأجساد. طفل يبكي من ألم البطن، وعجوز تُذبلها الأيام وهي تعطي لقمتها لحفيدها. إنه حكم إعدام بطيء".
فيما وصف محمد العجرمي الحياة في القطاع بأنها صراع من أجل البقاء وقال: "نعيش الجوع يومياً، نصارع من أجل البقاء، نُسكت بكاء الأطفال بكلمة حنان أو كسرة خبز إن وجدت، لا نطلب المستحيل، نريد فقط حياة كريمة، وكسرة تسد رمق جائع، جوع غزة ليس ضعفًا، بل صبر وكرامة تأبى أن تُهزم".
مأساة لا يُمكن وصفها
كما شرحت أم ياسر محمد مآسي الجوع وقالت: "الناس تنهار في الشوارع من الجوع. كبار السن يبحثون في الحاويات أمام المستشفيات عن فتات خبز. أطفال يلتقطون بقايا مكمل غذائي من الأرض. اخترعنا أكلات وهمية من العدس فقط، لنُخدع أنفسنا".
فيما روى أبو حسن تمراز محاولته شراء الطحين: "ذهبت إلى السوق لأشتري كيلو طحين، لكني لم أجد له أثراً. رأيت الناس يتجمعون حول تاجر يبيع العدس بـ60 شيكلاً للكيلو، وهو سعر تضاعف 30 مرة. حسبنا الله ونعم الوكيل".
يوسف عبد اللطيف قال: "في غزة لا نعيش، نحن نحتضر ببطء، القصف يمزق الأحلام، والجوع يأكل الأجساد. لا دواء، لا خبز، لا مأوى. نبكي بصمت لأن العالم اعتاد صراخنا. أنقذوا ما تبقى منّا… قبل أن نصبح مجرد ذكرى"
أما سجود أبو دقة أكدت أنّ الحياة ما زالت تنبض من خلال الماء والملح فقط وقالت: "صرنا ناكل الجوع، ونشرب القهر، ونستنشق الوجع. يوم الجمعة، الناس تتجمع حول مائدة الطعام، أما نحن فغداؤنا كان ماء وملحاً! لا خبزة، لا لقمة، لا حتى ريحة أكل. عتبنا كبير، والقهر أكبر".
من جهته محمد قيطة ناشد قائلاً: "منذ 3 أيام لم يذق أهالي غزة الطعام. أطفال أخي يرجونني منذ يومين لرغيف خبز، ولا يوجد. طيب بعدين؟ على شو بنفاوض؟ لو كل الناس ماتت، شو ضل بالوطن"؟
فيما يعود هيثم كريم بذاكرته إلى مجاعة سابقة: "عشنا مجاعة سابقة وأكلنا علف الحيوانات حين توفر. لكن الآن، الوضع أسوأ. لا طحين ولا علف، وكل شيء أصبح فوق طاقة الناس. الكارثة حلّت فعليًا، وكل ساعة أسوأ من التي قبلها. لا نناشد أحدًا.. العرب والمسلمون غير موجودين، لا حول ولا قوة إلا بالله".