أعلنت مجموعة من الشخصيات الوطنية الفلسطينية، يوم الخميس 23 تموز/يوليو، دخولها في إضراب مفتوح عن الطعام خلال وقفة تضامنية في ساحة "بلدنا" وسط مدينة رام الله، احتجاجًا على حرب التجويع التي يتعرض لها قطاع غزة، وللمطالبة بوقف الإبادة المستمرة بحق سكانه. وشارك في الإضراب قيادات بارزة من الحراكات والمؤتمرات الشعبية والوطنية، من بينهم أحمد غنيم، أمين سر لجنة المتابعة في المؤتمر الوطني الفلسطيني، وعمر عساف، أمين سر المؤتمر الشعبي الفلسطيني، والدكتور ممدوح العكر، عضو قيادة المؤتمر الوطني الفلسطيني وعدد من الناشطات والناشطين.
في ظل تصاعد الغضب الشعبي من جرائم الاحتلال في غزة، وما يقابله من حالة جمود سياسي وجماهيري في الضفة الغربية، برزت هذه المبادرة كخطوة لافتة أعادت تسليط الضوء على إمكانيات التحرك الشعبي في مواجهة الانسداد القائم. مبادرة يقودها ناشطون وشخصيات وطنية، وتطرح أسئلة حول مدى قدرتها على كسر حالة الصمت، واستعادة زمام المبادرة، وإحياء الدور التاريخي للضفة كمركز ثقل وطني في المشهد الفلسطيني.
في هذا الحوار، نفتح مع الأستاذ أحمد غنيم، القيادي في الحراك التضامني وحركة فتح، ورئيس لجنة المتابعة في المؤتمر الوطني الفلسطيني، جملة من القضايا المرتبطة بأهمية هذه الخطوة ودلالاتها، وأسباب تراجع الحضور السياسي للضفة، وتنامي ظواهر الكفاح الفردي، وإمكانية بناء وحدة ميدانية بين مختلف الساحات الفلسطينية، إضافة إلى موقف الفصائل من الحراك وآفاق تعميم التجربة على باقي المحافظات، وصولًا إلى رسالته لأهالي غزة والفلسطينيين في الشتات، ودور المؤتمر الوطني في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ القضية الفلسطينية.
شهدت الضفة الغربية مؤخرا حراكًا تضامنيًا واسعًا وغير مسبوق مع قطاع غزة منذ اندلاع حرب الإبادة "الإسرائيلية" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تمثل في تظاهرات وواقفات وإضرابات في عدة مدن بالضفة، وخصوصًا في رام الله، وسط محاولات قمع من أجهزة السلطة الفلسطينية.
فشل سياسة النأي بالنفس: نحو استعادة المبادرة الشعبية
وفي هذا الإطار يؤكد القيادي أحمد غنيم أن الإضراب الذي انطلق قبل 18 يومًا جاء "في سياق كسر الصمت الشعبي والرسمي الذي ميز الضفة الغربية منذ أكثر من عام، خاصة مع تصاعد حرب الإبادة ضد شعبنا في غزة".
ويضيف: "لا يعقل أن تمتلئ شوارع العالم بمظاهرات نصرة لغزة، بينما يبقى المشهد في الضفة صامتًا. سياسات النأي بالنفس التي تبنتها القيادة الفلسطينية بحجة حماية الضفة سقطت أمام واقع الاحتلال الذي يجتاح ويدمر ويقتل في كل مدنها من الشمال إلى الجنوب، ويعمل على تصفية القضية الفلسطينية بالكامل".
ويرى أن هذه المبادرة لا تقتصر على بعدها الرمزي، بل تمثل سعيًا حقيقيًا لاستعادة زمام المبادرة الشعبية بعد سنوات من انشغال الفصائل "بصياغة أوراق تتحدث عن الوحدة ومواجهة الإبادة، دون فعل جدي على الأرض".
ويعتبر غنيم الإضراب "كسر لروتين العمل القاتل لدى الفصائل التي تكتفي بإصدار البيانات"، مؤكدًا أن النزول إلى الشارع عبر الإضراب والمظاهرات اليومية يهدف إلى "استنهاض همم الناس مجدداً".
وحول تراجع الدور التاريخي للضفة كمركز ثقل وطني، يحمّل غنيم القيادة الرسمية مسؤولية "عملية تخريب في الوعي الجمعي وإعادة هندسة الأولويات"، مشيرًا إلى أن مؤسسات العمل الأهلي والفصائل لم تكن في حال أفضل، ما عمّق الشعور بالعجز والإحباط. ويؤكد أن استعادة زمام المبادرة "تحتاج طليعة شجاعة، ذات همة عالية واستعداد للتضحية، وهذا يتطلب وقتًا إضافيًا".
العمل الفردي… إضاءات تقلق الاحتلال
وعن ظاهرة العمل الفردي، كعمليات المقاومة الفردية والاشتباكات المسلحة، يصفها غنيم بأنها "احتجاج على تخلي الفصائل الوطنية عن مسؤولياتها"، وهي برأيه "إضاءات منيرة تقلق الاحتلال"، لكنه يحذر من الركون إليها، داعيًا إلى "توظيفها ضمن إطار وطني منظم يعيد زمام المبادرة، ويعيد الروح للحالة الشعبية".
وبشأن التنسيق الميداني بين الضفة ومناطق الـ48، يرى غنيم أن الحراك "لا يزال في بداياته، ويحتاج إلى تنظيم أكبر وزيادة كفاءة التحشيد، من خلال رؤية واضحة وبرامج وآليات عمل"، مشيرًا إلى تأثير "اليد الثقيلة التي تجثم على صدور الناس" في الحد من توسع الفعل الشعبي.
ويشدد على أن الحراك يرفع شعار "التغيير الآمن في النظام السياسي الفلسطيني" ويرفض الانجرار إلى أي مواجهات داخلية مهما بلغت الاستفزازات، لأن "الوحدة الوطنية هي الضرورة الأولى التي نسعى لتحقيقها".
ويكشف أن مبادرة الإضراب جاءت "من شخصيات وطنية في الأساس، نتيجة غياب الدور الميداني للفصائل "، لافتًا إلى أن بعض الفصائل حاولت تجاهلها في البداية، ثم بدأت بالمشاركة "على استحياء"، وما زالت مساهمتها "شكلية ودون فاعلية حقيقية".
رسالة إلى غزة والشتات
وفي رسالته لأهالي غزة، يقول غنيم: "نحن جزء منكم، لن نتخلى عن مسؤولياتنا وواجبنا برفع الصوت محليًا وعربيًا ودوليًا، حتى تتوقف حرب الإبادة والتجويع. ما نقوم به لا يساوي ذرة أمام تضحياتكم العظيمة".
أما للفلسطينيين في الشتات، فوجه التحية ودعاهم إلى "المزيد من التشبيك والعمل المنظم بالتنسيق مع الوطن، لتصعيد الفعاليات الشعبية وتعزيز المشاركة العربية والدولية فيها"، مؤكدًا أن أمام الشتات "فرصًا كبيرة للضغط على الفاعلين السياسيين في تلك الدول والمؤسسات الدولية، لتحويل المواقف المناصرة إلى قرارات وسياسات رسمية، وصولًا إلى محاكمة مجرمي الحرب في دولة الاحتلال".