يشهد مخيم نهر البارد شمالي لبنان أزمة إنسانية غير مسبوقة، بعد امتلاء المقابر بشكل شبه كامل، إذ لم يتبقَّ في المقبرة القديمة سوى مساحة لا تتعدى 25 متراً مربعاً، أي ما يعادل من 10 إلى 15 قبرا فقط، ما يهدد بانعدام القدرة على الدفن خلال أيام قليلة.

الأهالي أطلقوا نداءات استغاثة عاجلة إلى المرجعيات الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" ومنظمة التحرير الفلسطينية، لتأمين أرض جديدة تحفظ كرامة المتوفين وتمنع ما وصفوه بـ"الانهيار الإنساني".

WhatsApp Image 2025-11-13 at 5.15.29 PM.jpeg


 

"كارثة بكل معنى الكلمة"... الأهالي يصرخون

ووصف الناشط زاهر الجندي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، ما يعيشه أبناء المخيم في هذا السياق بأنه "كارثة إنسانية بكل ما للكلمة من معنى"، محذراً من فقدان القدرة على دفن الموتى وافتقاد أي حل يحفظ الكرامة الإنسانية للمتوفين.

وقال بحرقة: "هاي كارثة إنسانية… يعني بكرا بس ما يكون عنا قبر شو بنساوي؟ بنحطه بالبراد يوم ويومين وثلاثة، وبعد هيك شو؟ يا بدنا نحرقه؟ يا بدنا نكبه بالبحر؟ اليوم أنا بكب أبوي وأمي بالبحر؟".
وأضاف: "اليوم في ناس إذا مات عندها حدا وفي قبر قديم عم يدفنوا فيه، واللي ما عنده عم يدوّر على أرض جديدة، بس ما في أرض. بدنا حل جذري وسريع. المرجعية لازم تلاقي أرض بالمخيم أو برّا، وإلا رايحين على مكان مظلم."

 صرنا نطالب بقبر ندفن فيه الموتى

من جانبه، قال عماد أبو ناصر لموقعنا: "الواحد هو وعايش ما ملاقي أرض يعمر فيها، وحتى هو وميت، ما لاقي محل يندفن فيه. والله شيء كارثي. وصلنا لمرحلة خلاص، حتى الميت ما ملاقي يندفن، والله مصيبة"، وأضاف بمرارة: "نريد حلاً لهذه الأزمة، كنا نطالب بالخمسين دولاراً للأولاد وكبار السن، صرنا نطالب بقبر ندفن فيه الموتى ، والله مهزلة."

وحذّر أبو ناصر من أن الوضع لم يعد يحتمل التأجيل، داعيًا المرجعيات والفصائل الفلسطينية إلى التحرك السريع لتأمين حلول تحفظ كرامة الموتى.

يجب أن نجد أرضاً جديدة للدفن .. نناشد منظمة التحرير والفصائل والمغتربين 

أمّا رشدية رشيد، وهي من أبناء المخيم فقالت: "صرنا ندفن فوق بعض، ما في مجال نمرّ بين القبور، وما في مساحة نزور أهلنا.،حتى لو بدنا ندفن حدا جديد، لم يعد له مكان... فوق أبوه؟ فوق أخوه؟ هذا الشي غير مقبول"، وأضافت: "صرنا نفكر، إذا مات الواحد فينا، وين بدنا ندفنه؟ صار الوضع مأساوي. لازم نلاقي أرض جديدة لكرامة موتانا."

WhatsApp Image 2025-11-13 at 5.15.30 PM.jpeg


من داخل المقبرة القديمة، أطلق الحاج سليم عودة صرخة مؤثرة، مؤكداً أن المقبرة امتلأت بالكامل تقريباً. وقال: "نريد فقط أن نكرم موتانا، فهذا أقل ما يمكن، نريد أن نجد مكانًا ندفن فيه أهلنا ونرتاح أننا قمنا بواجبنا تجاههم بعد موتهم."

وطالب الحاج سليم وكالة "أونروا" ومنظمة التحرير الفلسطينية بالتحرك السريع لتأمين أرض بديلة، مضيفاً: "المفروض أنتم تعرفون وجعنا وتأمنوا لنا البديل بسرعة. نأمل أن تصل صرختنا إلى أهلنا المغتربين القادرين على المساعدة لشراء أرض جديدة قريبة من المخيم."

WhatsApp Image 2025-11-13 at 5.15.30 PM (1).jpeg


 

من جهتها حذرت اللجنة الشعبية في المخيم من هذا الواقع، وذلك على لسان عضوها أبو نزار خضر ، الذي قال لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن أزمة المقابر بلغت مرحلة خطيرة، مشيراً إلى أن اللجنة تابعت الملف منذ أكثر من عامين بالتعاون مع اللجان والهيئات الفلسطينية.

وأوضح: "وجهنا عدة رسائل إلى الأونروا والمرجعيات الفلسطينية ولجنة العمل المشترك وحركة فتح، دون التوصل إلى حل فعلي حتى اليوم."

وأضاف: "هذا الموضوع حساس جداً، ولا يحتمل التأجيل. سنرفع صوتنا مجددًا بكتب رسمية إلى الجهات المعنية على أمل أن يكون هناك تحرك سريع ومسؤولية جماعية لإيجاد حل دائم لهذه المشكلة التي تمس كرامة الإنسان الفلسطيني."

كرامة الأموات من كرامة الأحياء 

من جهته، أوضح سامر حمود، عضو لجنة إكرام الموتى، لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن المقبرة القديمة وصلت إلى طاقتها القصوى ولم يتبقَّ فيها سوى ما يقارب 15 قبرا فقط. وقال لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "تواصلنا مع اللجنة الشعبية ووعدونا خيراً، لكن حتى الآن لم نر أي خطوة فعلية، كرامة الميت دفنه، وإحنا صرنا نواجه صعوبة في إيجاد قبر ندفن فيه موتانا."

وأضاف بأسى: "الناس مضطرة أحياناً تدفن أكثر من شخص في نفس القبر، وبعض القبور فيها حتى ستة متوفين، هذه القبور ما عادت تتسع لميت جديد"، وختم قائلاً: "مثل ما كان يقول جدي: بنجبرها قبل ما تنكسر، يعني لاقوا حل قبل ما يصير الوقت متأخر."

ووجّه الأهالي نداءً عاجلاً إلى المرجعيات الفلسطينية، ومنظمة التحرير، والتحالفات الوطنية، والجماعات الإسلامية، مطالبين بتأمين قطعة أرض جديدة تُخصّص للدفن، سواء من خلال التبرع أو الشراء الجماعي.

كما دعوا أبناء الشعب الفلسطيني في الشتات إلى المساهمة ولو بمبالغ رمزية للمساعدة في حل الأزمة، مؤكدين أن: "كرامة الميت من كرامة الأحياء."

فبين جدران المقابر تتكثّف معاني الألم والعجز، حيث يختصر مشهد القبور المتلاصقة حكاية شعبٍ يبحث عن موطئ قبرٍ لراحة أمواته بعد أن ضاقت به الحياة، فأزمة مقابر نهر البارد ليست مجرد قضية مكان، بل امتحان للكرامة الإنسانية ومسؤولية جماعية أمام التاريخ والضمير، فالموت حق، ودفن الميت بكرامة… واجب لا يحتمل الانتظار.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد