مع بداية فصل الشتاء، تتجدّد معاناة مئات العائلات الفلسطينية في منطقة البقاع، حيث تتداخل الأزمات المعيشية مع الظروف المناخية القاسية، ما يجعل هذا الفصل عبئًا ثقيلًا على الأسر التي تعيش بين الفقر والبطالة وغياب الدعم وتدهور البنى التحتية داخل المنازل والطرقات.
كابوس المازوت يتجدّد كل عام
يعاني الفلسطينيون في المنطقة من ارتفاع كبير في أسعار مادة المازوت رغم توفرها. ويقول أحد اللاجئين من المخيم لمراسلة "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إن هذه المادة تحوّلت إلى "كابوس" متكرر كل شتاء، موضحًا:
"نحن هنا في البقاع، في منطقة تُعدّ من أكثر المناطق برودة في بعلبك. ومع دخول الشتاء يتحوّل المازوت إلى كابوس حقيقي. صحيح أنه متوفر، لكنه باهظ الثمن. فإذا كان شخص في منطقة أخرى يشتري جالونًا واحدًا، فنحن نحتاج إلى ثلاثة جالونات يوميًا؛ بسبب وجود أطفال صغار وحاجتنا لتشغيل المدفأة طوال اليوم، وهذا ما لا نستطيع تحمّله".
لاجئ آخر أكّد أنّ غياب الدعم من الجهات الإغاثية، وعلى رأسها "أونروا" يزيد من وطأة الأزمة، وقال: "كانت الوكالة تقدّم لنا، أما الآن فلا نحصل على شيء. الجمعيات تساعد إذا وصلتها مساعدات، وإن لم يصلها شيء لا تقدّم شيئًا. نحن ننتظر رحمة الله".

بطالة خانقة تدفع أصحاب الخبرات إلى أعمال لا تناسبهم
وتفاقم البطالة هشاشة الوضع المعيشي، إذ يواجه الفلسطينيون — حتى أصحاب الشهادات والخبرات — صعوبة بالغة في إيجاد فرص عمل مناسبة. ويقول أحدهم:
"أنا دارس Computer Science، ولدي خبرة عشرون عامًا. أبحث عن عمل ولا أجد، لأن فرص العمل قليلة جدًا. أعمل حاليًا في مطعم، وفي كل شتاء نعاني من تأمين المازوت والطعام، والناس تبحث عن عمل بلا جدوى".
ويشير اللاجئ إلى حجم أزمة البطالة في مخيم الجليل في البقاع، موضحًا: "معظم الناس بلا عمل. لا توجد فرص تكفي ليُطعم الإنسان أولاده. نتمنى توفير فرص عمل للشباب، فثلاثة أرباع المخيم بلا عمل".
الطلاب أبرز الفئات معاناةً
لا يقتصر الثقل على الأهالي فقط، فطلاب المدارس والجامعات يواجهون تحديات مضاعفة وسط البرد ونقص وسائل النقل. وتقول طالبة من المخيم لموقعنا:
"المواصلات في الشتاء تؤثر على قدرتي على المراجعة صباحًا، لأنني أضطر للاستعجال للتجهّز واللحاق بالفان، كما أن التدفئة تؤثر علينا؛ فإذا كنت بردانة لا أستطيع فعل شيء، وليس دائمًا أجد المدفأة مشتعلة عند الاستيقاظ".
طالبة أخرى تعيش خارج المخيم، أكدت أنّ الطريق إلى المدرسة يتحوّل إلى معاناة يومية، وتصف الوضع بالقول: "أصل إلى المدرسة بالفان، لكنه أحيانًا يتعطل بسبب الأمطار الغزيرة. ونتعذّب كثيرًا في الطريق، ونضطر لارتداء الكثير من الملابس حتى لا نبرد".

رطوبة وتسريب يهددان الصحة
وتزداد الأزمة داخل المنازل التي تعاني من الرطوبة وتسرب المياه — وهي مشكلة مزمنة في مخيمات الفلسطينيين في لبنان. وتصف إحدى اللاجئات منزلها قائلة:
"النشّ كثير، والردم ينزل علينا. المياه تدخل إلى البيوت في الشتاء. كما ترين، الرطوبة شديدة، ونحن بحاجة لمن يصلّح هذه المشاكل".
ويحذّر أحد اللاجئين من التأثير الصحي الخطير لهذه الظروف، موضحًا: "الرطوبة والنشّ مع التدفئة يسببان ارتفاعًا كبيرًا في نسبة الرطوبة، وهذا يؤثر على الأمراض المزمنة مثل الربو والحساسية الصدرية. بعض الناس يحتاجون إلى أكسجين أو عناية فائقة. نأمل أن يوجد حل لتأمين أماكن صحية أو علاج مناسب."
وتتعدّد الأزمات التي يواجهها الفلسطينيون في البقاع بين غياب فرص العمل، وارتفاع أسعار المازوت، ورداءة المنازل، وصعوبة المواصلات، فيما يجمعهم شعور عام بالعجز وسط غياب أي حلول مستدامة أو دعم فعلي من المؤسسات الدولية والجهات الرسمية. ومع استمرار تردّي الوضع الاقتصادي في لبنان، يبقى الفلسطينيون أمام فصل شتاء آخر يهدّد أمنهم المعيشي والصحي، ويزيد من الاحتياجات الأساسية التي ما زالت بلا استجابة.
شاهد/ي التقرير
