تسود حالة من الصدمة العارمة أوساط اللاجئين الفلسطينيين في الشمال اللبناني، ولا سيما في مخيم نهر البارد، عقب صدور قرار عن القضاء اللبناني يقضي بإخلاء سبيل المتهم الرئيسي في جريمة "قارب الموت"، التي راح ضحيتها أكثر من 150 شخصاً من الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين في أيلول/سبتمبر 2022، خلال محاولة للهجرة غير النظامية نحو أوروبا.
واعتبر أهالي الضحايا أن القرار يشكل طعنة جديدة في قلوبهم، ويظهر استخفافاً بدماء الأبرياء الذين قضوا في رحلة اليأس والهروب من الفقر والبطالة، مطالبين القضاء اللبناني بإعادة النظر في القرار ومواصلة التحقيقات، وداعين المؤسسات الحقوقية والإنسانية إلى التدخل لضمان إنصاف ذوي الشهداء والمفقودين ومحاسبة جميع المتورطين في الجريمة.
وقال والد المفقود محمود ناصر فرغاوي لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين": إن القرار الذي صدر بحق المدعى عليه المجرم بلال ديب هو "قرار جائر بحق الشهداء وبحق المفقودين، وبحقنا نحن كأهلهم".
وأضاف فرغاوي: "نطالب السفارة الفلسطينية بالتدخل لحل هذا الموضوع، وتقديم استئناف على القرار، ومتابعة القضية بشكل جدي، خاصة أنها وفّرت محامياً لمتابعتها منذ بدايتها، لضمان إنصاف أهالي الشهداء والمفقودين".
من جهته، عبّر عمر المغربي، والد أحد المفقودين، لموقعنا، عن استيائه الشديد مما وصفه بـ"الظلم الكبير" الذي لحق بعائلات الضحايا والمفقودين، قائلاً: "بالنسبة لي، هذا أكبر ظلم، ونحن كأهالي ما حدا طلع فينا، لا فصائل ولا مؤسسات، رغم أننا دقّينا أبواب الجميع".
وتابع بأسى: "نحن كفلسطينيين ما إلنا مرجعيات، ما لنا غير الله، وأنا متأكد أنه ابني كان موقوفاً بفرع فلسطين في سوريا قبل سقوط النظام بشهر ونص، بس ما في حدا نطالبو ولا جهة نلجأ إلها".
وطالب المغربي بـ"التدخل السريع من السفارة الفلسطينية كونها عيّنت محامياً من البداية لمتابعة القضية، والطعن بهذا القرار".
بدوره، قال عمر خالد، والد أحد الشهداء في قضية "مركب الموت"، إنه يشعر بتجاهلٍ تام من جميع الجهات، مضيفاً: "بالنسبة لي كوالد شهيد، ما حدا نظر إلي، ولا حدا سألني شو بدي. الزلمي طلع من الحبس وما معنا أي خبر". وأضاف خالد بغضب: "المحامي لازم يطعن بالقرار، لأنو هيك ظلم كبير بحقنا وبحق أولادنا اللي راحوا".
القضية لم تُقفل بعد ولم تصدر فيها أحكام نهائية
وفي متابعة قانونية لمستجدات الملف، أوضح المحامي محمد أبو شاهين، المكلّف بمتابعة القضية، لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أن الدعوى كانت منظورة أمام حضرة قاضي التحقيق الأول في الشمال، الرئيسة سرمندا نصار، وذلك بناءً على الادعاء المباشر المقدم من أولياء الدم بوجه المدعى عليه بلال نديم ديب ومجهولين، وكل من يظهره التحقيق، بجرائم القتل العمد، التهديد، والغش في المهاجرة، استناداً إلى المواد 548 فقرتي 4 و5، و549، و573، و668 من قانون العقوبات اللبناني.
وأضاف أبو شاهين أن الجلسات كانت تعقد بشكل دوري وضمن متابعة حثيثة، حيث أجريت التحقيقات مطولاً مع المدعو بلال ديب وعددٍ من الموقوفين الآخرين في الملف، واستمرت لساعات طويلة.
وأشار إلى أنه "في كل مرة كانت التحقيقات تكشف عن أسماء جديدة متورطة في القضية، ما يؤدي إلى توقيفهم وتأجيل إقفال التحقيق"، لافتاً إلى أن من بين الموقوفين الأخوين من آل طه وثلاثة عسكريين، وقد أثبتت التحقيقات تورطهم في الملف، الأمر الذي شكّل عائقاً متكرراً أمام ختم التحقيقات وإحالة الملف إلى القضاء المختص.
وأوضح أبو شاهين أن معظم جلسات التحقيق كانت تعقد بحضور من يشاء من المدّعين إلى جانب محاميهم، ومن بينهم السيد محمد إسماعيل، أحد الناجين من الحادث، والسيد علي الوحيد.
وأضاف أن ظروفاً تتعلق بسير التحقيقات دفعت القاضية سرمندا نصار إلى طلب تنحيها عن الملف لأسبابها الخاصة، وعليه أحيل الملف والموقوفون إلى أكثر من قاضٍ للتحقيق، إلى أن استقر مؤخراً لدى القاضي ناجي الدحداح.
وبيّن أبو شاهين أن القاضي الدحداح، بعد دراسة الملف، تبيّن له وجود موقوفين عسكريين ضمنه، مما يجعل دائرته غير مختصة لمتابعة الدعوى، فأحاله إلى القضاء العسكري، وذلك بعد استطلاع رأي النيابة العامة في الشمال، مؤكّداً أن هذا الإجراء يأتي وفقاً للأصول القانونية المرعية الإجراء.
وكشفت مصادر قانونية أن الملف، بعد إحالته إلى قاضي التحقيق العسكري، جرى تعديل الوصف الجرمي من القتل العمد المنصوص عليه في المادة 549 من قانون العقوبات إلى التدخل في التسبب بالوفاة استناداً إلى المادة 550 من القانون نفسه.
وأضافت المصادر أن القاضي العسكري اعتبر فترة التوقيف السابقة، التي ناهزت ثلاث سنوات ونيّف، كافية سنداً إلى المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تحدد مدد التوقيف في الجنايات والجنح.
وأكد المحامي أبو شاهين أنه، وفق ما تم إبلاغه به، تم إخلاء سبيل المدعى عليه بلال ديب وباقي الموقوفين في الملف بكفالة مالية، وأن القضية لم تُقفل بعد، ولم تصدر فيها أحكام نهائية، على أن تتابع جلساتها أمام المحكمة العسكرية في بيروت.
ولفت إلى أن تحويل القضية إلى القضاء العسكري قد حرم ذوي الضحايا والمدّعين من متابعة الجلسات بشفافية وعلنية، على عكس القضاء العدلي الذي يتيح حضور الأطراف والرأي العام.
وختم قائلاً إنّه خلال سير التحقيقات تم تقديم أكثر من طلب إخلاء سبيل من المدعى عليهم، وجرى الاعتراض عليها مراراً من قبل فريق الادعاء وأهالي الضحايا.
وتستمر مشاعر الغضب والاستياء بين عائلات الضحايا الذين يرون أن قرار الإفراج عن المتهمين، بعد ثلاث سنوات من المأساة، يمثل إهانة لكرامة أبنائهم الذين غرقوا في رحلة الموت، فيما يؤكد محاميهم أنهم سيواصلون الإجراءات القانونية حتى تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا والمفقودين.
موضوع ذو صلة: "جهاد مشلاوي" يروي تفاصيل رحلة الموت على متن مركب الهجرة المنكوب
